الجمعة 27 تشرين أول , 2023 01:28

روسيا لا تساو بين الضحية والجلاد في غزة

مجلس الأمن الدولي

في اليوم الثامن عشر لعملية "طوفان الأقصى"، اجتمع مجلس الأمن الدولي في نيويورك للمرة الثانية من أجل اتخاذ قرار أميركي لوقف إطلاق نار مؤقت في فلسطين المحتلة، عطلته روسيا. ففي حين أرادت الولايات المتحدة قراراً مؤقتاً يسمح بخروج الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، تريد روسيا وقف إطلاق نار نهائي وبخاصة إنهاء الهجوم بالطيران على غزة وقتل المزيد من العزل المدنيين والأطفال وهدم البيوت. كما أن موقف الشعب الروسي عامة كان متميزاً منذ بدء العدوان، حيث انتشرت الفيديوهات المتضامنة مع غزة منذ اللحظات الأولى، والتي تفهمت إنطلاقة "طوفان الأقصى" على أنها مقاومة ضد ظلم واحتلال ومجازر وعنصرية تمارس على الفلسطينيين منذ العام 1948.

يرى الروس ان "طوفان الأقصى" جاء رداً على سنين من الإحتلال بكل ما حمله من بشاعات. ويمكن قراءة هذا الموقف الروسي من خلال التصريحات، التي ترفض توصيف حماس بالإرهاب. وتصف سياسة الاحتلال بأنها مجرمة لما تمارس من اعتقالات تعسفية وتمييز عنصري ضد الفلسطينيين ووضع 2,5 مليون غزاوي تحت الحصار. الروس استنكروا تطور الأحداث في الحرب الدائرة لتصبح عملية إنتقام من غزة في أبشع صورها، وضمن هذا الإستنكار جاءت معارضة القرار الأميركي عبر مجلس الأمن بفرض هدنة مؤقتة، وهذا له مبرراته القوية بالنسبة للروس، فالقرار يريد إدانة حماس في حين أنه لا يدين ولا يجّرم المجازر التي ترتكبها دولة الصهاينة ضد المدنيين العزل ولا يدينها. والقرار يحاول تصوير المعركة على انها بين فصيل فلسطيني يتهمه بالإرهاب، ويريد صيغ ذلك في اتهام دولي لحماس بالإرهاب ومن خلال الأمم المتحدة. وما آلت إليه الأمور في مجلس الأمن يوضح النية الأميركية ويُعريها، ولهذا جاء الموقف الصيني- الروسي متلازماً في عرقلة القرار الأميركي. لكن موقف موسكو مما يحدث في غزة كان واضحاً منذ بداية المعركة.  

خلال اجتماع مجلس الأمن في 26 من هذا الشهر، برز التباين ما بين الموقفين الروسي والأميركي، ففي حين يتحدث مشروع القرار الأميركي عن خدمة إنسانية لتمرير هي عبارة عن اختبارات للكورونا وبعض المواد الإسعافية. في حين أن القرار الروسي يركز على وقف إطلاق فوري وفك الحصار. وتوصف أميركا جرائم الكيان على أنها دفاع عن النفس، في حين أن روسيا تقول، بأن اسرائيل دولة قائمة بالإحتلال وبالتالي فهي تنفي عن المحتل صفة الدفاع عن نفسه. واستند القرار الروسي بحسب السفير الروسي فاسيلي نيينزيا لدى مجلس الأمن على "أن العالم أجمع يتوقع من مجلس الأمن دعوة إلى وقف إطلاق نار سريع وغير مشروط"، وبما أن هذا لم يرد في المسودة الأميركية فيرى نيينزيا أن القرار "لا جدوى منه، ولا يمكن أن نؤيده".

في اليوم الرابع لعملية طوفان الأقصى، وجهت حكومة الكيان الصهيوني "رسالة استياء وخيبة أمل إلى موسكو بسبب التصريحات الروسية بشأن الحرب على غزة". وبعض المسؤولين الصهاينة هدد روسيا بأنها ستدفع ثمن مواقفها. ومنذ أن صدر الإعلان بخيبة الأمل الصهيونية كان رد الكرملين عبر المتحدث باسمه، ديمتري بيسكوف، في جزئيتين تدلان على حرفية الدبلوماسية الروسية، في الجزء الأول بين أن لدى الروس حوار منتظم ومكثف مع الصهاينة، وأعاد بيسكوف الموقف، الذي عبر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراراً بأن روسيا "تدين كل مظاهر الإرهاب ونتقدم بالتعازي لجميع أقارب وأسر الضحايا". وهذا الكلام لم يساو بين الضحية والجلاد، فقد تحدث بيسكوف عن موقف روسيا في دعم وقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سلمية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وأكد أن روسيا ترتبط بعلاقات مع الحركة الفلسطينية ولا تعتبرها "إرهابية" على عكس الولايات المتحدة، والتي يرى الكرملين أن الصراع القائم في فلسطين هو دليل على فشل دبلوماسيتها.

ولفت بيسكوف إلى الأسباب التي دفعت بالمقاومة الفلسطينية للقيام بعمليتها ضد الصهاينة، ومنها عودة الحديث عن الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، الذي يظهر على السطح كلما احتدم الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة المحتلين ومن ثم توضع الملفات في الأدراج. وثانياً، الضغط المتزايد على الفلسطينيين في بقعة من الأرض لا يتجاوز طولها 40 كم ولا يتعدى عرضها بضع كيلومترات. وثالثاً، تبنى "المستوطنات" على حساب الأرض الفلسطينية. وقد شبّه بوتين حصار غزة بحصار ليننغراد، وهو الشاهد على حصار ليننغراد مسقط رأسه والذي عاشه طفل صغير. ومنذ بداية العملية، أرسل بوتين رسائل للداخل العربي بأن تحركوا ونحن معكم، وذلك بحسب أحد الصحافيين الروس في سبوتنك، خلال حديث معه على الهاتف. كما تناقش هاتفيا حول ما يحدث في غزة مع كل من الرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي، والرئيس الصيني تشي جين بينغ، وبحث معهم سبل وقف العدوان، والتشديد على ضرورة الإدخال الفوري للمساعدات الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة ووقف القصف والتهجير.

منذ بدء القصف على غزة، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن "روسيا لا تقبل أي مظاهر للإرهاب والعنف وانتهاك القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك الإستخدام العشوائي للقوة، وأنه من الضروري منع أخذ الناس كرهائن وحصار المدن مع المدنيين". منتقداً الموقف الأميركي الذي دفع بحاملات الطائرات إلى مقابل شواطئ غزة، واعتبر أن حل القضية الفلسطينية يستلزم جهوداً جماعية، وأن من الواضح أن الحل ليس بيد الولايات المتحدة وحدها، والذي تستفرد به منذ نشأة الكيان بإدارة الصراع العربي- الصهيوني على طريقتها ولم يأت بنتيجة مرضية للفلسطينيين. وأشار لافروف إلى أن التوصل إلى تسوية يكون بوقف إطلاق النار وحل القضايا الإنسانية ورحيل الأجانب عن غزة. ويقصد بالأجانب المحتلين الصهاينة للأراضي المحتلة في العام 1967، وربما قصد أيضا بالأجانب التواجد العسكري الأميركي والفرنسي اللذين دخلا إلى جانب جيش الإحتلال.

الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، في مقال نشرته قناة الجزيرة جدد فيه موقفه من الهيمنة الغربية وضرورة الإنتهاء منها. ويقول ان ما يحدث في غزة قد صرف الإنتباه عن أوكرانيا، وفي هذا فرصة لروسيا لتتعرف على نقاط ضعف الآخرين من أجل حسم موقفها. ولكن أهم ما جاء في استنتاج المقال أن "النخبة الروسية أصبحت الآن في مشهد خيالي، اذ بلغت نسبة مناهضي الصهيونية والذين فرحوا بالإنتفاضة الفلسطينية الثلث. وهناك ثلث يقف إلى جانب الصهاينة، ويمكننا أن نضيف أنهم من الأوليغارش اليهود المؤيدين للصهاينة. والثلث الثالث، هم من أنصار العولمة الأميركية وسياسة بايدن. ولكن بحسب دوغين أيضاً، إن هناك بعدأ آخروياً في الصراع، خاصة وأن تسمية العملية الفلسطينية كان "طوفان الأقصى" أي له علاقة كبيرة بهدم الأقصى وبناء الهيكل وقدوم المسيح الدجال، الذي تمثله السياسة الصهيونية بكل أبعادها، وعلى من لا يفهم هذا البعد الآخروي عليه إعادة النظر كي يستطيع فهم ما تقوم عليه السياسة الحديثة. ويتابع أن روسيا وبكل الأحوال ذات علاقة جيدة مع الفلسطينيين ولن تزعزها بالوقوف ضدهم.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور