الإثنين 23 تشرين أول , 2023 03:56

الخطاب التعبوي لبنيامين نتنياهو

بنيامين نتنياهو يخطب في الكنيست

شنّت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في فلسطين المحتلة عملية مباغتة باتجاه مستوطنات غلاف غزة في السابع من تشرين الأول الجاري 2023 أسمتها "طوفان الأقصى". أدّت العملية إلى مقتل وإصابة الآلاف من الصهاينة والسيطرة على مقرات فرقة غزّة وأسر المئات من المدنيين والعسكريين الصهاينة، استتبع ذلك صدمة في كيان العدو والاستنجاد بحليفه الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية، وتحضير نفسه للرد عبر موافقة المجلس الوزاري على حالة الحرب. وبالتالي، القيام بعمليات عسكرية كبيرة وفقاً للمادة 40 من قانون الحكومة الأساس، وعليه بدأ مسؤولو الكيان حملة تعبئة نفسية ومعنوية ومادية لمواكبة الرد على طوفان الأقصى.

 تستعرض هذه الدراسة من إعداد مركز دراسات غرب آسيا خطاب رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، على مدى عشرة أيام (من 7/10 إلى 16/10/2023) بغية رصد المفردات المستخدمة في سياق التعبئة الداخلية، وماهية اتجاهات هذه التعبئة والسقوف لها، إضافة إلى تحديد أبعاد التعبئة واتجاهاتها، والعمل على تحليل المضامين التعبوية. وتجدر الإشارة إلى أن خطاب نتنياهو يُقصد به الكلمات القصار والتصريحات والبيانات الصادرة عنه. وتحوي الورقة ملحقًا بمقتطفات من خطاب الأيام العشرة الأوائل دون تحرير.

خطاب نتنياهو.. اتجاهات وأبعاد

 اتّخذ الخطاب طابعين أساسيين في سياق تعبئة المستوطنين للحرب على غزة، وحرف الأنظار عن المسؤولية السياسية والعسكرية والأمنية عمّا أصيب به الكيان من فشل تاريخي، وهما: طابع الهوية الدينية في التحشيد والتعبئة، وطابع المواجهة "ضد الإرهاب". كما ارتكز على بعدين: الأول عاطفي نفسي والثاني عقلاني موضوعي"، في وقت توزّع فيه ما بين اتجاهين: داخلي خاطب فيه المستوطنين وخارجي لاستثارة التعاطف والدعم الأجنبي.

 حاول نتيناهو من خلال الطابع الديني أن يستفيد من قوة الجماعات الدينية الصهيونية على اختلافها، وما توفره من دعم وما تمتلكه من تأثير بدورها على مختلف الشرائح. الأمر الذي يؤمن له الدعم الداخلي بشكل مركّز، دون أن ينعدم الدعم الخارجي من الفئات الدينية المنتشرة في الخارج. ولجأ نتنياهو إلى إطلاق مسمى "داعش" بغية تجييش الغضب والسخط في الداخل والخارج واستدرار التعاطف الخارجي واستدراج الأمريكي والغربي للدخول معه في المعركة وتوفير كل الدعم الممكن. كما لعب على البعد العاطفي النفسي في إثارة المشاعر باستخدام النفحة الدينية والوجدانية التصويرية؛ تمثّل في استخدام مقاطع من أسفار تلمودية، أو أشعار تخدم هدف الانتقام، وسرد رواية تصويرية ـ وخاصّة أثناء لقاءاته برؤساء ومسؤولي الدول الأجنبية التي تزور الكيان المؤقت ـ لما جرى ميدانيًا لتأجيج وتعميق حالة الغضب والمظلومية عند الضيوف الأجنبية والمستوطنين. أما البعد العقلاني اعتمده نتنياهو في إعادة بث القوة مجددًا في الشعب الإسرائيلي وإحياء روح العزيمة فيه بالحديث عن الأمجاد التاريخية و"أحقية" المستوطنين بالأرض وتثبيت الرؤية الإسرائيلية في الفوقية على الآخرين، وأنهم "محرك العالم".

مفردات الخطاب التعبوية

استخدم نتنياهو في خطاباته عدة مفردات لها دلالاتها الخاصة، لكن الملفت منها ما لجأ إليه من كلمات عنصرية ودينية وتاريخية في استثارة اللاوعي اليهودي لاتخاذ إجراءات سريعة في الانتقام. وتعدّ مفردة "داعش" الكلمة الاكثر استخدامًا وبروزًا في خطاب نتنياهو، وفي ما يلي لمحة حول أبرز المفردات: 

صعبة: استخدمت الكلمة للتعبير عن المرحلة المقبلة التي تخص نتائج عملية طوفان الأقصى وظروف عملية الرد عليها.

داعش: ربط نتنياهو في خطاباته ما بين حركة حماس وما بين تنظيم داعش، وحوادث 11 أيلول. واستخدمت الكلمة 17 مرة، وهي أكثر كلمة استخدمت وتم التركيز عليها. والهدف من وراء ذلك توجيه سياسات الدول الغربية والولايات المتحدة تجاه حماس، واتخاذ وضعية محاربتها كما لو أنّها تحارب داعش عبر التحالف الغربي المعلن عنه والمتواجد في سوريا والعراق وبعض دول أفريقيا، أو كما واجهت دول "الحلفاء" النازية في الحرب العالمية الثانية، أو كما تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية مع حوادث تفجير مبْنَيَيْ التجارة العالميين في أمريكا، وأدّى ذلك إلى شن الولايات المتحدة حربًا على أفغانستان ومن ثمّ العراق. وبذلك، يقدم نفسه للعالم بأن الكيان" خط المواجهة الأول للعالم المتحضر امام البربرية"، وكأنه يقوم بهذه المعركة بديلًا أو وكيلًا عنهم ما يلزمهم بالدعم.

البربرية والهمجية: استحضر نتنياهو ما أسماه العالم المتحضر مقابل "البربرية" و "الهمجية". وعبّر بذلك عن الرؤية الصهيونية في الفوقية العنصرية التي ترى في "الشعب" الإسرائيلي "الشعب المختار" فيما تتوزع بقية الشعوب على المستويات الأدنى. هي رؤية أوائل المؤسسين الذين أعطوا لأنفسهم الحق في اغتصاب الأراضي وفق النظرية الداروينية حيث البقاء للأقوى. وهو باستخدام مفاهيم الحضارة والهمجية والبربرية يحاول اختراق اللاوعي لدى العالم الغربي والأوروبي ويستثير لديهم ذاكرة الحروب القديمة في استعمار الدول والجزر.

المحرقة والهولوكوست والنازية: استحضر نتنياهو مفردات "المحرقة" و"الهولوكوست" و"النازية"، لحشد أكبر عدد ممكن من المستوطنين باستثارة الذاكرة الجماعية في ضرورة مواجهة أعداء "السامية"، وبإعادة استثارة ذكريات "المحرقة" اليهودية، "الهولوكوست"، والشعور بالمظلومية والاضطهاد للشعب اليهودي على يد النازيين، وفق ادّعاءات اليهود.

التطهير: كلمة استخدمت في اليوم الأول والثالث في دلالة على شدّ عصب الجماعات الدينية والمتطرفين في توجيه المعركة بأنها دينية، بحيث أن الجماعات التي دخلت المستوطنات وعاثت فيها الفساد سيتم تطهيرها مجددًا عبر الالتحاق بعملية "السيوف الحديدية.

 

تحليل مضامين الخطاب التعبوية

-المشاركة: عمل نتنياهو على زج المستوطنين بالمعركة من باب مشاركتهم بالأوضاع واطلاعهم على خطورة العملية، عبر توصيف عملية الطوفان بـ "الكارثة"، وتحديد أهدافها بالتوازي مع إظهار القوة بالدعم الأمريكي ووضع أهداف عالية للرد والانتقام، بما يوحي بأنها أهداف قابلة في ظل الظهير الأمريكي.

-إظهار القوة الشديدة والبأس: اعتبار المعركة انتقامية، سيستخدم فيها العدو أعلى درجات القوة وستغطي نطاقات مفتوحة بشكل تدفع معه حماس "ثمنًا لم تعرفه من قبل"، إضافة إلى استخدام مفردات توحي بالشدّة من قبيل وصف السيوف الحديدية بأنها ستكون " دون تحفظ بلا هوادة" والإخبار عن القيام بـ "عمليات عسكرية كبيرة".

-إعادة السلام والأمن: عملية طوفان الأقصى لم تظهر الفشل العسكري والأمني والاستخباراتي والسياسي في إسرائيل فقط، وإنما أصابت العلاقة بين الحكومة والمستوطنين؛ فالحكومة فشلت في تأمين الحماية لهؤلاء. وقد كان هذا الهدف في طليعة الأهداف منذ اليوم الأول.

-التهويل الإعلامي بالردع: أكّد الخطاب على "تحصين الساحات الأخرى حتى لا يخطئ أحد في الانضمام إلى هذه الحرب"؛ الترويج لعمل "القوات الإسرائيلية دون توقف"؛ شنّ الهجوم "دون هوادة".

-الاتحاد طريق الانتصار: وضع النصر هدفًا للعملية الإسرائيلية وجعلها مشروطة باتحاد المستوطنين والتغاضي عن المشكلات الداخلية والأزمات السابقة، بحيث أن المرحلة الراهنة تتطلّب تجاوز كل الاعتبارات وتوحيد الجهود لتحقيق "النصر".

-العامل الزمني: تحضير المستوطنين منذ اليوم الأول إلى أن المعركة ستكون طويلة لإظهار البعد المصيري فيها من جهة ولتخفيف عبء وضغط مطالبة الحكومة ومحاسبتها في حال تأخر تحقيق إنجازات أو أهداف.

-الفوقية والعنصرية: الإيحاء بأن الوضع في فلسطين يتصف بالأمان وأن الجميع يعيش حياة هانئة لولا بدء الحركة بحرب "قاسية وشريرة". وهي رسائل تظهر مدى سياسة التهميش والفوقية الصهيونية في التعامل مع الشعب الفلسطيني كنكرة ليس في الحسابات وما يجري عليه هو أمر طبيعي.

-تبادل الأدوار: لعب نتنياهو دور الضحية بدل الجلاد، ووجّه الحملة نحو تحميل حماس المسؤولية عما جرى وعن سلامة الرهائن، بحيث أن حماس هي التي "تريد قتلنا جميعًا"، كما استعمل كلمة "أراضينا" في سياق التلاعب بالعقول والاستجداء العاطفي للرأي العام العالمي بتصوير الإسرائيلي بأنه صاحب الأرض المضطَهد الذي يعاني، لا حماس والشعب الفلسطيني الذي يعاني الحصار والقهر والأسر والتهجير والإبادة والمجازر منذ عشرات العقود.

-التقليد والتماهي: استعان نتنياهو بمفردات حساسة في الخطاب الغربي ضد محور المقاومة، وهي مفردة "الشر" حيث أطلق "غزة مدينة الشر" في حركة تماثل إدخال مفردة "محور الشر" في الخطاب السياسي الأمريكي والغربي في سياق ما عرف بـ"الحرب على الإرهاب". كما وصف حماس بأنها جزء من "محور الشر الإيراني". وفي ذلك عملية تحشيد للدعم الخارجي في مواجهة "طوفان الأقصى".

-طمأنة الداخل عبر الحلفاء: لجا نتنياهو إلى الحلفاء لمحاولة تهدئة المستوطنين بعد بعد الكارثة التي حلت بالكيان نتيجة عملية "الطوفان" واتساع هوّة تزعزع الثقة بين الحكومة والمستوطنين، فكان يردد دعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية ويتباهى بـ "الدعم المطلق" لما يدعوه "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، والدعم "غير المعهود".

-التحريض الديني: استخدم تعابير مختلفة يرجح أنّها تلمودية ذات دلالة دينية عند اليهود مثل: "يا الله، أقم علينا عدونا واضرب أمامنا"، وتعابير أخرى فيها أسماء الأبطال اليهود وشخصياتهم الدينية، مثل: "تذكروا أنكم تواصلون خط أبطال شعب إسرائيل، يهوشوع بن نون، ويهوذا المكابي، وجميع حروب إسرائيل"، كما وركّز في خطاباته على أنّ مباغتة حماس لليهود أتت في يوم السبت، وهو عند اليهود يوم عطلة ويوم "راحة الرب من الخلق"، ومن هذه التعابير أيضًا كلمة "التطهير".

-التخويف بالتهديد الوجودي: رفع نتنياهو مستوى تخويف المستوطنين بربط مستوى التهديد بنفس وجود الكيان، وحدد بأن المعركة "لضمان خلود إسرائيل"، وبأنها "حرب من أجل المنزل"، وأكثر من ذلك ظهر التهديد الوجودي في ما قاله نتنياهو بكلمته: "الحديث يدور حول أمر بقائنا في هذه المنطقة" و"هم يريدون تدمير دولة إسرائيل وقتلنا جميعًا".

-التضليل: هو تضليل عبر تحديد العديد من الأهداف غير الواقعية، كما في هدف" القضاء على حماس وإبادتهم" أو "محوهم" أو حتى في ادّعاء التأكيد بالخروج من المعركة "أقوى من أي وقت مضى". وكذلك في اعتماد التهويل عما أسموه "فظائع" حماس والقيام بـ "أفظع الجرائم".

خلاصة

 يشير خطاب نتنياهو إلى مستوى عال من التعبئة الدينية والسياسية على المستوى الداخلي والخارجي. لجأ إلى استخدام تعابير مؤذية للوعي الإسرائيلي كـ "الهولوكوست" و"المحرقة" و"النازية"، وقدّم نفسه بدور منقذ العالم المتحضّر من صورة جديدة لداعش. فعزّز الدعاية ضد حركة حماس بغية تشويه الإنجاز والنموذج المشرق في التحول الاستراتيجي في التاريخ الجهادي الفلسطيني.

هذا، وقد شدّد رئيس وزراء الكيان المؤقت على أنّ عملية طوفان الأقصى وحّدت الشعب الإسرائيلي وأزالت الشروخ، ودعا إلى توحيد القيادات، وهو أمر قد تمّ بتأليف حكومة طوارئ تضم أطيافًا مختلفة ـ ولكن هذا التوحّد مؤقت ونسبي وسوف يتغير مع انتهاء مفاعيل الصدمة وتباين وجهات النظر في التعامل مع الأحداث. وحاليًّا، تتصاعد الانتقادات الداخلية السياسية والعسكرية وتنكشف للعلن، حتى أن سقوط الحكومة طرح كخيار، ويدرك نتنياهو أن الحل السياسي المؤقت يفتقر لعامل الوقت، وأن هذه الأزمة ستنفجر في اللحظة التي تتوقف الحرب لأي سبب، بحيث تنكشف حكومة الائتلاف الصهيونية وتعود الانقسامات إلى ممارسة سلوكياتها في الميدان والشارع وبوتيرة أعلى نتيجة تداعيات "الطوفان"، وهو ما يعمل نتنياهو على تأجيله.


المصدر: مركز دراسات غرب آسيا




روزنامة المحور