يوماً بعد يوم، ينجرف حاكم دولة الإمارات الجديد محمد بن زايد، في مساره التطبيعي الإنحداري، بطرق ربما فاقت ما يحلم به حكام الكيان المؤقت. وآخر هذه الطرق، خطبة يوم الجمعة، للحاخام الأكبر لما يسمى بالمجلس اليهودي الإماراتي الأمريكي واللبناني الأصل "إيلي عبادي"، في مسجد زايد الكبير في أبو ظبي.
ما أثار غضب وسخط الكثيرين، من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فمنهم من كتب بأن "هذا المشهد لم يكن أي مسلم ليتخيله، حاخام يهودي يلقي خطبة الجمعة على الاماراتيين في مسجد أبو ظبي الكبير"، ومنهم من عبّر عن صدمته بالقول "عيناي وعقلي لا يكادان يصدقان الحدث، حاخام يهودي خطيب لصلاة الجمعة في مسجد الشيخ زايد في ابو ظبي"، ساخراً من ذلك بالقول: "كان وسيم يوسف (من كان يوصف بإمام هذا المسجد سابقاً) واستبدل بحاخام". مع الإشارة إلى أنه سبق للإمارات أيضاً، أن سمحت لمثلّي إسرائيلي بالدخول الى المسجد أيضاً، والتلويح بالعلم الذي يرمز الى المثلية في باحته.
لذلك فإنه منذ أن وقعت الإمارات اتفاقية الاستسلام التطبيعية مع الكيان، ارتفعت وتيرة العلاقات بينهما بسرعة كبيرة، حتى باتت الإمارات مقصد الإسرائيليين الأول للاستثمار والسياحة، ومكاناً لعقد الصفقات التجارية مع التجار الذين لم تطبّع دولهم بعد. ولم يقتصر الوجود الإسرائيلي على السياحة والتجارة فقط، بل يسعى بن زايد أيضاً لجعل البلاد التي يحكمها، أول بلدٍ خليجي يسمح للصهاينة بممارسة طقوسهم، بل ويسمح لهم الاحتفال بذكرى احتلال فلسطين وحرب النكسة عام 1967 علنياً، بل ويشاركون معهم في ذلك أيضاً.
الدين الإبراهيمي الجديد
لا شك بأن محمد بن زايد يجهد منذ سنين، للترويج بما يسمى "الديانة الإبراهيمية الجديدة"، التي يدعو من خلالها الى ذوبان الأديان السماوية الثلاثة في دين جديد، يركز على الأمور المشتركة بينهم، مع احتفاظ كل ديانة بخصوصياتها. كما يسعى لأن تكون الإمارات هي مركز وجود هذا الدين، ويحاول بشتى الوسائل استقطاب رجال دين من مختلف المذاهب، بل واستضافة رؤساء الطوائف الكبرى، للترويج لذلك وإن بطريقة التفافية تحت عنوان "بيت العائلة الإبراهيمية".
وهذا ما يمكننا اعتباره بحق، حصان طروادة كيان الاحتلال الإسرائيلي، الذي لطالما سعت قياداته السياسية، الى إيجاد علاقات مع دول المنطقة، تساعد في أن تتقبلهم شعوب المنطقة وتقبل بوجود كيانهم، لأنهم يعرفون بأن كيانهم سيبقى معزولاً حتى زواله. وبهذا الشكل سيجعلون من احتلال فلسطين يبدو وكأنه حق "لليهود المضطهدين"، وأن العيش معهم هو مصدر الرخاء والنجاح والسلام في المنطقة. كما أنه سيكون ستاراً ووسيلةّ، لتحكم الكيان والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة.
لكن شعوب المنطقة، وأغلب قادة الطوائف فيها، سرعان ما رفضت هذا "الدين الجديد" بقوة، مثلما صرح بذلك شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب ورأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية البابا تواضروس الثاني.
كل هذه المحاولات الإماراتية لن تنجح مطلقاً، وهذا ما حسمه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، حينما أكد بأن مسار التطبيع يساهم في كشف المواقف الحقيقية للحكّام. وبالتالي فإنه يمكننا من خلال معرفة مواقف رجال الدين من هذه "الديانة الجديدة"، تحديد مواقفهم الحقيقية تجاه القضية الفلسطينية والعداء للكيان الإسرائيلي المؤقت من عدمه.
الكاتب: غرفة التحرير