السبت 02 آذار , 2024 12:15

دراما الانزال الجوي: افلاس عربي في خدمة السرديّة الاسرائيلية!

كمَن يمتلك مفاتيح السجن ويصر على القفز من النافذة رغم يقينه بعدم الجدوى، هكذا تعالج مصر والأردن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة. هذا المشهد الدرامي الذي سينضم إليه الرئيس الأميركي جو بايدن، يأتي بالتزامن مع عرقلة دخول مئات الشاحنات من المساعدات في معبري رفح والعريش، ووصول المجاعة إلى مستويات متقدمة. في حين تسقط أغلب المساعدات في البحر أو فوق المستوطنات فيما لا يسد القليل الذي يصل إلى القطاع، حاجة.

نفذت عدة دول من بينها مصر والامارات والأردن انزالاً جويّاً للمساعدات في محاولة لتخفيف حجم المجاعة في القطاع. إلا ان هذه المحاولات اليائسة لم تأت بنتائج مرضية، بل تسببت بمجازر جديدة راح ضحيتها أكثر من 100 شهيد من المدنيين الذين كانوا ينتظرون "الفتات" للبقاء على قيد الحياة لا الشبع.

تعكس رغبة بايدن في اجراء انزال جوي للمساعدات الخلافات المعقدة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وثمة من يقول أنه على ما يبدو ان بايدن قد تخلى عن قدرته في إجبار "إسرائيل" على التراجع عن عملية عسكرية في رفح او ادخال المساعدات عبر الممرات البرية.

منظمة الإغاثة التابعة للجنة الإنقاذ الدولية، قالت بدورها: "ان الإنزال الجوي ليس هو الحل لتخفيف هذه المعاناة، ويصرف الوقت والجهد عن الحلول المثبتة للمساعدة على نطاق... يجب أن يكون التركيز الدبلوماسي كله على ضمان قيام إسرائيل برفع حصارها عن غزة".

وتنقل صحيفة الغارديان البريطانية عن نقاد غربيين قولهم أن هذه "الطريقة مكلفة للغاية وغير خاضعة للرقابة لتوزيع المواد الغذائية في خضم الأزمة، ولكن وصول شاحنات الغذاء كان محدودًا وأقل بكثير من التوقعات والمتطلبات. ولا تزال مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات عالقة على حدود غزة، وغير قادرة على المضي قدماً".

وتشير التحقيقات التي تحدثت عنها منظمات اغاثية وإنسانية في غزة استناداً لتقارير السلطة الفلسطينية، أن "القوات الإسرائيلية قامت بفتح النار على الحشود المجتمعة وراح ضحيتها أكثر من 100 شخص". وفي الوقت الذي يدّعي فيه الجيش الإسرائيلي في روايته "إن معظم الوفيات نتجت عن التدافع حول قافلة المساعدات ودهس الشاحنات لبعض الأشخاص"، اعترف بإطلاق النار ولكن فقط على مجموعة أصغر من الفلسطينيين الذين قالوا إنهم هددوا الجنود الإسرائيليين بعد التدافع المزعوم. في حين تشير الحقائق إلى ان الأغلبية الساحقة التي قضت في المجزرة نتجت عن اطلاق أعيرة نارية إسرائيلية تجاه المدنيين.

وفي ازدواجية فاضحة وسياسات عقيمة، يقول بايدن أنه "بالإضافة إلى توسيع عمليات التسليم عن طريق البر، سنصر على أن تقوم إسرائيل بتسهيل المزيد من الشاحنات ومزيد من الطرق لتزويد المزيد من الناس بالمساعدة التي يحتاجون إليها... لا توجد أعذار، لأن الحقيقة هي أن المساعدات المتدفقة إلى غزة ليست كافية الآن. حياة الأبرياء على المحك وحياة الأطفال على المحك...ولن أقف مكتوفي الأيدي، ولن نتوقف وسنحاول بذل كل ما في وسعنا للحصول على المزيد من المساعدة". كما تجدر الإشارة إلى ان سعي بايدن هذا، لم يوقف وصول مزيد من الأسلحة إلى آلة القتل الإسرائيلية.

وتقول الغارديان البريطانية في تقريرها، ان بايدن "يحاول منذ أشهر دون جدوى إقناع بنيامين نتنياهو بالسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة، لكن الرئيس اختار حتى الآن عدم استخدام بعض النفوذ القوي الذي تتمتع به الولايات المتحدة على إسرائيل، بما في ذلك الاعتماد الإسرائيلي على الأسلحة العادية والكبيرة".

يشي اصرار هذه الدول على ايصال المساعدات بهذه الطريقة بالحاجة العربية الغربية لدعم سرديتهم المفترضة بمساعدة الشعب الفلسطيني ببعض اللقطات لاستغلالها اعلامياً، نتيجة الافلاس السياسي والاخلاقي أمام شعوبهم أولاً. من ناحية أخرى مساعدة كيان الاحتلال في دعم سرديته أمام محكمة العدل الدولية تحديداً بأنه يسمح بدخول المساعدات. 

وقال الوزير الاميركي بريان فينوكين، "إذا تنكرت حكومة الولايات المتحدة لاستخدام أي نفوذ حقيقي لإنهاء الصراع في غزة، فسوف يُترك لها إجراءات يائسة وغير كافية مثل هذه لمحاولة معالجة الكارثة الإنسانية الناتجة على الهوامش".

وكتب روبرت فورد، سفير الولايات المتحدة السابق في الجزائر وسوريا، على موقع X أن الإجبار على تنفيذ عمليات إنزال جوي على غزة كان "أسوأ إذلال من جانب إسرائيل للولايات المتحدة رأيته على الإطلاق".


الكاتب: مريم السبلاني




روزنامة المحور