عقدة الثمانين عامًا.. خراب اسرائيل الثالث!

عقدة العقد الثامن

تتعمّق "عقدة الثمانين" عامًا لدى مسؤولي ومحللي كيان الاحتلال. فهذا الأخير وفي ظل أكبر أزمة داخلية تضعه على حافة الصدام الدموي بين مكوناته المتناحرة لا يمكنه أن يستمر في ظلّ كل هذه التناقضات والمشكلات. اذ يتوسّع الشرخ منذ أواخر العام 2022 مع وصول اليمين المتطرّف الى سدّة الحكم والمخططات التي يحملها لإحداث انقلابات داخل "المؤسسات" المختلفة، ذلك بالإضافة الى تراجع الشعور بالانتماء والثقة لدى الجيل اليهودي الجديد، وفق الاستطلاعات الأخيرة التي تشير الى نسبة 54% ممن يرغبون بالهجرة نتيجة انعدام الأفق في هذا الكيان. ناهيك أيضًا عن سلسلة الإخفاقات في الصراع مع محور المقاومة عند مختلف الجبهات لاسيما الجنوبية والشمالية، الى جانب نهوض المقاومة في القدس والضفة الغربية، وصولًا نحو تنفيذ عمليات في عمق الجبهة الداخلية، وفي ظل فشل محاولات الاجتثاث. كيان بكّل هذه الأزمات هل يستمر؟

في الأزمة الداخلية الحالية، فإنّ سياسة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وهو صاحب أطول فترة في هذا المنصب سابقًا (12 عامًا)، ثمّ عاد بعد انتخابات العام 2022، إلى صعود الجماعات والأحزاب الدينية المتطرّفة التي تريد صبغ الكيان بالأفكار الدينية. ذلك مقابل تراجع الأحزاب ذات التوجهات العلمانية. ترى تلك الأخيرة في هذا الصعود تهديدًا لهوية الكيان الإسرائيلي و"مؤسساته" و"الديمقراطية" المزعومة، ما يخلق صراعًا إيديولوجيًا، وبالتالي ينذر ببداية التفكك والانهيار. وهنا كان السيد علي الخامنئي قد أوضح في كلمة له أنّ "هناك ثنائية قطبية حادة في أنحاء الكيان الزائف كافة".

قبل أن يصل هذا الصراع الى حدّ "الشارعين المتصادمين"، فإنه كان برز في الأزمة الانتخابية التي سبقت تشكيل الحكومتين الأخيرتين: حكومة نفتالي بنيت – يائير لابيد (التي لم تصمد حتى نهاية ولايتها)، وحكومة نتنياهو الحالية. اذ كرّر الاحتلال الانتخابات وعجز عن تشكيل حكومة لحوالي الـ 4 سنوات، بسبب الاختلافات في التكتلات السياسية والحزبية وعدم انسجام المكونات. وهذا كان السبب الرئيسي في تفكك حكومة بنيت – لابيد بعد سنة ونصف من الحكم.

يشبّه مراقبو الاحتلال ومؤرّخوه هذا السيناريو بذلك الذي جرى أيام "خراب الهيكل الثاني" وتفكك "الدولة العبرية" عام 70 ميلادية بسبب الكراهيات وصعود التيار الديني المتطرّف والصراعات الداخلية، الى جانب عوامل خارجية، وهنا لم تصمد "الدولة" المزعومة لـ 80 عامًا. التشابه بين الأحداث قاربه رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود باراك في مقالة له في صحيفة "يديعوت أحرونوت" بتاريخ 8/5/2022. قال حينها "ليس الإرهاب ولا الفلسطينيون أو "حزب الله"، ولا إيران النووية، إن العدو الأخطر هو الصدع الداخلي، التحريض، التعصب والانقسام.. هي ذاتها الكراهية المجانية التي تسببت بتدمير عالم اليهود السابق بحسب الحكايات الموروثة".

يُذكر أيضًا أنّ "دولة عبرية" حاولت الصعود لكنها لم تبقى لـ 80 عامًا وتفكك سنة 587 قبل الميلاد. ولدت نتيجة هاتين التجربتين "عُقدة العقد الثامن" لدى الحركة الصهيونية. وقد برزت هذه العقدة وهواجس أن تستمر "إسرائيل" المحتلّة لأرض فلسطين المحتلّة الى أن "تحتفل" بذكرى هذا الاحتلال للعام الثمانين، على لسان المسؤولين.

يُكمل "باراك" في المقالة المذكورة سابقًا أنّ "المشروع الصهيوني هو المحاولة الثالثة في التاريخ.. ووصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن استحوذ عليهم الهوس، بتجاهل صارخ لتحذيرات التلمود، نعجل النهاية، وننغمس في كراهية مجانية".

فيما كان رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينت قد قال إنّ إسرائيل تقف أمام اختبار حقيقي، وتشهد حالة غير مسبوقة، هي تقترب من الانهيار، وتواجه مفترق طرق تاريخي... تفككت إسرائيل مرتين في السابق بسبب الصراعات الداخلية ونحن الآن نعيش في حقبتنا الثالثة ونقترب من العقد الثامن ونقف جميعا أمام اختبار حقيقي".

أمّا الكاتب الصحفي آري شافيت، فقد أشار إلى أن "الإسرائيليين أصبحوا العدو الأكبر لأنفسهم في العقد الثامن من استقلال الدولة العبرية، ويمكن مواجهة التحديات الأمنية، لكن تفكك الهوية لا يمكن التغلب عليه".

منذ العام 2017، عبّر رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو عن أنّ "التاريخ يخبر أنه لم تعمّر لليهود أكثر من 80 سنة". أمّا رئيس "الكنيست" الأسبق إبراهام بورغ، فقد كتب في مقاله في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أنّ "إسرائيل على أبواب نهاية الحلم الصهيوني، وتتجه نحو الخراب".

من جهته عبّر الرئيس السابق "للموساد تامير باردو عن الخراب الداخلي في تصريحه أنه "بينما كثُر الحديث عن التهديدات الكبيرة التي تحوم فوق إسرائيل، فإنَّ التهديد الأكبر يتمثَّل بنا نحن الإسرائيليين، عبر ظهور آلية تدمير الذَّات التي جرى إتقانها في الأعوام الأخيرة، إنّ إسرائيل تنهار ذاتيًا".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور