قد يفكر الغرب، الأوروبي والأمريكي، في نقل التركيز العالمي عن أوكرانيا، والذهاب إلى تجميد الحرب هناك، ونقل الاهتمام نحو منطقة غرب آسيا، لتخفيف الضغط عن أوروبا، والعمل على معالجة مشكلة التوازن العالمي من خلال خوض محاولة كبرى في منطقتنا، وذلك بهدف السيطرة على الموارد والمعابر، بما في ذلك الغاز المكتشف في شرق المتوسط، والذي يشكل بديلاً عن الغاز الروسي لعشرين عاماً قادمة بالنسبة لأوروبا.
صدر عن مركز csis دراسة بعنوان "وضعية الدفاع الأمريكية في الشرق الأوسط"، تعالج ثلاث نقاط أساسية: بناءً على مجوعة من المصالح الأمريكية وعوامل أخرى، ما هي خيارات موقف القوات الأمريكية في الشرق الأوسط؟ ما هي مخاطر وفوائد هذه الخيارات؟ بناءً على التحليل، ما هي المصالح والموقف الأمثل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟
يتطلب من الولايات المتحدة أن يكون لها موقف قوي عبر المنطقة وتعميق العلاقات مع أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والهند ودول أخرى مثل الفلبين وسنغافورة.
استناداً على الموقف العاملي للولايات المتحدة الأمريكية وعلى وجه الخصوص الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة بايدن تطرح الدراسة توصيتها الافتتاحية بأنه يجب على الولايات المتحدة أن يكون لها موقف قوي عبر المنطقة وتعميق العلاقات مع أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والهند ودول أخرى مثل الفلبين وسنغافورة. لا متغير بالنسبة لهذه التوصية، إذ يمكن تصنيفها على أنها استمرار بما يتعلق بالحركة الأمريكية في دول شرق آسيا.
ينتقل مؤلفو الدراسة نحو ما يتعلق بالقارة الأوروبية، حيث يؤكدون على ضرورة استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في اتخاذ موقف مهم في أوروبا، ذلك لضمان توازن إقليمي ملائم للقوى والتحوط ضد الانتقام والنشاط الروسي. يظهر من خلال ما طرح في هذه التوصية، أنه جرّاء الحرب الروسية الأوكرانية، طرأ خلل على التوازن الإقليمي بين الدول الأوروبية وروسيا، وباتت في خطر يستدعي بشكل ضروري أن يبقى الموقف الأمريكي قائماً لضمان إبقاء التوازن، وخوفاً من انتقام أو نشاط روسي تجاه تلك الدول.
-يجب على الولايات المتحدة الأمريكية مراقبة النشاط الصيني والروسي والتصدي له، كذلك ردع ودعم الشركاء على العدوان الإيراني.
بالنسبة لهذه التوصية، فإن حركة الولايات المتحدة الأمريكية اتجاه الأنشطة الصينية والروسية قائمة، وهو ما أبرزته التصريحات الأخيرة لبايدن وتايوان وما قوبلت به من قبل الصين، لكن في ظل التطورات الأخيرة بين إيران والكيان المؤقت وارتفاع حدة التوتر في المنطقة تؤكد التوصية المقدمة على دعم الشركاء في الرد على العدوان الإيراني وهو ما يعد متغيراً هاماً يجب أخذه بعين الاعتبار، لما يمكن أن يشكله هذا الدعم من خطورة تختلف درجتها بحسب الدعم الذي سيتم تقديمه.
-يجب على الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على وجود عسكري ملحوظ لكن متناسب في الشرق الأوسط، بما في ذلك حجم القوة بين ما يصنف هنا على أنه مشاركة قوية ومحدودة. كجزء من هذا الموقف الدفاعي، يجب على الولايات المتحدة الاحتفاظ بقدراتها البرية والجوية والبحرية والفضائية والسيبرانية لتحقيق أهدافها الأساسية في المنطقة.
يحاجج الكاتب توصيته هذه بالقول، أنه دائماً ما كانت فوائد سياسات ضبط النفس في المنطقة والمشاركة المحدودة كانت تفوقها المخاطر، لذا فإن الكاتب توجه من خلال هذه التوصية إلى ضرورة تغيير السياسة الأمريكية في المنطقة عبر الحفاظ على تواجدها العسكري وزيادة القدرات العسكرية للقوة المتواجدة وهو استمرار ذو درجة خطورة عالية.
-يجب أن تتداخل المصالح والأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط في استراتيجية أمنية أوسع للولايات المتحدة تهدف إلى احتواء التوسع الإضافي للقوة العسكرية الصينية والروسية والتحقق من تصرفات إيران والمنظمات الإرهابية وغيرها التي تهدد الولايات المتحدة وأفرادها، الحلفاء والشركاء.
بمساعدة حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، يدعو الكاتب إلى استراتيجية أمنية أوسع عما كانت عليه سابقاً هدفها احتواء كل من الصين وروسيا والتحقق من الأعمال الإيرانية والتنظيمات الإرهابية المهددة للولايات المتحدة الأمريكية، يمكن اعتبار أن التوصية المطروحة هي استمرار للسياسات القائمة، إلا أن درجة خطورتها مرتفعة، ذلك لما يمكن أن تكون إجراءات تحقيقها خصوصاً بعد تحديد العنصر الذي يجب احتواءه وهو "القوة العسكرية" للدول والمنظمات المذكورة.
-تقليل التهديد الذي تشكله المنظمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة والمصالح الأمريكية في الخارج.
يعتبر الكاتب، بأن الشرق الأوسط ليس المنبع الوحيد للإرهاب، لكنه الأكثر خطورة، وقد أتى على ذكر بعض التنظيمات التي يعتبرها أكثر خطراً على المصالح الأمريكية في المنطقة، منها حزب الله وداعش والقاعدة. بناءً عليه، يصعب تحديد درجة خطورة هذه التوصية، لعدم تحديد الكاتب الوسيلة التي يجب اتباعها لتحقيق ذلك، لكن، ربطاً بما سبق، بتعزيز الحضور العسكري في المنطقة، يمكن أن تكون الوسيلة الأفضل لتقليل تهديد هذه الجماعات هي أساليب الاحتواء العسكرية.
-حماية حرية الملاحة والوصول إلى النفط.
بعد الاستدلال على أهمية الولايات المتحدة كمصدر للطاقة وما تمثله نسبةً لسوق الطاقة العالمي، يؤكد الكاتب على ضرورة حماية ثلاثة ممرات أساسية للتجارة الدولية، وهي قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز، وبالتالي فإن حماية هذه الممرات، تستوجب حضوراً أمريكياً فيها، وهو ما يمكن تقديره على أنه متغير بدرجة خطورة مرتفعة.
-منع الانتشار النووي.
لا تغير يذكر بالنسبة لهذه التوصية، نسبةً للإجراءات المطروحة في سبيل تحقيقها، وهي العودة إلى الاتفاق النووي والإبقاء على المساعي الدبلوماسية مع الدول النووية.
-يجب على الولايات المتحدة الحفاظ على وجود في الشرق الأوسط قوامه ما يقرب من 20.000 إلى 30.000 جندي، اعتمادًا على عمليات الانتشار الدورية.
في ظل تنامي التواجد الروسي والصيني في المنطقة، وعدم الوصول حتى الآن إلى اتفاق مع إيران بما يتعلق ببرنامجها النووي، قدّم الكاتب في الدراسة هذه التوصية، التي تعتبر أنه يجب الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة بقوام عشرو إلى ثلاثون ألف جندي، ذلك لضمان استقرار المنطقة خصوصاً في سوريا ولبنان والعراق، لما قد يؤدي تراجع التواجد الأمريكي إلى زيادة في دور المنظمات الإرهابية والمدعومة من إيران فيها.
ويعتبر الكاتب أن تراجع الوجود الأمريكي يؤثر أيضاً على الموقف التفاوضي للولايات المتحدة الأمريكية وتعزيز للقدرات الصينية والروسية في بناء واستخدام قواعد بحرية وبرية وجوية في الشرق الأوسط.
إن درجة خطورة هذه التوصية مرتفع جداً ويمكن تصنيفها على أنها متغير خصوصاً مع اعتبار الكاتب أنه في ظل الحفاظ على هذا التواجد يجب على الولايات المتحدة الأمريكية المحافظة أيضاً على القدرات عبر المجالات البحرية والجوية والبرية والفضائية والسيبرانية.
توصيات عسكرية:
-تحتاج الولايات المتحدة إلى الاحتفاظ بوجود قوي للعمليات الخاصة في الشرق الأوسط للانخراط في الدفاع الداخلي الأجنبي، والعمل المباشر، والمهمات الأخرى ضد الجماعات الإرهابية، والوكلاء الإيرانيين، والقوات الروسية غير النظامية في المنطقة.
-يجب على الولايات المتحدة أيضًا إبقاء قواتها العسكرية البالغ عددها 2500 في العراق تحت إشراف قوة المهام المشتركة- عملية العزم الصلب، والتي تشارك بشكل أساسي في الدعم الجوي والتدريب، وتقديم المشورة، ومساعدة القوات العراقية. إن الوجود الأمريكي في العراق- وبصمة صغيرة في سوريا، بما في ذلك في حامية التنف- مهم لمواجهة النفوذ الإيراني.
-يجب أن تحتفظ الولايات المتحدة بجزء كبير من قواتها الجوية في المنطقة لردع العدوان من إيران وشركائها والرد عليها وكذلك لرصد النشاط الصيني والروسي ومواجهته بينما يواصلان توسيع قدراتهما على إظهار قوتهما.
-يجب أن تحافظ الولايات المتحدة على بعض أجنحتها الجوية الاستكشافية الحالية، مثل قاعدة علي السالم الجوية في الكويت، وقاعدة العديد الجوية في قطر، وقاعدة الأمير سلطان الجوية في المملكة العربية السعودية. لكن يمكن للولايات المتحدة أن تعزز بعض قواعدها وتقليص بعضها المتواجدة ضمن حدود مرمى الصواريخ الإيرانية.
-يمكن للولايات المتحدة أيضًا إجراء عمليات نشر دورية للطائرات في بعض الأحيان لتكملة تلك الموجودة في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة نشر عدد متزايد من المنصات المأهولة عن بعد لـ ISR والضربات التي يمكن أن تعمل لفترات زمنية أطول، مثل MQ-9A Reaper و Mojave و MQ-1C Gray Eagle-Extended Range و MQ- 9B Sky Guardian.
-يجب على الولايات المتحدة أيضًا نشر أنظمة دفاع جوي وصاروخي (AMD) للتخفيف من المخاطر التي يتعرض لها الأفراد الأمريكيون من الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية. قد تشمل عمليات نشر الولايات المتحدة لأنظمة AMD بطاريات الدفاع الجوي Pac-2 و Pac-3 لدعم الأفراد الأمريكيين المنتشرين في العراق والبحرين والمملكة العربية السعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة.
-يجب على الولايات المتحدة وشركائها تقديم مساعدة أمنية دفاعية إضافية لدول الخليج مثل المملكة العربية السعودية من خلال المبيعات العسكرية الخارجية للدفاع عن أنفسهم- بما في ذلك المطارات ومنشآت النفط والغاز والناقلات والأهداف الحاسمة الأخرى ضد الهجمات المرتبطة بإيران.
-يجب على الولايات المتحدة أن تركز وضعها البحري على عدة مهام: مساعدة القوات البرية، وردع النشاط البحري الإيراني غير المتكافئ، والقيام بضربات بحرية، والمساعدة في ضمان حرية الملاحة من خلال نقاط الاختناق الاستراتيجية.
-يمكن للولايات المتحدة الاعتماد على الأصول البحرية الأخرى، بما في ذلك زوارق خفر السواحل الأمريكية وقواطع الاستجابة السريعة وقوارب الدوريات البحرية وعمليات نشر المدمرات المستقلة ذات القدرات المضادة للسفن والهجوم البري.
-عندما تنضج التقنيات، يجب أن تتطلع البحرية إلى الاستفادة من السفن السطحية والجوفية غير المأهولة تحت قيادة NAVCENT Task Force 59 لتحل محل بعض السفن المأهولة، على الرغم من أن ذلك قد لا يكون ممكنًا على المدى القصير.
-يجب على الولايات المتحدة أيضًا الحفاظ على مجموعة برمائية جاهزة دوارة، ووحدة استكشافية بحرية في بحر العرب لتوفير قوة جاهزة للاستجابة الفورية للأزمات الناشئة والمهمات الأخرى.
-يجب أن تستمر الولايات المتحدة في الاعتماد على القدرات الإلكترونية والفضائية المدمجة مع الشركاء.
-تحتاج الولايات المتحدة إلى مواصلة التعاون مع الشركاء في المنطقة ضد التهديدات الإلكترونية والفضائية.
تظهر هذه التوصيات، الحاجة الضرورية إلى الإبقاء على القواعد الأمريكية بمختلف أنواعها، وزيادة الدعم العسكري لها وتطويرها لدفع جميع التهديدات المحتملة، خصوصاً الإيرانية منها، هذه التوصيات يمكن تصنيفها على أنها متغير هام وذات خطورة مرتفعة.
-توصيات غير عسكرية:
-يجب أن تركز الأنشطة الأمريكية على مجالات مثل دعم السياسات المالية المؤيدة للنمو والسياسات المالية السليمة التي تساعد على تعزيز الاستثمار التجاري، وتشجيع الاستثمارات في التعليم والصحة التي تساعد على تحسين رفاهية ومهارات القوى العاملة، وتعزيز سيادة القانون ومكافحة- جهود الفساد.
-يجب على الولايات المتحدة أن تواصل العمل مع شركائها لتعطيل تمويل يشمل تحديد وعرقلة مصادر تمويل الإرهاب، وتجميد أصول الإرهابيين وأولئك الذين يدعمونهم، وحرمان الإرهابيين من الوصول إلى النظام المالي الدولي، و منع حركة أصول الإرهابيين من خلال شبكات مالية بديلة.
-بالتعاون مع شركائها، تحتاج الولايات المتحدة أيضًا إلى استخدام العقوبات الاقتصادية ضد دول مثل إيران لمعاقبة سلوكها السيئ، وتقييد وصولها إلى المكونات العسكرية وذات الاستخدام المزدوج، وتشجيع المفاوضات الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق سلام. يمكن للولايات المتحدة أيضًا أن تفرض عقوبات على الكيانات الحكومية الأخرى في المنطقة، بما في ذلك الشركات العسكرية الروسية الخاصة (PMC)، مثل مجموعة Wagner Group، التي تعمل في سوريا وأماكن أخرى.
-يجب على الولايات المتحدة دعم الجهود التكنولوجية لمكافحة التطرف (بما في ذلك تشجيع المزيد من مشاركة القطاع الخاص) والاستفادة من الدبلوماسية العامة لتعزيز التدفق الحر للمعلومات والأفكار.
-يجب على الولايات المتحدة أيضًا إجراء أنشطة في ساحة المعلومات تشجع على عملية التغيير داخل دول مثل إيران نحو نظام سياسي واقتصادي أكثر تعددية.
-تحتاج الولايات المتحدة وشركاؤها إلى مواصلة مكافحة المعلومات المضللة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات الأخرى التي تقوض المصالح الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحلفاء والشركاء ضروريون للمساعدة في تأمين المصالح الدائمة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويمكنهم المساعدة في تقاسم تكاليف الأنشطة الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها. يشمل شركاء الولايات المتحدة مجموعة من البلدان في الشرق الأوسط؛ المؤسسات الإقليمية، مثل مجلس التعاون الخليجي؛ المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ والشركات والمنظمات غير الحكومية التي تدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان والازدهار الاقتصادي. يمكن للشركاء أن يلعبوا دورًا حاسمًا في بناء الدعم الإقليمي لرفض التطرف، وتبادل المعلومات الاستخبارية، ومكافحة الإرهابيين من خلال الوسائل العسكرية والمالية، ومنع المناطق الخارجة عن القانون من أن تصبح مناطق آمنة حيث يمكن للإرهابيين الحصول على ملاذ آمن. الجهود المتعددة الأطراف مهمة أيضًا لحماية أمن الطاقة (بما في ذلك الحركة غير المعوقة للنفط والسلع الأخرى)؛ منع ظهور قوة مهيمنة إقليمية مثل إيران يمكن أن تقوض أمن الولايات المتحدة؛ تشجيع النمو الاقتصادي، منع الانتشار النووي؛ وحماية استقرار الشركاء.
تظهر التوصيات الغير عسكرية، ضرورة تمتين أنظمة العقوبات المفروضة على المنظمات المهددة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، هذه التوصيات هي يمكن تصنيفها على أنها استمرار للسياسيات الاقتصادية من قبل أميركا والحلفاء ويمكن تصنيف خطورتها بالمتوسطة.
يعد الحفاظ على وضع بارز في الشرق الأوسط الطريقة الأكثر منطقية لحماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة في مشهد دولي معقد وتنافسي ومتقلب بشكل متزايد.
المصدر: مركز دراسات غرب آسيا