لا تزال قضية تجنيد الحريديم تتفاعل داخل المجتمع الإسرائيلي، وتلقي بظلالها بإحداث شرخ داخل هذا المجتمع بين الشق العلماني الليبرالي والشق المتدين، كما تعتبر تهديداً جدّياً لاستقرار الحكومة الإسرائيلية بعد فتح الباب على مصراعيه أمام تفاعلات بين مؤيد ومعارض مما ينذر بأزمة داخل حكومة الطوارئ.
الحريديم ونظرتهم للجيش
تعد الحريديم جماعة تشكّل بكل معنى الكلمة عالة على المجتمع الإسرائيلي، يرفضون التجنيد في الجيش إذ يعتبرونه من الأعمال الدنيوية التي تلهيهم عن دراسة الشريعة اليهودية، ولا يقتصر الأمر على الجيش، بل لا يلتحقون بأي وظيفة في المؤسسات غير الدينية، ويأمّنون قوت عيشهم من خلال الدعم الذي يحظون به من الحكومة، كما تعتبرون من أعلى الفئات تكاثراً، إذ يصل معدل ولادة المرأة الحريدية بين 7 و8 أطفال، وهم جماعة غير مندمجة في الإطار التعليمي الأكاديمي، بل تكتفي بالمناهج الدينية لذلك هي غير متعلمة، وغير مثقفة، وغير منتجة، ومستهلكة، ولا تساهم في الاقتصاد الإسرائيلي، بل تشكّل عبئاً عليه، وهي اليوم إحدى أكبر المعضلات التي ظهرت خلال الحرب الدائرة في قطاع غزة، ويظهر حجم السخط على قرار تجنيدهم في الاحتجاجات الشعبية وفي خطاب حاخاماتها، حيث أن الحاخام دوف لانداو نصح طلاب المدارس الدينية بعدم حضور الجنازات العسكرية أو حتى القيام بزيارات المستشفى للجنود الجرحى، وقال "دعهم يموتون في سلام، ماذا يهم؟". أما الحاخام يسرائيل بونيم شرايبر يقول إن جنود الجيش الإسرائيلي هم مثل "رجال القمامة"، و"لا يهمنا من قتلوا، ليس لديهم أي صلة بنا، فهم ليسوا إخواننا".
قضية تضغط على نتنياهو وتهدد الحكومة
مع الخسائر البشرية الكبيرة لـ"إسرائيل" في قطاع غزة، دعا وزير الدفاع يوآف غالانت نهاية الشهر الماضي إلى سن قانون جديد يلغي إعفاءات التجنيد والخدمة العسكرية التي يحظى بها اليهود المتشددون (الحريديم). وتشكّل القضية حالة ضاغطة على نتنياهو، من جهة سيخسر ولاء ما يشكّل 13% من المجتمع اليهودي، ومن جهة أخرى تهدد تماسك حكومته التي بدأت التصدعات تعصف بها من كل الاتجاهات، في هذا الصدد، قد يساوم نتنياهو على المسألة بحال تنازلهم واستمرارهم بالولاء للائتلاف الحاكم كضمان لمستقبله السياسي المجهول.
انسحبت القضية إلى مستوى بقاء الحكومة لأن كافة الأحزاب تمترست وتشددت بشكل لا يبدو أنه هناك مخرج لهذه الأزمة. ففي حين تعارض الأحزاب الدينية المساس بمبدأ إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية، يطالب وزراء بينهم عضو مجلس الحرب بيني غانتس ووزير الدفاع يوآف غالانت وزعيم المعارضة يائير لبيد بوضع حد لهذا الإعفاء. وفي هذا السياق أصدر وزير الاتصالات، شلومو كرعي (الليكود)، بيانًا خاطب فيه الحريديين، وطالبهم بعدم الاستجابة لما اعتبره "محاولات غانتس وغالانت لافتعال مشكلة وإسقاط الحكومة"، واتهم الجيش بـ"الكسل والإهمال". وقال كرعي إن "غانتس ورديفه/ نائبه غالانت مهتمان بإسقاط الحكومة أكثر مما هما مهتمان باحتياجات الحرب"، واعتبر أن المحكمة العليا والمستشارة القضائية وغانتس وغالانت "يتحدون معًا لإسقاط الحكومة، بدعم من وسائل الإعلام"، وحذّر الحريديين من "الوقوع في شرك الأكاذيب الذي ينصبه غانتس ونائبه غالانت".
وعلى إثر عدم التوصّل إلى اتفاق تم إلغاء جلسة الحكومة بشأن قانون التجنيد. جاء قرار إلغاء الجلسة في ظل فشل الليكود في التوصل إلى نص مقبول على الأحزاب الحريدية في ائتلاف بنيامين نتنياهو. يتعين على الحكومة تقديم موقفها من تجنيد الحريديين حتى نهاية الأسبوع الحالي، وإلا فإن عليها فرض التجنيد الإلزامي على الشبان الحريديين بدءاً من يوم الإثنين، الأول من نيسان/ أبريل المقبل. علماً بأنه لم يتم تحديد موعد جلسة جديدة للحكومة، لاتخاذ قرار بهذا الشأن.
لم تنتهِ إذن القضية المثارة منذ بداية الشهر الجاري، وليس من المبالغة القول إن القضية تشكّل بذرة انقسامات بين أطياف المجتمع الإسرائيلي، لها تأثيرها على المستوى الاجتماعي والسياسي وحتى الاقتصادي، ومعالجتها في زمن السلم سهلاً بالمقارنة مع زمن الحرب في ظل كل هذا الجدل وردود الأفعال حولها وعلى وقع الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي، واحتياجاته العددية في حرب غزة والجبهة الشمالية.
الكاتب: غرفة التحرير