توازياً مع العزلة التي فرضها الرئيس الأميركي جو بايدن على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعدما رفض لقاءه غير مرة، بل حتى الاتصال به والتواصل معه مباشرة، يبحث الأخير عن "زعامته الضائعة" بين الدول الخليجية، تلك التي ظن أنه سيورثها كالعرش من أبيه الملك سلمان. حيث أنه زار الامارات ثم سلطنة عمان لينتقل بعدها إلى قطر والبحرين.
هذه الزيارة التي تأتي ضمن إطار "إعادة تشبيك علاقات الدول الخليجية المتصدعة" في السنوات الأخيرة، تأتي أيضاً بالتزامن مع زيارة مستشار الأمن القومي الاماراتي طحنون بن زايد إلى إيران، والتي تشي بما يشبه "المنافسة السلبية"، ففي الوقت الذي يقود به محمد بن سلمان حملة التجييش ضد طهران، تختار الامارات سوريا ثم إيران لتبدأ تسويتها السياسية في عدد من ملفات المنطقة، إضافة لمد الجسور مع تركيا.
بالنسبة لعمان، يرى بن سلمان انه يستطيع تحقيق بعض المكاسب في ظل الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر بها السلطنة، إضافة لطمعه في الدور الذي تلعبه عمان في الاتصال المباشر مع حركة أنصار الله وبالتالي الاستفادة من علاقاتها الودية مع كل من إيران وصنعاء. لكن ذلك المسار الذي يتطلع إليه بن سلمان مليء بالتعقيدات، فحتى الاستقبال الحار الذي أعد له في السلطنة اخترقه صوت الصواريخ الباليستية اليمنية التي كانت تستهدف العمق السعودي.
ولأجل ذلك قدم ولي العهد حصة استثمارات كبيرة أعلن عنها خلال الجولة، حيث تم توقيع 13 اتفاقاً استثمارياً متعدد الأطراف بين المؤسسات السعودية والعمانية، تبلغ قيمتها 30 مليار دولار تشمل عدداً من القطاعات الدوائية والطاقة والاقتصاد، إضافة لافتتاح الطريق البري الذي يصل بين البلدين والذي يبلغ طوله 725 كلم.
يعوّل بن سلمان أيضاً على انهيار الليرة، والأوضاع الاقتصادية التي تعصف بتركيا، لاستدراج الرئيس رجب طيب اردوغان إلى المملكة، غير ان حسابات الأخير في مكان آخر، فحتى لو انه بحاجة الريالات السعودية إلا ان هناك عدد من أوراق القوة التي لم يشهرها اردوغان بوجه بن سلمان بعد، أهمها التقارير التي تتعلق بقضية اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي وتلك المتعلقة بالانقلاب الأخير الذي تورط به بن سلمان.
اما بالنسبة لزيارته الأخيرة إلى الكويت والبحرين، فلا عناء يبذله بن سلمان لاستمالة هاتين الدولتين، في ظل السلطة الحاكمة التي تعد "ولائية" للرياض، والتي تملك الأخيرة "رابطة استقرارهما" من عدمه، ويتبين ذلك علانية خاصة لجهة البحرين التي سرعان ما تطلق تصريحاتها الداعمة لمواقف السعودية في شتى الملفات حتى دون ان تطلب الأخيرة ذلك.
شكل انتقال السلطة من دونالد ترامب إلى جو بايدن، وإصرار الأخير على الابتعاد عن واجهة الأحداث في المنطقة، قلقاً سعودياً وانخفاضاً في ارصدة ولي عهدها المتورط في الوقت نفسه في حرب اليمن، والذي لا يزال يراكم خسائره فيها، ليس فقط لناحية الأموال الضخمة التي تنفقها المملكة لشراء الأسلحة الصاروخية وأنظمة الدفاع الجوي، بل ايضاً لمواقعها على جبهات مأرب، والتي سقطت عسكرياً بيد الجيش واللجان الشعبية، ما ينذر بتحريرها قريباً، لتخسر الرياض بذلك الحرب رسمياً، مع سقوط أولى أهدافها.
الكاتب: غرفة التحرير