الجولة التي قام بها وزير خارجية امريكا أنتوني بلينكن اخيراً الى المنطقة والتي شملت دولاً عديدة مثل مصر والسعودية واسرائيل. بات على أثرها يكرر كلمة التطبيع كثيراً، وجملة تكامل اسرائيل مع دول المنطقة، في نفس الوقت يؤكد "نحن ملتزمون بإقامة دولة فلسطينية".
وفيما كان بلينكن يواصل جولته سارع زعماء التطبيع عبد الفتاح السيسي، والملك عبد الله، ومحمود عباس لعقد قمة بفي الأردن، ولم يصدر عنهم سوى هذه الجملة "لن نسمح بتهجير الفلسطينيين، وايصال المساعدات الى غزة"، وكمن يتأبط سراً.
الواضح ان مشروع بلينكن والذي عرضه على قادة الدول التي زارها، كان واضحا ومضمونه، إذا استمرت الحرب وخسرتها اسرائيل فهذا يعني التالي:
1- انتصار لإيران.
2-صعود المقاومة المدعومة من إيران بالمنطقة كقوة فاعلة.
3-هيمنة إيرانية على البحار والمحيطات.
4-صعود المسلمين الشيعة كقوة سياسية ودينية بالمنطقة.
5-حدوث انقلابات وتحولات لدى دول المنطقة وستكون دول التطبيع وأصدقاء الغرب ميدانها.
6-سيكون انتصار إيران مدخلا لروسيا والصين، وضمور نفوذ امريكا والغرب.
بلينكن اقنع مصر بالتعاون معها في قضية الديون وتأجيل المستحق منها على الاقل، ودعم الاستثمار من قبل دول الخليج، وعدم السماح لأثيوبيا بالحصول على ميناء على البحر الاحمر، بالإضافة الى التخلص من إخوانية حماس، كما فقنع بلينكن محمود عباس بان مستقبل دولة فلسطين المفترضة ستكون بيده، والتخلص من خصومة المقاومين. بلينكن اقنع أيضاً ملك الأردن بانه الرابح الاكبر لان الوضع بالداخل الاردني صعب، وكذلك على الحدود مع سوريا والعراق واسرائيل. ودفع لهم مبلغ 450 مليون دولار كرواتب للجيش والقوات الامنية قال عنها رئيس الوزراء الصفدي بانها دعم سياسي.
بلينكن اقنع اسرائيل ان لا خيار امامهم سوى القبول بمشروع الدولة الفلسطينية وفق المقاس الاميركي أي دولة بلا أسنان مقابل ضمان قبول السعودية بالتطبيع، وتشكيل تكتل بين دول التطبيع واسرائيل على كافة المستويات الامنية والاقتصادية الخ. كما حذر اسرائيل من مغبة الاستمرار بالحرب.
بلينكن اقنع تركيا بان لها اليد الطولى بالمنطقة، وان جزءً من التكتل بين دول التطبيع وإسرائيل، وإخراج إيران من المعادلة برمتها. واقنع السعودية انه ليس امامها من طريق سوى القبول بالمشروع التطبيعي، وادارة ملف التكتل الجديد كقوة اقتصادية وأمنية قوية بالمنطقة، والتخلص من الشيعة كأزمة تهدد وجود آل سعود، والتخلص من أنصار الله بضربة موجعة تضعف دورهم امام دول المنطقة، وامام جمهورهم، وترسل رسالة الى بقية فصائل المقاومة الاسلامية انهم تحت طائلة القصف إذا تمادوا.
بلينكن اقنع اليونان بحل مشاكلهم مع تركيا مقابل دعم المشروع. كما ارسل مبعوثين الى لبنان لحل الازمة سلميا بين المقاومة وبين الكيان الاسرائيلي مقابل ضمانات، وعودة الوضع الاقتصادي بلبنان مثل سابق عهده، مقابل تحييد حزب الله والتوقف عن ضرب الجيش الاسرائيلي.
وبشأن أنصار الله حصلت امريكا على قرار بإدانتهم بمجلس الامن للتهيؤ لضربهم، ومنعهم من مهاجمة السفن الاسرائيلية، والتجروء على امريكا.
تم تكليف مصر وقطر باستخلاص أسرى اسرائيل بواسطة نظام الهدن مع حماس مقابل مساعدات وضمان حياة قادة حماس.
من هذا نفهم ان امريكا لعبت على ايجاد عدو مشترك -بنسب مختلفة- لهؤلاء جميعا اسمه إيران، وتأكيد ذلك جاء على لسان بلينكن بعد اختتام زيارته للقاهرة حيث أكد على أن المنطقة أمام طريقين، الأول هو "تكامل إسرائيل مع ضمانات والتزامات أمنية من دول المنطقة وكذلك من الولايات المتحدة وإقامة دولة فلسطينية.. على الأقل طريق للوصول إلى تلك الدولة". وثانياً، "الاستمرار في رؤية الإرهاب والعدمية والدمار على يد حماس والحوثيين وحزب الله، وكلهم مدعومون من إيران"، وأن الطريق الأول هو الأفضل "لعزل وتهميش إيران ووكلائها الذين يسببون الكثير من المتاعب لنا ولكل الآخرين تقريبا في المنطقة.
قبل اسبوع كانت "إسرائيل" مصرة على إبادة اهالي غزة، لكن مشروع محكمة العدل الدولية ودور دولة جنوب افريقيا، وما فيه من حرفية عالية، وتداعياتها أضعف حكومة نتنياهو، بالإضافة الى حجم الخسائر التي تكبّدها جيش الاحتلال الاسرائيلي والضغط الخارجي والداخلي.
ثمة رسائل الى روسيا بهدنة او إذا اقتضى الامر وقف إطلاق نار مؤقت لتخفيف الضغط على اوروبا، وهناك رأي لمنح روسيا المناطق التي احتلتها. وهناك مبعوث الى اليمن لحل مشكلتهم مع السعودية مع حزمة امتيازات.
قد يبدو السيناريو غير واقعي، ولكن تلك هي الحقيقة التي وجدت امريكا نفسها في حال من العجز لإيجاد مخرج لمصير اسرائيل الذي بات يحاصر امريكا نفسها في كل الميادين، ويؤثر على كافة مصالحها بالعالم.
كيف ستتم مواجهة هذا المخطط:
1-إن أنصار الله أجابوا بان أي هجوم أمريكي سيواجه بالرد، ولابد من وقف إطلاق النار في غزة، وقد حصلوا على إذن الرد من القيادة وبقوة. فيما امريكا جرجرت بريطانيا معها الى ضرب اهداف في اليمن بسبب تجرؤ أنصار الله للدنو من البوارج الأميركية، وارسلت رسالة الى حلفائها بان أنصار الله ليسوا من الصعوبة مواجهتهم، فيما سترسل الوسطاء بقوة الى أنصار الله واصدقائهم بأن هذه الضربة غير مؤثرة، ويمكن تجاوزها، وأمريكا تعدكم بحل مشكلة غزة وتعويضكم عن كل الخسائر الناتجة عن الضربة. لكن الحقيقة تقول إن امريكا عقدت المشهد بالمنطقة، وبيان القوات المسلحة اليمنية بعد العدوان صريح "إن هذا العدوانَ الغاشمَ لن يثنيَ اليمنَ عن موقفِه الداعمِ والمساندِ لمظلوميةِ الشعبِ الفلسطينيِّ، والقوات المسلحة اليمنية تؤكدُ استمرارَها في منع السُّفُن الإسرائيلية أوِ المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة من المِلاحة في البحرين العربيِّ والأحمر.
2-حزب الله في لبنان أجاب ببيان واضح لن نقبل بأي تفاوض قبل وقف إطلاق النار في غزة كما أدان العدوان الأميركي البريطاني على اليمن.
3-حماس ردت في بيان واضح أيضا "إن إدارة قطاع غزة شأن وطني فلسطيني، ولن نسمح للاحتلال الإسرائيلي وداعميه بالتدخل، أو فرض الوصاية علينا. وأن الفصائل الفلسطينية تؤكد موقفها الوطني الموحد، بأنه لا اتفاق ولا تبادل للأسرى إلا بوقف شامل للعدوان على شعبنا في غزة. فيما ادانت الهجوم على اليمن.
4-إيران اتصلت بالسعودية وأبلغتها بان أي حل للقضية الفلسطينية لابد ان يكون بيد أهلها، ولن نقبل بأي حل يخرج المقاومة من المعادلة، وان إيران جاهزة لكل التوقعات.
هذا التحشيد غير موضوعي بالنسبة لأمريكا وعملائها بالمنطقة، ويغلب عليه الترقيع، فالمقاومة في عز انتصاراتها، ولاتزال صاحبة الكيد العليا وخزينها البشري والعسكري والسياسي في تصاعد، وأن أمريكا ستذهب مرغمة ان تمنح الصين فرصة الدخول لحل الازمة، مع ملاحظة هي ان واحدة من أسباب عدم استخدام الفيتو من قبل الصين وروسيا ضد قرار إدانة الحوثيين لتوريط امريكا بالشرق الأوسط.
في كل الاحوال ان جميع هذه التداعيات تؤكد قرب زوال إسرائيل، وتراجع النفوذ الأميركي وأفوله.