يجمع معظم المراقبين الغربيين تقريباً على أن "إسرائيل" فقدت خلال هجومها الهمجي على قطاع غزة، ورقة كان من الممكن أن تستفيد منها لكسب تأييد الرأي العام العالمي، وهي تصوير ما جرى في عملية طوفان الاقصى في 7 اكتوبر على أنه هجوم دموي. لكن الابادة الجماعية المستمرة واستخدام مختلف أساليب التعذيب في ظل حصار مطبق يودي بحياة الاطفال من الجوع، جعل كيان الاحتلال يواجه واقعاً غير مألوفاً سابقاً، يرتكز بجوهره على انكشاف زيف السردية الاسرائيلية وتأييد الرأي العالم العالمي لوقف الحرب نصرة للشعب الفسلطيني وارتفاع في عزلة الكيان بعد ان عرّته أيضاً جنوب افريقيا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.
نشير صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لمدير مكتبها في لندن، ب مارك لاندلر، إلى ما جرى عام 1955، عندما تم تحذير ديفيد بن غوريون، أحد الآباء المؤسسين لإسرائيل، من أن خطته للاستيلاء على قطاع غزة من مصر ستثير رد فعل عنيف في الأمم المتحدة. حينها، سخر بن غوريون من الأمم المتحدة، ووصفها "بالارض القاحلة". كانت هذه العبارة، مثلاً واضحاً على استعداد الكيان لتحدي المنظمات الدولية.
اليوم لم يعد الأمر بهذه البساطة. بعد ما يقرب 70 عاماً، ترى إسرائيل نفسها في مواجهة نوع من الادانة في محكمة العدل الدولية، وعدد كبير من الدول التي باتت تطالب بوقف إطلاق النار.
لقد ترك التصاعد الهائل في الضغط العالمي الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في عزلة عميقة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنها لا تزال تحظى بدعم أقوى حليف لها، الولايات المتحدة، بحسب الصحيفة.
أصبح التفكير بوضوح في الحرب تحديّاً وسط كل هذه الضوضاء: الخطاب عالي النبرة في حرم الجامعات، ومقالات الرأي ووسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن تصاعد معاداة السامية. وتقول صحيفة لوموند الفرنسية في هذا الصدد، انه "على رغم الرعب الذي أحسسنا به في 7 اكتوبر، إلا ان العملية العسكرية الإسرائيلية قلبت الطاولة منذ ذلك الحين، حيث تتركز هذه المشاعر الآن على معاناة المدنيين الفلسطينيين. وبالتالي فإن عزلة إسرائيل تزداد عمقاً.
خلال الأشهر الماضية، بات واضحاً، أن مختلف دول العالم تجتمع على تأييد وقف إطلاق النار -باستثناء الولايات المتحدة-، وهذا يشي بأن الأهداف التي وضعتها إسرائيل لم تتحقق وما المجازر التي ترتكبها إلا دليلاً على نضوب خياراتها وما هي الا افعال انتقامية لا غير.
هذه المرة، تواجه إسرائيل قطيعة مع واشنطن. ويقول مارتن إنديك، السفير الأميركي السابق في إسرائيل أن إدارة بايدن " توزع مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من شأنه أن يحذر الجيش الإسرائيلي من شن هجوم بري في رفح، بالقرب من مصر، حيث يلجأ أكثر من مليون لاجئ فلسطيني. كما سيدعو إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن عملياً. مضيفاً "إنها مشكلة كبيرة للحكومة الإسرائيلية لأنها كانت قادرة في السابق على الاختباء وراء حماية الولايات المتحدة"،. لكن بايدن يشير الآن إلى أن نتنياهو لم يعد بإمكانه اعتبار هذه الحماية أمرا مفروغا منه".
ويشير إنديك إلى ان "هناك سياق أوسع من الإدانة من قبل الرأي العام الدولي، وهو أمر غير مسبوق في اتساعها وعمقها، وانتشر ووصل إلى الولايات المتحدة... لقد أصبحت الدوائر الانتخابية التقدمية والشبابية والعربية الأميركية في الحزب الديمقراطي غاضبة وتنتقد بشدة بايدن لدعمه لإسرائيل".
ولعل العرض الأكثر وضوحاً لعزلة إسرائيل هو محكمة العدل الدولية في لاهاي، حيث يصطف ممثلو 52 دولة الاسبوع القادم لتقديم الحجج في قضية تدرس شرعية "الاحتلال والاستيطان والضم" الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس الشرقية. وكانت جنوب أفريقيا، شبهت معاملة إسرائيل للفلسطينيين ب "شكل متطرف من أشكال الفصل العنصري". ورفعت حكومة جنوب أفريقيا قضية منفصلة في المحكمة تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.