"ما أصعب أنْ أتحدّث عنْ قائدٍ فَلسطِيني بحجم الدكتور رمضان، وأُحِيط بِدوره وحضوره في مسيرة حركة الجهاد الإسلاميّ منذ تأسيسها أوِ انطلاقتها، وفي مسيرة وجهاد الشعب الفلسطيني... فمنذ البدايات كانَ الدكتور رمضان رحمه اللهُ حيويّة وحياة لا تتوقّف... مبدع ومبادر وأنيس في أحلك الأوقات وأجْمَلِها، فكانَ يتنقَّلُ بينَ الإبداع السياسيّ والإبداع الحَركيّ والثقافي، والحضور الذي لا تستطيعُ الجُغرافيا التي يتحرَّكُ فيها على اتّساعها تجاوزه". بهذه الجمل وصف الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة الأمين الراحل الدكتور رمضان شلّح الذي تحمّل مسؤولية الأمانة العامة بعد العام 1995 وفي ظل الأحداث الحساسة في الكثير من المواضع خلال الـ 23 سنة.
في مقابلة مع ممثل حركة الجهاد الإسلامي في سوريا إسماعيل السندواي، يكشف لموقع "الخنادق" عن جانب من علاقات الدكتور الراحل شلّح بقادة محور المقاومة والشهيد قاسم سليماني وتأثيره في الساحة الفلسطينية.
غرفة مشتركة بين الحاج قاسم ود. شلّح منذ 10 سنوات!
العلاقة مع الحاج قاسم سليماني تشمل البعد الثوري والمقاومة من جهة والبعد الإنساني والاجتماعي من جهة ثاني. على الصعيد الأول، كشف السندواي عن "وجود غرفة عمليات عسكرية مشتركة بين قائد قوة القدس الشهيد قاسم سليماني وبين الراحل د. رمضان حيث إن صواريخ (من نوع فجر 5) التي قصفت تل أبيب لأول مرّة، اتخذ الدكتور قرار إطلاقها بالتشاور مع الحاج قاسم الذي كان يتابع يومياً أحداث العدوان على القطاع عام 2012 ضمن هذه الغرفة". الحاج قاسم وبالتنسيق مع د. شلح كان يسأل عن أدق التفاصيل حول وضع المقاومة في غزّة والمجاهدين الذين حفظ أسمائهم ويتابع الإصابات والجرحى ليؤمن لهم العلاج. وبإسهامات وعناية الحاج قاسم، تحوّل الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي "قسم" ما قبل عام 2000 من عديد بالعشرات، الى سرايا القدس بعديد بالآلاف بعد العام 2000. وتطوّر عمل الجناح العسكري وإمكاناته. وخلال لقاءات الحاج القاسم ود. شلّح كانت تدور حوارات فكرية ومناقشة سبل تطوير المقاومة. على الصعيد الثاني، جمعت الزيارات الدائمة بين عائلة الشهيد سليماني وعائلة الراحل د. شلح.
السيد الخامنئي: مرشد وملهم الراحل د. شلح
في العام 1986 في المسجد الأقصى في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان كان هناك منبر لكل فصيل لإحياء هذه الليلة، ذكر السندواي أن الراحل كان يتحدث عن الامام الخميني وعن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحاولت شرطة الاحتلال اعتقاله بسبب خطابه. ومنذ بداية نشأة حركة الجهاد الإسلامي حافظ على العلاقة مع الجمهورية الإسلامية التي يعتبرها استراتيجية، وواصل بها بعد استشهاد الدكتور المؤسس فتحي الشقاقي وعمل على توطيدها، خاصة مع السيد علي الخامنئي الذي كان ينظر اليه كمرشد وملهم، ويقدّر مواقفه الجذرية تجاه القضية الفلسطينية واستمرار الدعم للمقاومة الفلسطينية ولحركة الجهاد الإسلامي.
القائد مغنية: سندٌ حقيقي ومصدر أمان!
موقف قصير يظهر مدى استئناس د. رمضان بالقائد في حزب الله الشهيد عماد مغنية، ففي وقت "عانى من ألم في مفاصله، نصحه الشهيد عماد أن يتمشّى في شوارع دمشق لأن المنطقة آمنة، لكن بعد شهادة الحاج عماد لمس د. شلّح أن الأمور تغيرت والاحتلال يتابع ويراقب ووجب أخذ الاحتياطات الأمنية"، يرويه السندواي، ليتابع أن العلاقة توصف بالصداقة والزمالة و"تشعر بأنهما كجسد واحد"، عند تواجده في دمشق كان الشهيد عماد حريصاً على لقاء د. شلّح. وعندما استشهد الحاج عماد اعتبر الأخير أن ذاك كان خسارة كبيرة للجهاد الإسلامي حيث أنها خسرت "سنداً حقيقياً". وكان الشهيد عماد حريصاً على تطوير علاقة الجهاد الإسلامي مع قوة القدس من جهة وأن تتطور العلاقة مع حزب الله من جهة أخرى. وفي التسعينيات حصلت عمليات مشتركة بين حزب الله والجهاد الإسلامي في جنوب لبنان. وكانت معسكرات حزب الله مفتوحة لتدريب مجاهدي سرايا القدس.
تشاور الى أبعد الحدود مع السيد نصر الله
أما على مستوى علاقة د. رمضان بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، فإنها لا تقل في عمقها عن علاقته بالحاج مغنية، بل كانت علاقة صداقة وتشاور الى أبعد الحدود. وكان الراحل د. شلّح يتحدّث عن السيد نصر الله بكل إعجاب وتقدير. واللقاءات بينهما كانت دائمة. وقال السنداوي أنه خلال اتصال بينه وبين السيد نصر الله، اقترح د. رمضان إطلاق اسم "الوعد الصادق" على عملية الأسر عام 2006 حيث قال للسيد "وعدت ووفيت وهذا الوعد الصادق".
وأضاف السندواي "إن علاقة حركة الجهاد الإسلامي وحزب الله ليست فقط علاقة استراتيجية بل علاقة إسلامية وعلاقة الدّم والأخوة. وحزب الله لم يبخل يوماً في كل التقديمات، عندما نكون مع الإخوة في حزب الله نعتبر أنفسنا واحد ومنسجمين مع بعضنا البعض وكذلك مع الإخوة في حرس الثورة الإسلامية".
وحول العلاقة مع القيادة السورية، حرص الدكتور رمضان على أفضل العلاقة والحفاظ عليها رغم الظروف الحسّاسة التي عصفت بالمنطقة والحرب والفتنة التي تعرّضت لها سوريا. وحاول إبقاء البوصلة موجّهة نحو فلسطين.
آخر اتصال بين الدكتور والشهيد القائد طوالبة في مخيم جنين!
على صعيد حركة الجهاد الإسلامي كان للدكتور رمضان بصمة مهمة في تطوير سرايا القدس التي تمكنت من خوض عدّة جولات عسكرية منفردة وأدارت أياماً من الاشتباك مع كيان الاحتلال قبل معركة "سيف القدس". وبعد انسحاب الإسرائيلي من قطاع غزّة كان عاملاً أساسياً في ظهور القيادات السرايا بشكل أوسع في القطاع، كان د. رمضان يلتقي بهم، يتابع أمورهم عن كثب سواء عبر الاتصالات أو في حين زياراتهم الى سوريا أو لبنان ويعطيهم التوجيهات. كما ساهم في ورش العمل لتطوير سرايا القدس. ووفر لهم من خلال العلاقات مع محور المقاومة إمكانات وتقنيات العمل العسكري، وأثقل مهاراتهم العلمية، وحوّل أكثر من 90 % من نفقات الحركة نحو السرايا. وكان يعتبر تطوير القدرات العسكرية هو الأهم ويجب أن يستمر رغم بعض مراحل الضيق المالي الذي تعرضت له الحركة.
وكان الراحل يتابع أمور الضفة الغربية وسرايا القدس في كلّ ساحات عملها حيث يروي السنداوي أنه خلال معركة جنين عام 2002 "كان د. رمضان على اتصال مباشر مع الشهيد القائد محمود طوالبة ومع الشهيد ثابت مرداودي وقد أخبراه أنهما محاصران في آخر مربع في المخيم وأنهما مقبلان على الشهادة".
اليوم، ما وصلت اليه السرايا من إمكانات متطوّرة أظهرتها في "سيف القدس" كما نهوض كتائبها في مختلف مناطق الضفة، كان طريقاً عبّده الأمين العام الراحل الدكتور رمضان شلّح.
في الساحة الفلسطينية عامة، حاول د. رمضان إنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس وعمل على وحدة الصف الفلسطيني، ولكن أطراف داخلية وخارجية حاربت هذا المشروع. كما في العام 2016 أصدر "النقاط العشرة" وطالب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بسحب الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وتوقيف التنسيق الأمني وإلغاء اتفاق أوسلو. كما لم يغفل الراحل عن إسناد ومتابعة الأسرى.
الكاتب: مروة ناصر