نزل المطران هيلاريون كبوجي في 24 شباط 1982 سلم الطائرة في مطار مهر آباد في طهران ليُصبح بذلك الضيف الرسمي الأول الذي يزور الجمهورية الاسلامية الايرانية - الوليدة آنذاك - وكان في استقباله الآلاف الذي انتقل معهم إلى مقر الإمام الخميني الراحل.
يقول السيد المسيح في الإنجيل " لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ». إنجيل متى (18 :20)، ولا شك أن الروح الجامعة بين مسلم ومسيحي، وبالحري بين شخصيتين عالميتين وثائرتين إسلامية ومسيحية، كانت مدينة القدس ثالثهما هذه المدينة التي ترمز للسيد المسيح عليه السلام وللرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم معاً.
القدس كانت البوصلة بينهم فالإمام الخميني كان قد اقترح بعد انتصار الثورة الإسلامية في العام 1979 قائلاً: "وإنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس"
أما المطران كبوجي المعروف بأنه لا يوجد بيت مقدسي من أي طائفة كان لم يدخله، فقد قام بدفن 400 شهيد عندما احتل اليهو القدس عام 1967.
وعندما أيقن أن هناك حاجة مُلحَّة للسلاح، لم يتوانَ عن العمل على توفيره رغم مكانته الدينية الرفيعة وحصانته الدبلوماسية، فقد تولّى بنفسه نقل السلاح إلى خلايا "فتح" في الضفة عن طريق إدخاله بسيارته إلى القدس عبر معبر الناقورة اللبناني.
وكان المطران يتمكن من نقل 70 قطعة سلاح في سيارته التي لا تخضع للتفتيش نظراً لكونه يحمل جوازاً دبلوماسياً من الفاتيكان.
التقى رمزان كبيران، "الإمام الخميني" من إيران و"المطران كبوجي" الحلبي السوري، وبينهما "القدس" الفلسطينية العربية المسيحية الإسلامية.
قال المطران كبوجي عن القدس: "لم يعد الصمت ممكناً، وبات الحياد بالنسبة إلي نوع من التواطؤ ... وقال: آية الله الخميني ليس لإيران فقط".
لم تشغل قضية ذلك الحيّز في وجدان الإمام الخميني واهتماماته كالذي شغلته قضية القدس وفلسطين. وكانت القضية الفلسطينية بالنسبة له قضية معنوية، لذلك قال: "لا يمكنني أن أصدق أن من فَقَد المبادئ المعنوية يمكنه أن يُضحّي من أجل الناس"، وكان يندّد بتساهل بعض الرؤساء العرب.
واليوم نلمس هرولة الكثير من الدول نحو التطبيع، وهنا أذكر خطاباً للمطران كبوجي عام 2007 في مجمع الشيخ أحمد كفتارو مفتي سورية الأسبق، يقول فيه: "نحن لا نستجدي أحداً، نحن أصحاب حق، فلسطين أرضنا، ونحن ما نطالب به اليوم هو مُخجِل، فعندما عَرضَ بورقيبة قيام دولة فلسطينية على 46 % من فلسطين، اعتُبِرَ خائناً ورُجمَ بالبندوره، ونحنُ اليومَ نقبلُ دولةً لفلسطين فقط في 22 % من فلسطين، وهذا مُخجل …. ومن هذه الـ 22 % أَخَذت قوات الاحتلال وصادرت 40 % لِبناء المستوطنات، فما الذي بقي من 22 % من فلسطين المعطاة لنا ؟… لا شيء" وتابع: "ولذا بودي ألا أسمع، عندما يتكلم العرب عن حلٍّ للقضية الفلسطينية في حدود 67 أن يسموه حلا" عادلا" ! ... حلٌ عادل؟!! لا هذا ليس بالحقّ العادل هذا حقٌّ باطل، هذا حلّ الممكن، هذا حل الوارد، هذا الحل المستطاع، أما الحل العادل فهو فلسطين كل فلسطين".
كان الإمام الخميني والمطران كبوجي يؤكدان أن عدم الاهتمام بالقضية الفلسطينية ولا بما يعانيه الشعب الفلسطيني، سيولّد موجات غاضبة وعنيفة.
اليوم يجب ان نعلم أن التطبيع من المنظار الإسرائيلي يرمي إلى جعل الكيان المؤقت حالة طبيعية في المنطقة، في حين أن مناهضة التطبيع يجب أن تهدف الى إبقاء هذا الكيان حالة غير طبيعية ومشكلة في المنطقة وليس حلاً لها.
تريد "إسرائيل" اليوم أن تقحم البنية التحتية للتطبيع العريض فيها، تفسح في المجال أمام نشوء كل أصناف الروابط والوشائج، من العمل المصرفي إلى الطيران، إلى الربط البريدي، إلى الجمارك، إلى الزراعة، إلى الصحة، إلى البيئة ... الخ.
الكاتب: المهندس باسل قس نصر الله