"تستطيع طائرات العدو أن تقصف مدننا ومخيماتنا وتقتل الأطفال والشيوخ والنساء ولكن لا تستطيع قتل إرادة القتال فينا"، كلمات تختصر الروح والنهج والفكر الذي حمله المؤسس الأول للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الدكتور جورج حبش، والتي سيكون لها الدور في أولى العمليات ضد كيان الاحتلال ومشروعه في فلسطين والمنطقة، والتي لا تزال حتى الذكرى الـ54 على تأسيسها تحافظ على مبدأ الكفاح المسّلح الذي نهضت به، وكان لها المشاركة العسكرية الفعّالة في معركة "سيف القدس" في أيار الماضي الى جانب الفصائل الفلسطينية الأخرى.
فمن هو المؤسس جورج حبش؟
_ ولد في اللد عام 1926 تنقّل في دراسته بين يافا والقدس ثمّ الى بيروت حيث درس طب الأطفال في الجامعة الأمريكية في بيروت وتخرّج منها سنة 1951.
_ كان الحدث الأهم الذي سيشكّل منعطفاً أساسياً يغير مجرى حياة الطبيب حبش هو بدأ الاجتياح الإسرائيلي لفلسطين عام 1948 وسيطرة قوات الاحتلال على المنطقة تلو الأخرى، وصدور قرارات التقسيم، فعاد الى فلسطين وعمل مسعفاً في مستشفى اللد، لكنه اضطر الى العودة الى بيروت في تشرين الأول من العام نفسه حتى يكمل دراسته، وخلال هذه الفترة بدأت تتبلور أفكاره القومية العربية ونشاطاته السياسية المناضلة حيث حوّل جمعية "العروة الوثقى" في الجامعة التي كانت تعنى باللغة العربية وآدابها الى جمعية للفكر السياسي، ونشط في تنظيم تظاهرات طلاّبية احتجاجية.
_ في أواخر 1949 انضم حبش إلى منظمة "كتائب الفداء العربي" التي أسستها مجموعة من الشباب العرب، المتواجدين في سوريا ولبنان بهدف "تصفية القادة العرب الذين لم يحركوا ساكنا من أجل فلسطين" و"ضرب المصالح الأمريكية في المنطقة"، وانكشف أمر هذه المنظمة في تشرين الأول عام 1950 واعتقل عدد من أعضائها.
_ سافر الى الأردن عام 1952، وأخد بتكثيف نشاطاته السياسية، حيث تواصل مع اللاجئين الفلسطينيين ونجح في جذب ناشطين سياسيين مثل حمدي مطر ومصطفى الزبري (أبو علي مصطفى)، وأسس مع وديع حداد مجلة "الرأي"، وعمل حبش على استنهاض الكوادر العربية وقيادة المظاهرات الشبابية بشكل جماهيري واسع المناهضة للاستعمار في فلسطين والمعارضة للسياسة البريطانية في المنطقة، وأعلن عن "حركة القوميين العرب" و وكان ابرز أعضاء الحركة وديع حداد وهاني الهندي واحمد اليماني واحمد الخطيب وصالح شبل وحمد الفرحان وحامد الجبوري، وعلى هذه الخلفيات صار حبش ملاحقاً من السلطات الأردنية واعتقل لفترة وجيزة ما اضطره الذهاب الى دمشق حيث التقى غسان كنفاني.
_ بعد الانسحاب البريطاني عاد حبش على الأردن عام 1956 حيث عُقد سرا مؤتمر حركة القوميين العرب التأسيسي الذي حضره مندوبون من عدة دول عربية، بعدها مُنعت الحركة في الأردن سنة 1957 فاضطر إلى التخفي والعيش في السر، وفي سنة 1958 ذهب إلى دمشق.
_ وفي هذه الأثناء كان جمال عبد الناصر في مصر يقود الحركات النضالية ضد الكيان الإسرائيلي والمشروع الغربي، وقد أيدّده جرمة القوميين العرب بشكل واسع.
_ بعد العدوان الاسرائيلي عام 1967 واحتلاله مزيد من المناطق الفلسطينية، قام حبش مع مجموعة من رفاقه في حركة القوميين العرب وخاصة وديع حداد وأبو علي مصطفى - بتأسيس "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي تم الإعلان عنها رسمياً يوم 11/12/1967 وحملت الجبهة فكر وتوجّه الكفاح المسلّح، ونفذّ أفراد الجبهة العديد من العمليات ضد كيان الاحتلال أهمها اختطاف طائرات تابعة للاحتلال. وكان لحبش الدور الأساسي في رسم الخط السياسي للجبهة وتحديد أهدافها الاستراتيجية، وشغل منصب أمينها العم حتى عام 1999، ثمّ خلفه أبو علي مصطفى عام 2000 حتى اغتاله الاحتلال، وحالياً يتولى المنصب أحمد سعدات.
_ جاء إلى لبنان سنة 1971 بعد انتقال قوات "الثورة الفلسطينية" إلى الجنوب ومخيمات بيروت، ليغادره سنة 1982 ويعود الى دمشق.
_ عارض ما يسمى اتفاق "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وكيان الاحتلال.
_ تعرّض لعوارض صحية أودت بحياته في 29/1/2008
ملاحقات الاحتلال:
على وقع أعماله النضالية الواسعة التي امتدت من فلسطين الى الأردن الى سوريا ولبنان، كان حبش أحد "أهداف" جهاز "موساد" الاحتلال على مدى سنوات طويلة، الذي حاول اغتياله مرات عديد وعام 1973 اختطاف حبش حين اعترضت طائرات الاحتلال طائرة مدنية عراقية وأجبرتها على الهبوط في مطار "بن غوريون"، ومن ثم سمحت لها بالإقلاع والمغادرة بعد أن تبين خطأ المعلومات الاستخبارية، وأن حبش لم يكن على متنها، كما حدث ذلك مرة أخرى حين اختطف الاحتلال طائرة سورية قادمة من ليبيا عام 1985، وبعد خمس ساعات من التفتيش في مطار "بن غوريون" اكتشف أن حبش أيضاً لم يكن هناك.
الكاتب: غرفة التحرير