بعد مرور 17 عاماً على انتصار لبنان في حرب تموز، يذهب المسؤولون في كيان الاحتلال نحو تقدير أسباب الفشل التي أدت إلى خسارة الحرب بعد 33 يوماً. وتقول صحيفة هآرتس العبرية في هذا الصدد، ان "الجيش الإسرائيلي اليوم لا يستطيع الدفاع عن الجبهة الداخلية بنجاعة كافية". مشيرة إلى ان "السيناريوهات التي تتحدث عن آلاف الصواريخ التي ستطلق على إسرائيل في أيام الحرب الأولى واقعية، وستمس مستوطنات غلاف غزة أو في الجليل، بل أيضاً وبالأساس المنطقة الوسطى في البلاد وخاصة تل أبيب".
النص المترجم:
رياح حرب يوم الغفران تعود لتهب على منطقتنا، ليس ذلك لأننا سنحيي الذكرى السنوية الخمسين لاندلاعها بعد حوالي شهر؛ ففي الأيام الأخيرة استهلت قناة الأخبار الرئيسية نشرة نهاية الأسبوع بصورة لزعماء 1973 خلف زعماء 2022، وقدرت ياسمين ليفي أن نتنياهو يجرنا نحو فشل يوم غفران 2 (هارتس 13.8). وظهرت ادعاءات مشابهة في وسائل إعلام أخرى آخذة هذا بعين الاعتبار، فليس هنالك مناص من المقارنة ما بين ما حدث حينئذ وما بين ما قد يحدث في المستقبل القريب. تآكل قوة الجيش الإسرائيلي، وتضاؤل قوة الردع الإسرائيلية والتصريحات المستفزة لسياسيين من الائتلاف، وفوق كل هذا انعدام المسؤولية المتواصلة لرئيس الحكومة، كلها تقربنا من حرب متعددة الجبهات.
إذا اندلعت، ستكون الحرب الأكبر منذ 1973 بل أصعب منها بكثير، لعدة أسباب أساسية:
أولاً: طبيعة التهديد وقوته. حرب يوم الغفران كانت في جبهتين – هضبة الجولان وقناة السويس، ولكن ليس في الجبهة الداخلية. في بداية الحرب، كان هنالك بعض الأضرار في شمال الدولة وكان الضرر الذي سببته محدوداً جداً. واصلت الجبهة الداخلية حياتها المعتادة طوال الحرب، قدر الإمكان، وكان القلق الأساسي على الجنود في الجبهة. سيكون الضرر في الجبهة الداخلية قاسياً في الحرب القادمة. السيناريوهات التي تتحدث عن آلاف الصواريخ التي ستطلق على إسرائيل في أيام الحرب الأولى واقعية، وستمس مستوطنات غلاف غزة أو في الجليل، بل أيضاً وبالأساس المنطقة الوسطى في البلاد وخاصة تل أبيب. سيكون الدمار الحضري ضخماً وسيصل عدد الخسائر إلى آلاف. كذلك ستلحق أضرارا بالبنى التحتية للكهرباء والماء والاتصالات والغاز. ويمكننا التعلم من المدن الأوكرانية عما تنتظره إسرائيل. سيكون الضرر عندنا أكثر كثافة بكثير.
ثانياً: استعداد الجبهة الداخلية والمناعة الوطنية. في عام 1973 كان الجمهور الإسرائيلي قد شهد حرب الأيام الستة، وحرب الاستنزاف، وعسكرة كبيرة على طول الحدود وعمليات إرهاب وتخريب. كلها حصنته تمهيداً للحرب القادمة. لهذا، ورغم المفاجأة والثمن الباهظ الذي دفعته الدولة، لم يكن في الجبهة الداخلية ردود هستيرية، وكان الجيش الإسرائيلي ومتخذو القرارات متفرغين لإدارة القتال حتى أعلى الجبهات.
الجبهة الداخلية اليوم ليست مستعدة للحرب، لا فعلياً ولا عقلياً. تعلمنا هذا عن طريق المقارنة ما بين المناعة الوطنية لتلك الأيام والمناعة اليوم، بكل المعايير. نظراً لأن الحرب القادمة ستكون حرب الجبهة الداخلية، ونظراً لأن الجبهة الداخلية غير مستعدة لها، فمن المتوقع حدوث أزمة ثقة وهستيريا عامة بأبعاد ضخمة. باستثناء الصدمة التي سيولدونها، سيصعبون الأمر على الجيش الإسرائيلي وعلى الجبهة الداخلية ومتخذي القرارات لإدارة الحرب.
ثالثاً: الجيش الإسرائيلي. الجيش الإسرائيلي في سنة 1973 كان الأفضل في ساحة القتال؛ كان مدرباً ومسلحاً بصورة جيدة، ولديه طاقم قيادي مجرب تم تحصينه في حروب كنا فيها قليلين أمام كثيرين. ودليل ذلك النهوض المثير للانتباه جراء الهزائم التي تكبدها الجيش الإسرائيلي في اليومين الأوليين للحرب.
الجيش الإسرائيلي اليوم لا يستطيع الدفاع عن الجبهة الداخلية بنجاعة كافية. بدرجة ما، فالمشكلة أنه على الرغم من كل الاستثمارات، فإن منظومات الدفاع ضد الصواريخ لا توفر رداً جيداً بما فيه الكفاية، نظراً لأن إنتاج صواريخ هجومية أسهل بكثير من إنتاج منظومة دفاع ضدها. علاوة على ذلك، الجيش (النظامي والاحتياطي) لا يتدرب بما فيه الكفاية. الوحدات بشتى أنواعها منشغلة دائماً بمهام شرطية في "المناطق" [الضفة الغربية]، ولا ويفتقد قادتها في كل المستويات التجربة والخبرة في حروب حقيقية.
نأمل أن يتحسن أداء قوات المدرعات منذ 2006، ولكنهم في أفضل السيناريوهات سيحتاجون لعدة أيام من أجل احتلال مناطق في لبنان ستطلق منها الصواريخ. وإلى أن يستكمل الجيش الإسرائيلي هذه المهمة، سيكون هنالك دمار شديد وكبير في الجبهة الداخلية. سلاح الجو الذي يذكر بكونه المخلص الكبير، يستطيع حقاً أن يعيد لبنان إلى العصر الحجري، ولكنه لا يستطيع منع الأضرار التي ستلحق أيضاً بإسرائيل وترجعها عدة عصور إلى الوراء. مشكلة الجيش الإسرائيلي، والتي كانت موجودة قبل بداية الانقلاب القانوني، احتدت جداً منذ ذلك الحين.
رابعاً: طبيعة القيادة. حفر اسم جولدا مائير وديان للأبد في الذاكرة الجماعية من حرب يوم الغران. فعلياً، لا شك في أن المستوى المدني الذي أدار الحرب – جولدا وديان ويغال ألون وإسرائيل جليلي -عمل بصورة جيدة، بالتأكيد إذا أخذنا بالحسبان الأزمة في بدايتها. إضافة إلى ذلك، لم يظهر لدى الجمهور طوال الحرب علامات تشير إلى عدم ثقة في القيادة وعلى قدرتها على قيادة الدولة في تلك الأيام الصعبة. لم يتم التعبير عن النقد وعدم الثقة إلا بعد انتهاء المعارك.
إذا اندلعت الحرب القادمة والحكومة الحالية لا تزال في السلطة، لن نرى أداء ناجحاً في إسرائيل. فالحكومة من اليوم تعاني أزمة ثقة لم نشهد مثلها. معظم الجمهور لا يثق بكلمة يقولها رئيس الحكومة، ويعتقد أن سياسته كلها (وحتى الحرب) تستهدف إنقاذه من محاكمته. وليس هنالك جدوى من إطالة الحديث عن ثقة الجمهور بحكمة أعضاء الكابينت الأمني: سموتريتش وبن غفير ويريف لفين وميري ريغف. في وجع متأزم كهذا، كل واحد يعمل ما يراه مناسباً. وستبدأ الكارثة مع سقوط الصاروخ الأول في وسط تل أبيب.
احتمالية اندلاع حرب تزداد كل يوم تمسك فيه هذه الحكومة بمقاليد الحكم. مع ذلك، ليس هنالك يقين من اندلاع حرب. لإيران وحلفائها أسباب جيدة للخوف منها، ولكن انعدام الحوكمة لدى حكومة نتنياهو تخلق فضاء رمادياً يزداد اتساعاً وقواعد اللعب فيه آخذة في التغيير. هذه العملية تزيد احتمالية اندلاع حرب في الخطأ- مثلما كان الأمر في 2006. فحرب كهذه تغير بضربة سيف مصير الدولة أكثر من تغيير جهاز القضاء ومن أزمة اقتصادية ومن هرب الهايتك ومن مغادرة الأطباء. لهذا، هذه يجب أن تكون هذه هي أكبر ما يقلقنا.
المصدر: هآرتس
الكاتب: أوري بار يوسف