تخرج أصوات سياسية أميركية من الحزب الديمقراطي معارضة لتوجّهات بايدن، في سياق دعم البيت الأبيض غير المحدود لكيان الاحتلال، وهو ما يعكس حجم التباينات الحاصلة في الإدارة الأميركيّة، وهذه التباينات تندرج في الحسابات الانتخابيّة للنواب الديمقراطيين، إذ يشكّل المسلمون شريحة انتخابيّة واسعة ومؤثرة في نتائج الانتخابات. في هذا الصدد، نتساءل عن مظاهر الإدانة وخلفياتها داخل الدولة الليبرالية.
مظاهر إدانة الاحتلال
أحدث مظاهر إدانة الاحتلال في الكونغرس، تمثّلت برفض مجلس النواب الأميركي مشروع قانون تقدّم به الجمهوريون يقضي بتقديم 17.6 مليار دولار للكيان الإسرائيلي. ذلك أنه "صوّت 250 نائباً لصالح مشروع القانون فيما رفضه 180، ولم يتم إقراره نظراً لطرحه بموجب إجراء سريع يتطلب أغلبية الثلثين". وفي هذا الإطار حثّت النائبة روزا ديلاورو، أكبر عضو ديمقراطي في لجنة المخصّصات بمجلس النواب على معارضة مشروع القانون المخصّص لـ"إسرائيل".
وفي سياق دعوات النواب الأميركيين لوقف الدعم العسكري للاحتلال، دعا السيناتور الأميركي بيرني ساندرز الكونغرس إلى رفض مبلغ 10.1 مليار دولار من المساعدات العسكرية غير المشروطة التي يجري النظر فيها لحكومة بنيامين نتانياهو اليمينية لمواصلة حربها ضد الشعب الفلسطيني. وأوضح ساندرز: بأنه "يتعيّن علينا أن ندرك أن الرد العسكري الإسرائيلي كان غير متناسب إلى حد صارخ، وغير أخلاقي، وينتهك القانون الدولي. والأهم من ذلك بالنسبة للأميركيين، أنه يتعيّن علينا أن نفهم أن حرب إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني كانت تُشن بشكل كبير بالقنابل الأميركية، وقذائف المدفعية، وغير ذلك من أشكال الأسلحة، وكانت النتائج كارثية". وفي وقتٍ سابق، صوّت تسعة أعضاء ديمقراطيين في مجلس النواب ضد قرار أعرب عن دعمه للاحتلال الإسرائيلي وأدان هجوم حركة حماس.
خلفيّة مواقف النواب الديمقراطيين في الكونغرس
- خلافات داخلية: في محاولة تفسير التغيرات الحاصلة في مواقف أعضاء الكونغرس من الدعم غير المشروط لكيان الاحتلال إلى المطالبة بالحفاظ على أرواح المدنيين، وانتقاد قصف الجيش الإسرائيلي لمناطق مكتظة بالسكان في غزة، يقول محللون إن السبب الأول يتمثّل في انخفاض دعم الرئيس جو بايدن من المستقلين وبين أعضاء الحزب الديمقراطي ومن الجناح التقدمي في الحزب، أما السبب الثاني فيكمن في وجود خلافات داخل الكونغرس بشأن حجم الدعم المقدم للاحتلال، مقارنةً بأولويات أخرى، إذ يرى مشروعون أنه لا بد من الاهتمام بقضايا دافعي الضرائب أولاً قبل إسرائيل. لكن هذا لا يعني أن الدعم لن يستمر، بل تم تخصيص 17.7 مليار دولار كدفعة مقدمة للكيان لمساندة حربه على غزة.
- حسابات انتخابيّة: يُرجّح أن تعود مواقف النواب الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي لدوافع انتخابيّة، إذ يُقدّر عدد الأميركيين المسلمين حاليًا بـ "3.45 مليون شخص من جميع الأعمار، بما في ذلك 2.15 مليون بالغ".
- قاعدة شعبيّة: يشكّل المسلمون قاعدة شعبيّة كبيرة في معظم الولايات التي يمثّلها النواب الأميركيون المطالبون بوقف إطلاق النار في غزة والذين يدينون جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، ولا يبدو مصادفةً أن عدداً من النواب الديمقراطيين المؤيدين للفلسطينيين ينتمون لأربع من الولايات الأميركيّة تحتوي النسبة الأكبر من المسلمين البلاد.
- انتخاب الحزب الديمقراطي: بشكلٍ خاص، يمنح ثلثا المسلمين الأمريكيين أصواتهم إلى الحزب الديمقراطي أو يميلون إليه (بنسبة 66%)، فيما يقول عدد أقل بكثير إنهم جمهوريون أو يميلون إلى الحزب الجمهوري (بنسبة 13%)، في حين يقول واحد من كل خمسة إنهم يفضّلون حزباً آخر أو أنهم مستقلون سياسياً ولا يميلون نحو أي من الحزبين الرئيسيين.
هناك انقسام واضح داخل الحزب الديمقراطي بشأن دعم الكيان اللامحدود، ظهر هذا الانقسام في الأيام الأولى للحرب، وما زال مستمراً حتى الآن، حيث عبّر الكثير من النواب خلالها عن رفضهم لانتهاكات الاحتلال، واعتبار "إسرائيل" دولة فصل عنصري، كالنائبة رشيدة طليب، وكوري بوش، حتى أن بعض النواب قد عدّلوا مواقفهم من الحرب على وقع جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين، من أمثال السيناتور كريس مورفي. تمثّل هذه المواقف تحوّلاً ملحوظاً داخل الحزب الديمقراطي، على الرغم من خلفياتها التي تتمحور بالدرجة الأولى حول الانتخابات الأميركية والخلافات الداخلية، إلا أنها تصدر من الدولة الراعية للكيان الإسرائيلي على مختلف الأصعدة.
الكاتب: حسين شكرون