عاد الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الولايات المتحدة، عودة الخائبين لا الفاتحين. فكما كان استقباله في مطار جدة بارداً -على عكس حفاوة استقبال سلفه دونالد ترامب- كان بانتظاره في البيت الأبيض حفنة من التحديات التي كان عليه ان يجد لها حلاً خلال زيارته تلك، ولم يفعل. فمصافحته لولي العهد بالقبضة المغلقة لم تنجح في تخفيف حجم الانتقادات التي انهالت عليه. وبايدن الذي نزل إلى "الهوّة" ليأتي بالرياض بعد "نبذها" بغية الحصول على زيادة في انتاج النفط، لم تعطه الأخيرة أيّ ضمانات فعلية بشأن ذلك. وبقيت هذه المصافحة تجسد "لحظة حزينة بالنسبة لبايدن، ولن يتلاشى عارها في أي وقت قريب" وفق ما وصفتها صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
لا زيادة في انتاج النفط قبل اجتماع أوبك+
تصريحاً وتلميحاً، وفي مواقف عدة، كرر بايدن على مسامع الرؤساء المجتمعين دعوته لزيادة انتاج النفط. حيث شدد في مؤتمر صحفي عقد مساء الجمعة، على أنه قد ناقش "مسألة الطاقة والحاجة لمد الأسواق بما تحتاج"، مضيفاً "نسعى لتخفيض أسعار الطاقة وينبغي الانتظار أسبوعين لنرى هذا الانخفاض".
سينتظر بايدن وقتاً إضافياً إذاً إلى حين اجتماع أوبك+، في 3 آب/ أغسطس القادم. فقد أصرّت الرياض على تأجيل إعطاء ضماناتها بشأن انتاج النفط (ما يصل إلى 13 مليون برميل يومياً)، وأحالت الأمر إلى اجتماع المنظمة. حيث صرح وزير الخارجية فيصل بن فرحان للصحفيين بالقول "نستمع إلى شركائنا وأصدقائنا من كافة أنحاء العالم، وخاصةً الدول المستهلكة، غير أنه في نهاية الأمر، يتبع "أوبك+" وضع السوق ويوفر إمدادات الطاقة بحسب الحاجة".
فيما قلّل وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، من فرص إبرام أية اتفاقية بهذا الإطار، مشيراً إلى ان الأمر "لا يتعلق باتفاق، بل يرتبط بسياسة المملكة طويلة الأمد المتمثلة بالعمل على ضمان وجود إمدادات كافية من النفط الخام في الأسواق، ونحن نتابع حالة العرض والطلب بعناية شديدة". مؤكداً على أنه "إذا كان هناك نقص محتمل، فإننا نعمل على زيادة إنتاج النفط الخام من خلال ومع شركائنا في منظمة أوبك وتحالف أوبك+".
ومع وجود روسيا ضمن منظمة أوبك +، يكون على بايدن ان يتطلع بناظريه إلى فيينا مرة أخرى:
-إحالة قرار زيادة الإنتاج إلى منظمة أوبك+ (ومقرها العاصمة النمساوية فيينا) يعني عودة واشنطن للوقوف بوجه موسكو مرة أخرى. فالأخيرة التي تمتلك تأثيراً قوياً على قرار المنظمة، لن تسمح بزيادة الإنتاج بشكل يريح بايدن. ويصبح من المرجح ان تحصل "السعودية على بضع مئات الآلاف من البراميل الإضافية في السوق، والتي لن تترك سوى تأثير متواضع على أسعار البنزين في الولايات المتحدة"، وفق صحيفة واشنطن بوست.
- بموجب شروط اتفاقية "أوبك+" الحالية، من المقرر أن يصل إنتاج السعودية إلى 11 مليون برميل يومياً الشهر المقبل، وهو مستوى نادراً ما حافظت عليه على مدى عقودٍ مرت عليها وهي تصدر النفط الخام. وبالتالي، فإن أية زيادات أُخرى ستمثل اختباراً لقدرة المملكة المستدامة القصوى، والتي تحدّدها شركة أرامكو السعودية عند 12 مليون برميل يومياً.
وبذلك فإن سلامة شركة أرامكو من الاستهداف هو أمر ضروري، للرياض ولواشنطن. وفي الوقت الذي أكد بايدن في مقال نشر في "واشنطن بوست" على ان "الأميركيين سيستفيدون بطرق عدة من شرق أوسط أكثر أماناً واندماجاً، نظراً لوجود موارد الطاقة والممرات المائية الضرورية لحركة التجارة"، فيما لا تزال المفاوضات النووية في فيينا معلقة نتيجة التعنت الأميركي. وهو ما يجعل ضمان استقرار المنطقة دون اتخاذ قرار جدي بإنهاء الحرب في اليمن من جهة، ودون إبرام اتفاق نووي مع إيران، يحول دون التصعيد الإسرائيلي الذي سيوجب رداً إيرانياً من جهة أخرى، أمراً صعباً.
الكاتب: مريم السبلاني