الخميس 26 تشرين أول , 2023 03:31

التأثيرات الاقتصادية لحرب طوفان الأقصى

إسرائيل لا تستطيع إطالة أمد الحرب

لا شك ان السياسة والاقتصاد شيئان متلازمان. ففي حالة حدوث أمر لأحدهما تأثر الآخر سلباً كان او ايجاباً، وان الاحداث العالمية هي كأحجار الدومينو فإن حدث أمر ما في منطقة معينة تأثرت المناطق المجاورة لها تباعاً.

إن للأحداث التي وقعت يوم 7 أكتوبر والتي هزت الكيان الصهيوني، ستؤثر حتماً في المنطقة والعالم وعلى جميع الصعدة ومنها على الجانب الاقتصادي.

أولًا: التأثير على أسعار النفط العالمي

ان أسعار النفط حتماً تتأثر سلباً او إيجاباً بأي حدث سياسي عالمي وخصوصاً الحروب وبالخصوص في حال كان أحد أطرافها منتجاً مهماً للنفط او مستهلكاً كبيراً له، وهذا ما رأيناه في أوكرانيا، أما في حرب طوفان الأقصى فان الاتحاد الأوروبي وامريكا هي الطرف الاخر لكن تحت يافطة إسرائيل.

وارتفعت كنتيجة للحرب التي اندلعت عقب الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. حيث ارتفع سعر خام برنت الأوروبي من 84 دولار لخام برنت للبرميل الواحد، ونظيره الأمريكي الى نحو 90 دولارا للبرميل، للعلم ان اللاعب والمؤثر الأول في أسعار النفط هي منظمة أوبك بلس، وان كل أعضائها اما دول إسلامية او عربية او معادية لأمريكا، وهي خفضت الإنتاج العام الماضي نحو 1.3 مليون برميل كي تحافظ على سعر برميل النفط بحدود 80 دولار.

حتى جعلت الاحداث ان رئيس وكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول يقول، إن الحرب في غزة "لا تجلب أخباراً جيدة" لأسواق النفط المنهكة بالفعل، بسبب تخفيضات إنتاج النفط من السعودية وروسيا وتوقع طلب أقوى من الصين. حيث أن السبب الرئيسي من ارتفاع سعر النفط رغم ان إسرائيل ليست منتجا للنفط، ولا توجد بنية تحتية دولية كبرى للنفط بالقرب من قطاع غزة"، ورغم ذلك يبقى إحدى المخاطر الرئيسية في التدخل المباشر من قبل الجمهورية الإسلامية في إيران التي تمتلك ثالث احتياط نفط بالعالم، الداعمة لحركة حماس والتي تعد عدواً لدوداً لإسرائيل، في النزاع.

وتمتلك منطقة الشرق الأوسط ما يقرب من ثلث العرض العالمي من النفط، ويمر من مضيق هرمز الاستراتيجي نحو 20 في المئة من الإمدادات العالمية، أو ما يوازي 30 في المئة من إجمالي النفط الذي يتم نقله بحرا.

ومن تأثير الجمهورية أيضا في سعر برميل النفط هو احتمالية ان تشدد العقوبات الامريكية على الجمهورية وخصوصا القطاع النفطي وبالتالي سيتأثر سعر بيع برميل النفط العالمي. وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الضغوط على سوق النفط الذي يعاني أصلاً من نقص المعروض. لكن ربما يقول اخر ان من الممكن تعويض ما تنتجه إيران بنفط سعودي، على سبيل المثال، وهو أمر لا يتوقع حدوثه وفقا لهم. لان السعودية هي على قمة راس منظمة أوبك التي تتجه دائما نحو تخفيض الإنتاج لزيادة الإيرادات النفطية.

او ربما تدخل دول أخرى من منظمة أوبك بلس او أخرى من خارج المنظمة في مقاطعة بيع النفط لإسرائيل او حلفائها.

فيما يتعلق بالغاز، تبدو العواقب أسرع، ففي منتصف أكتوبر/ تشرين الأول ارتفع سعر الغاز عبر منصة تداول عقود الغاز الهولندية (تي تي إف)، وهي المؤشر الأوروبي للغاز الطبيعي، بمقدار الثلث مقارنة بما كان عليه قبل هجوم حماس. فإن الحرب "تهدد بشكل خطير سوق الغاز الطبيعي الإقليمي، ويمكن أن يكون لها تأثير على إمدادات الغاز الطبيعي المسال" خصوصا ان فصل الشتاء على الأبواب وان الطلب على الغاز والنفط سيرتفع وخصوصا في أوروبا المستهلك الكبير لها.

حيث أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية تعليق الإنتاج مؤقتا من حقل غاز "تمار" البحري، وأوقفت شركة شيفرون الأمريكية العملاقة أنشطتها في الحقل بناء على تعليمات من السلطات الإسرائيلية. ويمثل هذا الحقل "حوالي 1.5 في المئة من إمدادات الغاز الطبيعي المُسال في العالم"، وفقا لإينيس، كما يزود السوق الداخلية بشكل أساسي، ثم مصر والأردن. وستكون العواقب أكثر إثارة للقلق في حال إغلاق حقل "ليفياثان" أكبر حقل للغاز في إسرائيل، حسبما يقول المحللون الذين يشيرون إلى ارتفاع الأسعار في بداية الحرب في أوكرانيا، إلى 345 يورو لكل ميغاوات/ساعة، وهو رقم قياسي.

ثانيًا: التأثير الاقتصادي على العراق

ان اسعار النفط هي المحور الرئيس للاقتصاد العراقي لان اقتصاده ريعي احادي الاتجاه يعتمد على النفط، وان عدم الاستقرار في المنطقة قد يتوسع وفي حال توسعة جنوبا ووصل الى سيناء وهي القريبة على غزة، فان اهم ممر عالمي لمرور البضائع والنفط وهو قناة السويس سيتأثر وبالتالي سترتفع الاسعار العالمية للبضائع والنفط، واما في حال توسع الحرب الى الشرق من فلسطين كسوريا والعراق وإيران فالأمر سيسوء كثيرا لان انتاج الدولتين كبير جدا وسيرفع الاسعار ايضا. وفي هذا الامر سيكون لصالح العراق لأنه يرفع من حجم الايرادات النفطية العراقية الواردة الى الخزينة العامة.

وهنالك احتمال اخر ففي حال عدم توسع الحرب لا شرقا ولا جنوبا، فستكون الاسواق غير مستقرة بسبب ضبابية الوضع العالمي رغم بعدها عن اهم المناطق المنتجة للسلع والمستهلكة للنفط كالصين والهند واوروبا، لكن في كل الاحوال سيتم النظر في بعض العلاقات وبالتالي سيرتفع النفط لكن من ذلك حتما.

ان الاحداث الاخيرة في اسرائيل ستشغل المنطقة والعالم في هذا الامر الكبير، وبالتالي خلقت فرصة وفسحة للحكومات في المنطقة ومنها في العراق لاتخاذ خطوات لا توافق عليها امريكا او ستتدخل فيها دول الجوار في حال اتخاذها في الايام الحالية ومنها ترسيم الحدود او عقد اتفاقيات مع دول مهمه كالصين والهند وغيرها من الامور.

النقطة الأهم ان المنطقة من شعوب وحكومات أصبحت أكثر قوة بعد ان الحرب الحالية كشفت هشاشة وخرافة القوة الإسرائيلية وبالتالي تستطيع ان تقول للغرب لا لأنهم في حالة انهزام وضعف.

خلاصة الامر عادة ما تكون الفرص في خضم الازمات، وهذه الحرب قد تكون لنا فرصة للتقدم في المجال الاقتصادي والسياسي لو تم استغلالها جيدا ولو لخطوة واحدة في سبيل تقدم العراق.

ثالثًا: تأثير الحرب على روسيا

إنّ الحرب الروسية الأوكرانيّة كان مخطط لها منذ سنوات سبقت الحرب، وكان التأخير في تنفيذها هو لإيجاد بدائل الغاز والنفط الروسي لأوروبا الذي يشكل أكثر من نصف طاقتها.

لذلك أراد الرئيس الروسي ان يفشل المخطط الغربي بان يبدأ الحرب هو ويجعل أوروبا وامريكا محرجة في الخطوات التي تتخذها وبالفعل ان القرارات التي تم اتخاذها لمعاقبة روسيا كان لها الأثر السيء على أوروبا مثل تسعير النفط وما قابلة من بيع النفط والغاز بالروبل وتسعير المنتجات النفطية وغيرها من القرارات التي اضرت بأوروبا.

حشدت أمريكا واروبا كل طاقاتها واموالها ومساعداتها لمساعدة ومساندة أوكرانيا، حتى تجعل من روسيا تخسرها، او تبطئ من تقدم الروس في أوكرانيا وبالفعل نجحت في تأخر حسم الحرب.

يوجد عدة نقاط تجعل من روسيا تقف الى جانب الفلسطينيين، وحتى وان كان الموقف الرسمي غير صريح وواضح ومنها ان الرئيس الاوكراني هو يهودي وان إسرائيل تدعمه بشكل رسمي حتى ان خبر اليوم بانسحاب ألف عسكري إسرائيلي من أوكرانيا والعودة لإسرائيل.

كما ان اليهود دائما ما يدعمون البروتستانت والكنيسة الإنجليكانية وهي ابعد ما يكون عن الأرثوذكسية الروسية.

ان الدول التي تقف مع فلسطين هي بالغالب لديها علاقات جيدة ان لم تكن بحلف مع روسيا على العكس من الدول التي تقف مع إسرائيل هي بالجبهة المعادية لروسيا.

لكن بالمقابل ان ادامة الحرب في فلسطين مع الكيان الصهيوني جعل العالم الغربي في هيجان وتشتت في جهوده بين دعمهم لأوكرانيا وبين دعمهم لإسرائيل، وفي الحقيقة ان دعمهم لأوكرانيا كلفت الكثير من أموال أوروبا وامريكا حتى بات الشعب متذمر من تدهور الحالة الاقتصادية التي يعيشونها والتضخم الذ يشهدونه.

وبالتالي ان عملية طوفان الأقصى لأبطال المقاومة والمحور خفف من الضغط على روسيا وان العملية هي في صالح روسيا حتما.

وما يؤكد ما ذهبا اليه هو ما جاء على لسان حلفاء كييف، وهو الرئيس البولندي أندريه دودا -التي قررت بلاده إرسال وحدة عسكرية وطائرات لإجلاء مواطنيها من إسرائيل- والذي اعترف بأن ما يحدث مفيد لموسكو، التي تسعى لصرف انتباه العالم أجمع عن الأحداث في أوكرانيا.

وكذلك أيضا ما صرح به النائب الأول لرئيس لجنة مجلس الاتحاد للشؤون الدولية، فلاديمير جباروف، التي قال فيها إن "الصراع الحالي بين فلسطين وإسرائيل، قد يؤدي إلى خفض حجم الدعم لأوكرانيا، وإن جزءًا كبيرًا من دعم كييف سيتم الآن إعادة توجيهه نحو إسرائيل".

وهذا بالنتيجة يعني ان الحرب الروسية الأوكرانية بدأت نهايتها تلوح في الأفق وعلى روسيا استغلال الاحداث الحالية وبالسرعة الممكنة لحسم الحرب، الوضع الإسرائيلي الان محرج جدا وخصوصا لو ان الجبهة الشمالية فتحت عليه، وهي الان مفتوحة جزئيا.

ومن جانب اخر ان الحرب في فلسطين اضافت قوة جديدة في المعسكر الشرقي وهو المقاومة الفلسطينية التي أصبحت هي صاحبة المبادرة وهو صاحبة الكف الأعلى وكما ان هذا يعني انحسار للمعسكر الغربي في المنطقة او لنقل انه ضعف وفي طريقة الى الزوال.

من مصلحة روسيا ان تنتصر المقاومة وتخسر إسرائيل ومن خلفها التي تدعم أوكرانيا اما الصين فهي حتما مع المحور الشرقي لكن الجميع يعلم ان الصين لا تدلي بتصريح او تتخذ موقف واضح في الاحداث السياسية وخصوصا الحرب وهذا ما رأيناه في الحرب الأوكرانية وكذلك الان لكن واضح بحيث ان معظم حلفائها في بريكس وشانغهاي هم مؤيدي للفلسطينيين.

رابعًا: تأثير الحرب على مصر

ان من اهم المشاريع التي يقوم فيها الكيان الغاصب هو انشاء قناة، وكما قلنا سابقا، موازية لقناة السويس وتربط بين خليج العقبة من ناحية الجنوب وبين البحر الأبيض المتوسط، وان الامر أصبح سهل بعد ان تنازلت وخصوصا بعد بيع مصر لجزيرتي تيران وصنافير الى السعودية العربية والتي تمثلان مضيق تيران الذي يفصل بين البحر الأحمر وبين خليج العقبة، وللعلم ان الاحداث سبقتها مفاوضات سلام لاعتراف المملكة العربية السعودية بإسرائيل لكن الحرب الأخيرة جعلت السعودية تؤجل ذلك.

 احتلت إسرائيل جزيرة تيران عام 1956 ضمن الأحداث المرتبطة بالعدوان الثلاثي ومرة أخرى في الأحداث المرتبطة بحرب 1967 وانسحبت منها عام 1982 ضمن اتفاقية كامب ديفيد. بعد الانسحاب الإسرائيلي عادت الجزيرة إلى الحماية والإدارة المصرية ويتواجد بها حالياً قوات دولية متعددة الجنسيات بحسب اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ووقوعها في المنطقة.

ان اهم عقبة في أنشاء هذا المشروع هو وجود غزة على طريق المشروع وحتى لو انحرف طريف انشاء القناة فبإمكان المقاومة من تهديد امنة وبالتالي عدم استغلاله من قبل التجارة العالمية، ولهذا المشروع تأثير اقتصادي كبير على مصر فبالإمكان تقليل واردات مصر، وهذا حتمي، وبالتالي ان مصر ستفقد جزء كبير من ايرادها المستدام من قبل قناة السويس.

للعلم ان إيرادات قناة السويس 5.2 مليار دولار عام 2015 وخلال السنوات اللاحقة كانت الحصيلة أعلى قليلًا أو أقل قليلًا عن تلك النسبة حتى بدأت في الارتفاع منذ عام 2021 لتحقق 6.3 مليار دولار ثم نحو 8 مليارات دولار عام 2022، لتصل أخيرًا إلى 9.4 مليار دولار خلال العام المالي 2022/2023.

هذا المبلغ الكبير يجعل لعاب الكيان الصهيوني بالسيلان للحصول عليه بدل من مصر، لذلك ان هذه الحرب أخّرت او بعدت خطر انشاء هذه القناة وبالتالي انها تصب في صالح مصر.

خامسًا: التأثير الاقتصادي على السعودية

ان التطبيع قريب جدا مع السعودية العربية وهذا ما قاله الرئيس الاسرائيلي في الامم المتحدة قبل ايام والذي توقع له ان يغير ملامح المنطقة، فالأحداث الاخيرة قد تبعد التطبيع الى امد غير محدد او تلغيه، وكما نعلم ان المملكة العربية السعودية اشترطت عدة امور مقابل التطبيع ومنها امور اقتصادية واخرى تخص الطاقة مثل انشاء مفاعل نووي لغرض توليد الطاقة الكهربائية وكذلك الذهاب مع بريكس والمحور الشرقي مقابل التطبيع، وبالتالي ان عاد موضوع التطبيع ستعود بمطالب اخرى ومشاريع اخرى قد تؤثر على الخارطة الاقتصادية في المنطقة، وعلى العراق.

في قمة العشرين المنعقدة في نيودلهي في الهند، صرح الرئيس الامريكي جو بايدن بان مشروع طريق بديل عن طريق الحرير سيتم انشائه لعبور البضائع الهندية عبر موانئ الامارات العربية السعودية مرورا بالمملكة العربية السعودية والاردن ثم اسرائيل والبحر المتوسط الى اوروبا، وكما نعلم ان العراق اطلق مشروعا منذ اشهر وهو طريق التنمية الذي يصل الخليج بتركيا ومن ثم اوروبا، الذي يكون موازي لمشروع وطريق بايدن، وبما ان الوضع الامني غير جيد وان المنطقة واسرائيل تشهد حربا الان، فان مشروعهم قد تأجل الى امد غير محدد وهذا يعطي فسحة بسيطة من الامل لطريق التنمية الاقتصادي العراقي ولهذا يجب استغلال هكذا ازمات وتوظيفها في خدمة الاقتصاد العراقي والاستعجال في انشاء الطريق وعقد الاتفاقات مع الهند بالإضافة الى الصين.

سادسًا: التأثير على أسعار النفط وبالتالي الدول المنتجة له والمستهلكة

ان أسعار النفط مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأحداث السياسية وعلى سبيل المثال الحروب كحرب الخليج الأولى والثانية والثالثة وحرب أوكرانيا التي رفعت سعر برميل النفط من 74 دولار لخام برنت حتى وصل في احد الأيام الى اكثر من 120 دولار للبرميل الواحد من خام برنت، اما الان ففي يوم 6 أكتوبر كان سعر خام برنت هو 84 دولار للبرميل لكن وبمجرد بدء الاحداث بدأت الأسعار بالتصاعد وارتفع، فبعد يوم من الاحداث ارتفع خام برنت بواقع 4.18 دولار أو بنسبة 4.94 بالمئة إلى 88.76 دولار للبرميل، في حين سجل خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 87.02 دولار للبرميل مرتفعا 4.23 دولار أو 5.11 بالمئة. واما في الأيام السابقة وصل لأكثر من 89 دولار من نفط خام الإشارة نفط برنت.

وبالتالي ان أسعار النفط ستكون ذات نتائج إيجابية للدول المنتجة للنفط ومنها دول الخليج والعراق ودول منظمة أوبك بزيادة الإيرادات النفطية لكن في نفس الوقت سيزيد العبء على الدول المستهلكة للنفط ومنها أوروبا وحتما ان ذلك سينعكس على أسعار السلع المنتجة وعلى أسعار التوريد والنقل والتي تؤثر بشكل كبير على أسعار السلع وهذا يعني ان ارتفاع سيصيب السلع المستوردة ان المواطن سيلمس ارتفاع بسيط بالأسعار أي ان الامر سينعكس سلبا على المواطن وايجابا على الحكومات المنتجة النفط.

سابعا: تأثير ذلك على مشروع بايدن بخط الهند أوروبا عبر إسرائيل

منذ سقوط القطب العالمي الثاني وهو الاتحاد السوفييتي عام 1991 وامريكا انفردت في الهيمنة على العالم لكن في نفس الوقت أحسّ المعسكر الشرقي بالخطر الكبير من قبل الغرب وحلف الشمال الأطلسي، بدء التحرك الصيني الفعلي نحو سد فراغ الاتحاد السوفييتي ولكن خطواتها كانت بطيئة ومحكمة وغير مستفزة للغرب.

كان الطريق الاقتصادي هو طريق الصين نحو القطب العالمي الثاني، ومن الخطوات الصينية المهمة هي انشاء حلفين متوازيين غير متقاطعين وأحدهما يعضد الاخر وهما منظمة شانغهاي التي بدأت مشوارها لترسيم الحدود بين الصين وبعض الدول التي خرجت من الاتحاد السوفييتي ثم تحول الى حلف أمني ومن ثم الى اقتصادي وسياسي، للعلم ان الاجتماع الأخير للمنظمة صوت بانضمام إيران اليها بعدما كانت عضو مراقب بالمؤتمر.

اما الحلف الثاني الذي برعامة الصين هو دول بريكس وخصوصا بعد الاجتماع الأخير في دولة افريقيا الجنوبية وانضمام دول مهمه من ناحية الطاقة كالسعودية وإيران وكذلك تصريح الرئيس الروسي بوتين ورئيس الجنوب افريقي المتضمن نية دول بريكس بأنشاء عملة موحدة للتعامل بينهم بدل الدولار الأمريكي.

ان التحرك الصيني بالعموم ضم عدة دول التي هي ليست على وفاق من الغرب وامريكا والتي تعرضت او تحت العقوبات الامريكية مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية وغيرهم من الدول معارضة للنهج الغربي، واما الصين هي المتصدية للمبادرات لان الغرب والعالم لا يستطيع ابدا ان يفرض على الصين العقوبات لان أمريكا والعالم هو الذي سيتضرر.

وان التحرك الصيني بالعموم هو تحرك اقتصادي لذلك اضافت خط ثالث ليكون موازي للخطين الاخرين المذكورين أعلاه لكن بصبغة اقتصادية مئة بالمئة لكن بالحقيقة هو حلف اقتصادي سيتحول الى سياسي لان الصين حتما ستدافع عن مصلحتها، الخط الثالث هو مشروع الحزام والطريق الذي يمر بعدة دول وله عدة مسارات ومنها من يمر بالعراق عن طريق ميناء الفاو او عن طريق إيران فالعراق فسوريا والبحر الأبيض المتوسط فأوروبا.

للعلم وكما قلت سابقا ان طريق الحرير هو حلف سياسي مغلف باقتصاد وطريق وسكك حديد وطريق ملاحة، واخذت الصين المشروع على محمل الجد وانشات له بنك (البنك الاسيوي للاستثمار بالبنى التحتية) والذي هو معادل الى البنك الدولي من حيث الاعمال والمهام والاقراض.

العديد من الدول ومنها المجاورة للعراق تعي ما يدور بالمنطقة والعالم ولذلك تحركت نحو الشرق ليكون لها السبق في التحول العالمي الجديد ولذلك اخذت عدة خطوات:

-انها سارعت لتكون جزء من البنك الاسيوي للاستثمار بالبنى التحتية الا العراق، ويقال أخيرا طلب الانضمام الية ولكن لا نعلم كم ساهم بالبنك، للعلم ان البنك يتعام باليوان لا الدولار ولذلك لا يستطيع العراق ان ينضم الية لان أموال العراق بالدولار وعند الامريكان بالبنك الفدرالي الأمريكي.

- سارعت دول المنطقة والعالم للانضمام او طلب الانضمام الى منظمة شانغهاي والعراق لم يفكر بالأمر حتى.

-سارعت دول المنطقة الى الانضمام لدول البريكس ومنها إيران والسعودية ومصر والامارات والقسم الاخر طلب الانضمام ولكن العراق لم يفكر بالموضوع ابدا.

-سارعت دول المنطقة ومنها الجمهورية الإسلامية في إيران والعربية السعودية والامارات والكويت (تأجير جزيرة بوبيان) بالذهاب الى الصين كي تتفق معها حول مشروع الحزام والطريق وحتى ان بعض زعماء دول الخليج صرح بحجم الأموال المخصصة لهذا المشروع.

ومثلما قلنا سابقًا ان الحرب في فلسطين والعملية الكبرى طوفان الأقصى قد غلقت الطريق بوجه المشروع الأمريكي الإسرائيلي الخليجي الذي هو:

-مشروع مضاد للصين والمحور الشرقي.

-مشروع سيضر بالعراق والجمهورية الإسلامية لأنه المراد منه ان يكون بديل عن خط ومشروع طريق الحزام والحرير.

-انه سينفع الكيان الصهيوني بزيادة ايراداته.

-انه مشروع المراد منه ان يكون حلف سياسي قبل ان يكون اقتصادي.

لكن في المقابل ان هذا المشروع لن ينفذ حاليا وربما يكون مستقبلا ولكن الملاحظة المهمة هي ان غزة بمقاومتها وبموقعها الجغرافي يشكل أيضا حجر عثرة من وجهة نظر الغرب تعرقل هذا المشروع ولذلك انهم ومنذ سنين يرتبون الأوراق والاحداث والاتفاقات مع عملائهم لإيجاد بديل عن غزة أي موقع يتم ترحيل الغزاويين اليه ومنها صحراء سيناء او الانبار في العراق.

ثامنًا: المضائق البحرية

ان المنطقة في غرب اسيا فيها عدة مضائق بحرية واهما مضيق هرمز الذي يسيطر على أكثر من ربع انتاج العالم من النفط وكذلك مضيقي باب المندب ومضيق قناة السويس، واهمية المضيقين تتركز بالتالي:

-كما تعتبر أقصر رابط بين الشرق والغرب.

-الموقع الجغرافي لها يجعلها أقصر طريق بين الشرق والغرب، وذلك بالمقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح.

-كما أن الموقع الجغرافي الفريد لهما، يجعلها ذات أهمية خاصة بالنسبة للعالم.

-كذلك كونها مهمة بسبب أن أكثر من 80 ٪ من حجم التجارة العالمية يتم نقلها عبر الممرات المائية، وهو ما يعرف بالتجارة المنقولة بحراً، حيث أن النقل البحري هو أرخص وسيلة نقل.

-تستهلك السفن وقت ليس بالطويل للانتقال من البحر الأحمر للمتوسط والعكس، مما يعني التوفير في الوقت واستهلاك أقل في الوقود وتكاليف تشغيل قليلة للسفن.

-طريق مهم لنقل الطاقة والسلع الاستهلاكية والمكونات الصناعية، من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا.

-كما أن موقع المضيقين يجعلهما مركزاً إقليمياً رئيسياً لشحن النفط والمواد الهيدروكربونية الأخرى.

-حوالي عُشر التجارة العالمية تمر عبر المضيقين، وبالتالي يعتبر الممر المائي لها حيوي للتجارة الدولية.

للعلم ان المضيق الأول وهو مضيق هرمز من الممكن ان يغلق من قبل الجمهورية الإسلامية في إيران في حال نشوب حرب ضدهم وهذا ما يخشاه الغرب والذي يعني لهم انهيار حكوماتهم بسبب الازمة الاقتصادية والغلاء بفعل النقص في امداد النفط.

اما المضيق الاخر فهو أيضا تحت مرمى محور المقاومة، أنصار الله الحوثيين وله نفس الأهمية ما لمضيق قناة السويس، اما مضيق السويس فالان هو لا يبعد شيء عن المقاومة الإسلامية في فلسطين ويعني محور المقاومة.

لذلك ان هذه الحرب ان توسعت ستكون كارثة بحق للدول الغربية ومنها أوروبا وحتما ان الكثير من حكوماتهم ستسقط بفعل الازمات الاقتصادية وارتفاع التضخم، ولا ننسى ان الازمة مع روسيا رفعت التضخم بنسبة تزيد عن 7 % عالميا وفي بعض الدول وصلا لأكثر من 10 % ولنا ان نتخيل ما سيصيب أوروبا ان غلق باب المندب ومضيق هرمز.

تاسعا: التأثير على الكيان الصهيوني

الاقتصاد الإسرائيلي على العموم معتمد على الصناعة ويرتكز على تصدير منتوجات تكنولوجية حديثة وخدمات، للعلم ان الصادرات الصناعية تشكل قرابة 40% من الناتج الصناعي الإسرائيلي، فضلاً عن تجارة الأسلحة. أمّا الثقافة الاقتصادية السائدة فهي ثقافة الاستهلاك والبذخ والرخاء.

ففي بداية الحرب وعلى تقدير ان الحرب لن تدوم الا أيام فان بنك "هبوعليم" قدر كلفة الخسائر الاقتصادية التي سيتكبدها الكيان الصهيوني في مواجهتها مع "حماس"، وأشار إلى أن الحرب ستكلف الاقتصاد الإسرائيلي ما لا يقل عن 27 مليار شيكل (6.8 مليار دولار). للعلم أن التكاليف التي تكبدتها إسرائيل في حرب لبنان الثانية عام 2006 والتي استمرت 34 يوما، بلغت نحو 9.4 مليار شيكل (2.4 مليار دولار) أو 1.3% من حجم الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل لذاك العام. فاذا فرضنا ان حجم التضخم السنوي الاعتيادي السنوي هو 3% وان الحرب الروسية الأوكرانية رفعت التضخم العالمي بحدود 7 % فسيكون مبلغ الخسائر الصهيونية بالسعر الحالي هو بحدود 15 مليار دولار.

ومن الممكن تصنيف الخسائر الصهيونية بالخسائر المباشرة وهي التي تستخدم أيام الحرب وأخرى ممكن تسميتها بالغير مباشرة والتي تعني الاثار السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، بالتالي ان الحرب ستنتج:

1-نزوح لعدد من السكان او الاختباء بالملاجئ وبالتالي ان العاملين بالمصانع سوف لن يستطيعوا الوصول للعمل وبالتالي توقف الصناعة.

- في حال توقف الصناعة فان التزامات المصنع تجاه المستوردين سيكون محرج وبالتالي قد يلتجئون الى مصانع من دول أخرى ان تأخرت الحرب، خسائر ناتجة من تراجع مكانة إسرائيل في الأسواق العالمية في إثر التراجع أو التأخير في تصدير البضائع.

-تأثر قطاع السياحة بسبب عدم الاستقرار الأمني وبالتالي قلة بالإيرادات الغير نفطية. شكل فرع السياحة الإسرائيلية قرابة 2% من الناتج المحلي، ويشغّل 3.5% من القوى العاملة في إسرائيل.

- ربما ستكون هنالك هجرة عكسية لليد العاملة والكفاءات والتي ستؤثر على الاقتصاد.

- ان الخسائر تكبر يوم بعد يوم نتيجة القصف الصهيوني الذي يحتاج ميزانية كبيرة وكذلك نتيجة استهداف المقاومين للآليات العسكرية التابعة للكيان الصهيوني.

-انخفاض الاستهلاك، للعلم ان الاستهلاك المحلي يشكل بحدود 65 % من الناتج المحلي وبالتالي ان معظم المنتجات ستعاني من كساد.

- تأثير مستقبلي لحملات المقاطعة التي من المتوقع تصاعدها بعد انتهاء الحرب.

- تراجع تصنيف الائتمان الإسرائيلي في أسواق المال العالمية، الأمر الذي يزيد في تكلفة تجديد القروض.

-كما نعلم ان راس المال جبان وبالتالي انحسار الاستثمار الأجنبي في إسرائيل او تراجعه.

-انخفاض قيمة العملة الإسرائيلية (الشيكل) أي ارتفاع في أسعار صرف الدولار واليورو في مقابل الشيكل، وهو ما يلحق ضرراً بالصادرات والسياحة معاً.

-تراجع في حجم جباية الضرائب، ومنه تراجع في مداخيل الدولة، وهو ما يعني إمكان فرض ضرائب جديدة وتقليص في الميزانيات. في هذه الحالة تتباطأ الدورة الاقتصادية الكلية وتزداد احتمالات الركود الاقتصادي وارتفاع البطالة.

-ففي حالة ان الحرب استغرقت وقت طويل ستكون هنالك احتمالية أن يدخل الاقتصاد الإسرائيلي في حلقة مفرغة من الركود والبطالة ستؤثر عاجلاً أم آجلاً في سوق العقارات أيضاً، وستتسبب بهبوط أسعارها وبتراجع في سداد قروض الإسكان، وبالتالي تهديد مناعة البنوك والشبكة المالية في إسرائيل.

-تمتلك إسرائيل حقل "ليفياثان" الإسرائيلي للغاز الطبيعي في البحر المتوسط والذي سيتوقف وبالتالي ستعاني من عجز في امدادات الطاقة.

الخلاصة:

-ان هذه الاحداث هي كأحداث الحرب الروسية الأوكرانية التي من خلفها أوروبا وامريكا تعتبر صدام غير مباشر بين المحور الشرقي والمحور الغربي (الناتو) وبالتالي ستكون معجلة لظهور قطب عالمي ثاني جديد وان انتصار محور المقاومة هو إضافة جديدة وربما ولادة قطب ثالث في العالم يضاف الى القطب الغربي والشرقي وهو قطب محور المقاومة، ولهذا السبب ان المحور يقف بكل كيانه وقوته مع فلسطين لأنها يعني العزة والكرامة والمستقبل أيضا.

-بعض التسريبات الاقتصادية والتحليلات اشارت الى ان العدو الإسرائيلي يملك احتياطياً من النقد الأجنبي يبلغ 198 مليار دولار في نهاية أيلول الماضي، استخدم منه 45 مليار لوقف انهيار الشيكل و5 مليارات للدعم اللوجستي وخطة الطوارئ في الحرب. ‏بأوّل أسبوعين 50 مليار دولار من الاحتياطي، وهذا يعني انه لا يستطيع إطالة الحرب ابدا.


الكاتب: د. بلال الخليفة




روزنامة المحور