الخميس 20 تموز , 2023 09:32

كتاب"الدعاية الإسرائيلية": قراءة في القوة الناعمة

كتاب"الدعاية الإسرائيلية"

أصدر مركز رؤية للتنمية السياسية ومقره تركيا، وهو مركز بحثي متخصص بالشؤون السياسية الدولية والفلسطينية خاصّة، دراسة بعنوان "الدعاية الإسرائيلية ـ قراءة في القوة الناعمة"، ساهم فيها ستة باحثين تنالوا الدعاية الإسرائيلية ودورها المترافق مع تأسيس الكيان الصهيوني، والتي تمثلت في البدايات أثناء الإنتداب البريطاني لفلسطين بالصحافة المكتوبة والإذاعات السرية ومن ثمّ السينما التي كان لها تأثيراً كبيراً في قيام ودعم هذا الكيان.

المادة الموجودة في الدراسة المقسمة إلى سبعة فصول جد مهمة، والباحثين الذين وضعوها متمكنين منها، وعلى تماس مباشر في الجانب النظري من المادة ومتمكنين من الأمثلة والمصاديق التي جلبوها وطرحوها، فضلاً عن توحّد أشكال الفصول وانتظامها من حيث الإقتباس والفهارس والجداول والهيئة الموحدة في الشكل والمضمون وترتيب العناوين والمنهجية الواحدة ووجود مقدمة وخاتمة لكل فصل، وصور وأمثلة حيّة من الواقع.

لقد كانت الدعاية وشرح وتبرير الأعمال التي قامت بها عصابات الاحتلال في فترة نشؤ الكيان إلى يومنا هذا، أحد اختصاصات وزارة الخارجية الصهيونية ومكتب رئيس حكومة الكيان وجيشها لكسب الرأي العام، وأضاءت الدراسة أيضاً على المفهوم الحديث للدبلوماسية الرقمية ومن أهم مظاهرها مواقع الإنترنت وحسابات التواصل، والتي تديرها وزارة الخارجية الإسرائيلية وأشهرها موقع "إسرائيل بتتكلم عربي"، وحساب الناطق الإعلامي باسم جيش الاحتلال "أفيخاي أدرعي". وتشتمل الدبلوماسية الرقمية على 800 قناة وتغطّي 50 لغة، ومن يتولّى مسؤولية فريق الدبلوماسية كوادر تجيد اللغة العربية بطلاقة وتعرف العادات والتقاليد العربية.

أيضاً تتناول الدراسة ما اشتهر على تسميته "الهاسبراه" ومعناها الشرح والتبرير والترويج منذ إرهاصات إنشاء كيان الاحتلال، وتطبيقاتها الحديثة اليوم التي تعتمدها الدعاية الإسرائيلية، شبكة النتفليكس والقوائم الدلالية لبث "الحقائق" و "القيم" التي يجب تروجيها عن كيان الاحتلال، مثل السّعي "الإسرائيلي" لتأمين الرفاهية للشعبين اليهودي والعربي في "إسرائيل"، والأدوات المستخدمة لذلك والحملات الدعائيّة وحملات العلاقات العامة وبرامج "الهاسبرا" التفصيلية الإجرائية و"مشروع إسرائيل" الدعائي في التوجه ومخاطبة الرأي العام والخطط التفصيلية بهذا الشأن، كما أنّ ذلك سمح للكيان المؤقت بأن يقيم علاقات ثنائية قائمة على الجذب من الناحية التكنولوجية، كما علاقاته مع دول في أمريكا اللاتينية، بعيداً عن قضية الصراع السياسي في الشرق الأوسط، وذلك بفضل الدعاية لصورة "إسرائيل" المتفوقة تكنولوجيا ...

وتتناول الدراسة الحديثة أيضاً مرتكزات الدعاية "الإسرائيلية" وملخصها أنّ قيام "إسرائيل" هي دعوة دينية، وضرورة لِلَم شتات اليهود في العالم بعد الإضطهاد الذي لحق بهم، وأنّ "إسرائيل" حقيقية تاريخية التي كانت قائمة في أرض فلسطين فقدت إستقلالها وجاء إعلان قيامها عام 1948 بعد حرب استقلال خاضتها، وغيرها من الشعارات ...

وعالجت هذه الدراسة أيضاً الدعاية "الإسرائيلية" ضدّ الفلسطينيين والعرب الناطقين بالعربية والأساليب التي تغيرت وفق أربع مراحل أشارت إليها الدراسة، وكان من نتائجها إنشاء صوت "إسرائيل" باللغة العربية وتلفزيون "إسرائيل" بالعربي بعد حرب عام 1956، واستخدم الخبراء النفسيين للتوجه إلى الجمهور العربي، وتركيز مقولة أنّ جيش الرب لا يهزم حتّى ولو كان قليلاً بهدف التأثير على المعنويات وإيقاع الشقاق في صفوف الخصوم، وترسيخ الصورة النمطية عن الفلسطينيين وعن "جيش الدفاع الإسرائيلي" الذي لا يقهر، وتعامل الدعاية الصهيونية مع مونديال قطر وتهنئة السعودية بالفوز على الإرجنتين وغيرها من الأمثلة الكثير على الدعاية الصهيونية التي اعتمدت على تلبية حاجات الإنسان الثلاثة: الحاجة إلى التفرد، والحاجة إلى الإنتماء لجماعة والحاجة إلى الذوبان في الجموع.

وعرّجت الدراسة إلى وسائل الإعلام "الإسرائيلية" المرئية والمسموعة والمكتوبة وقدرتها الدعائية على الجانب الفلسطيني، وأضاءت على وسائط التواصل الاجتماعي والصفحات الإلكترونية وخصائصها الدعائيّة مثل "المركزية" و "التخصص" و "الهجوم" و "المرونة" و "التوقيت"، واستعرضت بالشرح بعض منها مثل صفحة "المنسق" الصهيونية الإلكترونية ونجاحاتها في الدعاية وتحسين صورة الاحتلال لدى الرأي العام الفلسطيني والأجنبي، وصفحات إلكترونية أخرى عالجت الدراسة محتوياتها وخطاباتها تجاه الفلسطينيين، مقدّرة أنّ المشرفين على شبكات التواصل فريق من 75 مشرف وموظّف يديرون 350 قناة رقمية و20 موقع إلكتروني بسبع لغات عالمية.

وأوضحت الدراسة في تناولها مسألة الترجمة من العبرية إلى العربية أنّه بعدما جرى التصدي لعملية الترجمة في القرون الخمسة الماضية من مراكز أبحاث جادة ومهنية تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية وأخرى قريبة من سوريا ومصر، بهدف محدد هو معرفة المجتمع الإسرائيلي والتعمق فيه، تشهد هذه الحركة راهناً فوضى وتفتقد لتحديد الغايات وأصبحت الترجمة تستهدف الأخبار التي تبثها وسائل الإعلام "الإسرائيلية" اليومية الأمنية والسياسية وغيرها السريعة والتي تتناول الشأنين "الإسرائيلي" والفلسطيني مع ما قد تحتويه من دعاية مبطنة وموجهة، خاصة وأننا نشهد هذه الأيام اختراقات الدعاية "الإسرائيلية" بشأن التطبيع مع بعض الأنظمة العربية ومخاطر التوقف عن النظر على أنّ "دولة الكيان الصهيوني" عدو وخطر يهدد أمنها القومي.

ولفتت الدراسة إلى أنّ الترجمة أصبحت في اتجاه واحد من العبرية إلى العربية وعدم وجود شيء مماثل من العربية إلى العبرية على ضوء الحرب الدعائيّة، خاصّة أنّ وسائل الإعلام العبرية تعد ركناً لصيق الصلة بالمؤسستين الأمنية والسياسية الصهيونيتين، ولم ينوجد إطار يضبط تلك الترجمة أو يضع التوصيات الواجب اتّباعها عند ترجمة أخبار عبرية عن شأن فلسطيني أو غير فلسطيني.

بالإجمال، ورد في الدراسة أنّ الكيان الذي ليس له عمق حضاري عوّض عن ذلك باستخدامه الدعاية ونجح باستخدامها لوجود خطط ممنهجة وآليات دقيقة تحكم استخدامات القوة الناعمة، واستفادة قصوى من التقدم التكنولوجي والدبلوماسية النشطة والمزاوجة بينهما، كما تشير الدراسة إلى قلّة الدراسات العربية والأجنبية التي تتناول هذا الجانب من المتابعة لكيان العدو المؤقت، فيما برع الباحثون في الاستقصاء ومتابعة الدعاية |الإسرائيلية" في الماضي والحاضر والمراحل التي مرّت بها وأنواعها وتبويبها وتحليلها، بشكل يثير الإعجاب.

وختمت الدراسة فصولها السبعة بعرض تاريخي وافي عن واقع الصحافة الفلسطينية أيام الانتداب البريطاني والذي فشل في تقديم رواية واحدة حول الأحداث التي دارت على أرض فلسطين في تلك الفترة...

وما كان ينقص هذه الدراسة، إضاءة على الحرب النفسية الدعائيّة التي شنّتها المقاومة الإسلامية في لبنان والأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، حيث أنّ توافر الكتابات والدراسات العبرية المترجمة له التي تتناول المجتمع "الإسرائيلي" أو تلك التي تتعلق بتقييم الوضعيات والأخبار، سمح له بفهم أفضل للواقع "الإسرائيلي" والعمل على دعاية مضادة وحرب نفسية اعترف قادة الصهاينة بأنّ حزب الله وأمينه العام يخوضانها بكفاءة ونجاح، وأنّ المقاومة في لبنان تستعمل أساليب الدعاية في الميدان شبيهة بتلك التي لدى جيش الاحتلال من التضليل والمراوغة.

الدراسة بكاملها وهي مؤلفة من 336، متاحة على موقع مركز رؤية للتنمية السياسية، أعدها نخبة من الباحثين الذين أجادوا فعلاً الكشف والتحليل للدعاية "الإسرائيلية" المستخدمة من الصهاينة قديماً وحديثاً.

لتحميل الكتاب:


الكاتب: ناصر الحسيني




روزنامة المحور