الثلاثاء 25 تموز , 2023 11:45

الإعلام السويدي يهاجم حكومته بسبب منح الإذن لتجمعات حرق المصاحف القرآنية

مظاهرة ضد حرق نسخ من القرآن في ستوكهولم

نتيجة الاعتداء على القرآن الكريم للمرة الثالثة على التوالي خلال عام 2023، شهد العالم العربي والإسلامي استنكارًا واسعًا على الصعيدين الشعبي والسياسي لوقف هذه الانتهاكات التي تطال مقدّسات المسلمين، كون ذلك يعد انتهاكًا للحريات الدينية وليس حرية تعبير بحد ذاته. مواقف سياسية عديدة وعلى أكثر من مستوى أطلقتها الدول التي استنكرت الاعتداء على القرآن الكريم بموافقة السلطات السويدية التي تحرص على حماية المعتدين. وفي موازاة ذلك تصدّرت ظاهرة إحراق القرآن اهتمامات وسائل الإعلام السويدية التي بيّنت تداعيات وعواقب استمرار هذا الفعل في السويد، ودعت السلطات المعنية بشكل غير مباشر إلى ضرورة إيقاف الاعتداءات.

أولت وسائل الإعلام السويديّة اهتمامًا كبيرًا في ردود الأفعال الناتجة عن جرائم إحراق القرآن الكريم، وخاصة تلك التي انطلقت من بغداد بإحراق السفارة السويدية احتجاجًا على سماح ستوكهولم لإحراق القرآن أمام السفارة العراقية في 20 تموز/ يوليو. وبحسب قناة svtsenyheter إن "منح الإذن بتجمع عام آخر بهدف، لحرق المصحف لا يزال يؤدي إلى ردود فعل قوية في العراق"[1]. وأشارت القناة إلى طرد السفير السويدي من الأراضي العراقية، والتهديد بحظر التعامل مع جميع الشركات في العراق.

هدد سلون موميكا بحرق مصحف خارج السفارة العراقية في ستوكهولم

الأهم بالنسبة لهذه القناة هو التداعيات السياسية التي تبعت إحراق القرآن، واللافت أن الإدانة لم تكن موجّهة للفاعل بقدر ما كانت تطال السلطات السويدية المسؤولة مباشرةً عن الاعتداء بمنحها الإذن للفاعلين. وفي حين كانت المخاوف في الاعتداء الذي ارتكبه سلوان موميكا أمام السفارة العراقية في ستوكهولم من تضرر مصالح السويد الاقتصادية والسياسية فإن مخاوف المرات السابقة التي أحرق فيها في السويد تمثلت في عدم إمكانية دخول السويد إلى الناتو، وهذا ما ورد في قناة svt.senyheter عندما قالت: " كان لحرق المصاحف السابقة في السويد عواقب سياسية ووصفت بأنها تسببت في إبطاء عملية الناتو السويدية"[2]. وعلى ما سيدو أن القصد هنا عن إحراق القرآن أمام السفارة التركية في ستوكهولم في كانون الثاني/ يناير 2023. وفي الوقت نفسه، أشارت القناة إلى موقف وزارة الخارجية السويدية التي أدانت الاعتداء ووصفته بأنها "أعمال معادية للإسلام"، وفق القناة.

وفيما يخصّ إحراق القرآن أمام السفارة التركية في ستوكهولم في 21 كانون الثاني/ يناير 2023، أشار الإعلام السويدي إلى ردود الأفعال القانونية التي تبعت هذا الاعتداء، وبالأخص ما صدر عن وزارة العدل التركية التي طالبت بإلقاء القبض على المتطرف اليميني راسموس بالودان وتسعة آخرين مرتبطين بحرق القرآن. وقد قال وزير العدل التركي يلماز تونك: "إن محكمة تركية تطلب إلقاء القبض على المتطرف اليميني راسموس بالودان وتسعة آخرين مرتبطين بحرق القرآن"[3]. فيما نُقل عن بالودان قوله: "أكد المدعون السويديون بالفعل أن تظاهري في السويد لم يكن غير قانوني"، بحسب dn.se/Sverige. وإذ طالب المدعي العام التركي بالقبض على بالودان واستجوابه بشأن دوره في حرق القرآن الذي حدث في ستوكهولم في 21 كانون الثاني/ يناير، لكن رغم ذلك، فإن مذكرة الاعتقال لن يتم تنفيذها إلا إذا تحرك بالودان داخل حدود تركيا.

راسموس بالودان خلال عملية حرق أحد المصاحف خارج السفارة التركية في ستوكهولم

الاعتداء الثاني خلال العام الحالي الذي نفذه سلوان موميكا أمام السفارة العراقية في ستوكهولم في 28 حزيران/ يونيو 2023، أثار مخاوف من نوع آخر في السويد، والتي تمثّلث في "استغلال الجماعات الإسلامية في الخارج لحرق القرآن في السويد لأغراض سياسية خاصة بهم"[4]وفق قناة Aftonbladet السويدية، التي طالبت بإدانة اقتحام السفارة "بأشد العبارات الممكنة"، ولكنها سلّمت في الوقت نفسه بأنه طالما استمر حرق القرآن، فإن خطر حدوث أعمال مماثلة جديدة واضح.

القناة لفتت إلى التهديدات الدبلوماسية في العراق، ونبّهت من مخاطر انتشار قطع العلاقات الدبلوماسية مع السويد، في دول إسلامية أخرى وهو ما سيلحق أضرارًا جسيمة بمصالح الدولة.

كما سلّمت القناة بالغضب الذي طال المسلمين بعد إحراق القرآن، وقالت: "لا يستطيع معظم الناس أن يفهموا كيف يُسمح في السويد بحرق كتبهم المقدسة".

ولعل المصالح الاقتصادية والتجارية هي أسوأ ما قد يطال السويد بعد القطيعة الدبلوماسية، ولذلك أعادت القناة التذكير بالتحذيرات التي أطلقت في السويد لتجنب إحراق المصاحف كون ذلك يهدد المصالح التجارية، إذ إنه "يؤثر على السويد في شكل مقاطعة تجارية". كما أنه بحسب زعم القناة قد يهدد حياة المواطنين السويديين في الخارج ويزيد خطر الأعمال الإرهابية الموجّهة ضدهم. 

لم تتوانَ القناة عن تحميل السلطات السويدية مسؤولية إحراق المصاحف، لكنها برّأت الشرطة من هذا القرار، ووضعته في عهدة المحكمة الإدارية، وورد أن الشرطة السويدية "أرادت وقف حرق القرآن، لكن المحكمة قضت بعدم السماح بذلك بالإشارة إلى المخاطر الأمنية".

القناة ذهبت أبعد من ذلك، وأكدت أنه وفقًا للدستور السويدي "من الممكن فرض قيود على حرية التعبير في مواقف معينة"، ولذلك حان الوقت برأيها "لمراجعة التشريع وقدرة الشرطة على منع الإجراءات التي يمكن أن تضر بشكل خطير بمصالح السويد".

تصدّرت اهتمامات الصحف السويدية ردود الأفعال الدولية التي صدرت بعد إحراق موميكا للقرآن في 20 تموز/ يوليو 2023 لتكون المرة الثالثة خلال عام واحد يحرق فيها القرآن الكريم في السويد، إذ أشارت صحيفة dn.se/varlden إلى مواقف الدول التي قامت بالاحتجاج رسميًا ضد الاعتداء من بينها تركيا وإيران وقطر والسعودية وغيرها، بالإضافة إلى موقف الأمم المتحدة التي أعلنت أن إحراق الكتب المقدسة أمر غير مقبول. كما لفتت الصحيفة إلى خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي "دعا جميع الدول العربية والإسلامية إلى أن تفعل ما فعله العراق وطرد جميع السفراء السويد"[5]، وهو ما يأتي في سياق التحذير من تداعيات القطيعة السياسية بين السويد وبقية دول العالم العربي والإسلامي.

العراقيون يقتحمون السفارة السويدية في بغداد احتجاجًا على السماح بحرق أحد المصاحف القرآنية

الخطير في الاعتداءات التي نفذها كل من المتطرفين راسموس بالودان وسلوان موميكا هو أنها بدأت تشجّع متقدّمين آخرين بطلبات للشرطة السويدية لإحراق كتب دينية. ووفقًا لصحيفة dn.se/Sverige منذ أن "حرق المصحف المتطرف اليميني راسموس بالودان في بداية العام، طلب المزيد والمزيد من الناس الإذن بحرق الكتب الدينية"[6]، فحتى الآن هذا العام، تقدم 11 شخصًا للحصول على إذن لحرق الكتب الدينية وأحد التفسيرات المحتملة لهذا الأمر هو "ظاهرة التقليد"، كما يقول ماتياس لوندبيرج، محاضر في علم النفس بجامعة أوميو.

في محاولة تفسير دوافع إحراق القرآن في السويد يقول Mattias Lundberg: "إذا كنت تبحث عن الاهتمام، فهذا شيء كان له تأثير كبير، في جميع وسائل الإعلام الرئيسية وفي جميع أنحاء العالم".  

فيما يرى  Simon Sorgenfreiأستاذ الدراسات الدينية في جامعة سودرتورن، هناك أيضًا من يريدون حرق القرآن لأنهم اعتبروا "الإسلام ديناً قمعيًا"، أو القلق من أن "حرية التعبير مهددة".

الصحيفة انتقدت قوانين التشريع في السويد، ولم تر مانعًا من إمكانية تعديلها، فنقلًا عن الخبير في حرية التعبير نيلز فونكي، فإن "الاختلافات في التشريع (عن الدول المجاورة مثل النرويج وفنلندا التي يعد فيها إحراق الكتب المقدسة علانية أمر غير قانوني) تنبع من السبعينيات، عندما ألغت السويد قانون حرية الدين". ووفق الخبير (لا يعتقد أن السويد ستفرض حظرًا على حرق القرآن أو غيره من الكتب المقدسة).

وفي قراءة التداعيات السياسية والأمنية لإحراق القرآن، نشرت قناة  tv4.se  مقالًا جاء فيه: "أثرت عمليات حرق المصاحف السابقة على عضوية السويد في الناتو وأثارت ردود فعل دولية. في الوقت نفسه، فقد اندلعت احتجاجات ضد السويد ووصفتها شرطة الأمن بأنها تهديد[7]". ولذلك عندما طلب موميكا إحراق القرآن كان رد الشرطة أن: "المخاطر والعواقب الأمنية التي يمكن أن تراها السلطة مرتبطة بحرق المصحف ليست من النوع الذي، وفقًا للقانون الحالي، يمكن أن يكون أساسًا لقرار رفض طلب للتجمع العام. ولذلك تمنحك سلطة الشرطة الإذن بالتجمع المطلوب".

من جهته، انتقد الكاتب Wolfgang Hansson الاعتداء على القرآن الكريم في مقال له، مؤكدًا أن حرية التعبير لا تتضمن التحريض والعنصرية تجاه مقدّسات الآخرين وقال: "بالنسبة لمعظم السويديين، كان من البديهي منذ فترة طويلة أن يكون المرء قادرًا على السخرية من الدين والدفع به، سواء كانت المسيحية أو الإسلام. حرية التعبير لدينا واسعة ولكنها ليست مطلقة. هناك آراء ممنوع التعبير عنها. التشهير والعنصرية والتحريض ضد الجماعات العرقية غير قانوني"[8].

الكاتب اقترح إمكانية تعديل القوانين في السويد من خلال تقديم تفسيرات جديدة لها، وقال: "انظر إلى ديمقراطية الولايات المتحدة الأمريكية. قبل عام، كان للمرأة الأمريكية حق وطني في الإجهاض. الآن ذهب هذا الحق. القانون هو نفسه، لكن المحامين قدموا تفسيرًا جديدًا".

كما أشار الكاتب إلى أن "السويد في وضع سياسي أمني هش حيث تقدمنا ​​بطلب للحصول على عضوية الناتو لكن تركيا منعت حتى الآن العضوية السويدية مستشهدة، من بين أمور أخرى، بحرق القرآن. وبالتالي، ليس لدينا ضمانات مكتوبة من منظمة حلف شمال الأطلسي بأكملها بشأن المساعدة في حالة تعرض السويد للهجوم".

الإعلام السويدي برّأ الحكومة السويدية من مسؤولية الاعتداء على القرآن، وأكّد أن موقف الخارجية السويدية مغاير للشرطة والمحاكم التي تتيح أذونات الاعتداء، فبحسب موقع Svenska "تدين وزارة الخارجية السويدية الأعمال المعادية للإسلام وتقول إنها تتفهم أن المظاهرات في السويد "يمكن أن تسيء إلى المسلمين"[9]. ووفق الموقع، "تتفهم الحكومة السويدية تمامًا أن الأعمال المعادية للإسلام التي يرتكبها أفراد في مظاهرات في السويد يمكن أن تسيء إلى المسلمين. نحن ندين بشدة هذه الأعمال، التي لا تعكس بأي حال من الأحوال آراء الحكومة السويدية". وجاء بيان وزارة الخارجية بعد أن دعت منظمة التعاون الإسلامي IKO الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى اتخاذ تدابير لمنع حرق القرآن في المستقبل.

كما أشارت وزارة الخارجية إلى أنه يوجد في السويد حق محمي دستورياً في حرية التجمع وحرية التعبير وحرية التظاهر، لكن بحسب الموقع أكدت أن "حرق القرآن، أو أي نص مقدس آخر، هو عمل مسيء وغير محترم واستفزاز واضح".

وفي معرض تناول الموقع لردود الأفعال السياسية التي أعقبت إحراق القرآن أكد أن رد فعل تركيا بالتحديد هو الذي يسبب أكثر المشاكل إلحاحًا للسويد، فمن بين دول الناتو، "فقط تركيا والمجر لم تصادقا بعد على عضوية السويد في الناتو، لكن السويد كانت تأمل في أنه سيكون هناك وقت للتسوية قبل قمة الناتو في فيلنيوس، حتى لو لم يلمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أنه كان سيغير موقفه".

 

[4] aftonbladet.se/nyheter, Sverige har blivit en bricka i radikala islamisters spel, 20 july, 2023.

[7] tv4.se/artikel, Polisen beviljar ny koranbränning, 28 june, 2023.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور