بالرغم من الممانعة الظاهرية التي يبديها الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) لإعادة توطين الفلسطينيين في مصر، إلا أن ما تم تسريبه من الجانب الأميركي عن تعاون أمني مصري - إسرائيلي حول قطاع غزة يجعل جميع إعلانات النوايا الصادرة منه محل تشكيك، هذا فضلًا عن السلوك العملي للنظام المصري على المستويين السياسي والأمني تجاه قطاع غزة والذي اتسم بالعدوانية والخنق بعد تولي السيسي مقاليد الحكم، وكانت ذروة المواقف السياسية المتمادية في الامتثال للأجندة الأميركية هو التصريح العلني للرئيس السيسي إبان زيارته البيت الأبيض أنه سيكون "داعم بكل قوة لصفقة القرن".
بالرغم من تحذيرات (السيسي) المتكررة لـ "إسرائيل" من عواقب اقتحام رفح أو خرق معاهدات ممر "فيلاديلفيا/صلاح الدين" وملاحق معاهدة "كامب ديفيد" والتهديد بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي، إلا أنه على المستوى العملي فإن إسرائيل تتواجد على بُعد أمتار من معبر رفح وداخل المنطقة (ج) المحظور عليها التواجد بها عسكريًّا وتحتل ممر "فيلاديلفيا/صلاح الدين" بقوات عسكرية ثابتة، بما يعد خرقًا صريحًا للاتفاقات (المصرية - الإسرائيلية). الجدير بالذكر، أن هذه تحركات من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي جاءت بعد أيام قليلة من لقاء ضم رئيس أركان الجيش المصري ونظيره الإسرائيلي.
وفيما تمتد صفوف شاحنات المساعدات على الجانب المصري من معبر رفح منتظرة الإذن بالمرور، فإن النظام المصري فضّل أن يشارك في إنزال المساعدات جوًّا على القطاع المحاصر، في سلوك متناقض مع المنطق؛ حيث أن كلًّا من إدخال الشاحنات والإنزال الجوي محتاجان إلى إذن "إسرائيل" حسب ادعاء النظام المصري.
يمثل الأداء الاقتصادي الضعيف أكبر تهديد لاستقرار مصر، وذلك وفقًا لتقييم أَجرتهُ مجموعة الأزمات الدولية (ICG) في عام 2017، حيث تبلغ نسبة البطالة 31.3% بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما وفقاً لمنظمة العمل الدولية.
ويعاني السوق المصري من تضخم وصل إلى 36% هذا الشهر، ونتجت حالة الهشاشة الاقتصادية في مصر من شحّ في مصادر توريد العملة الأجنبية خلال العام الأخير، حيث:
- انخفضت قيمة الصادرات بما يقرب من 20% على أساس سنوي إلى 8.3 مليار دولار.
- تراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج بمعدل 29.9%، لتقتصر على نحو 4.5 مليار دولار، خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من يوليو وحتى سبتمبر 2023، مقابل نحو 6.4 مليار دولار في ذات الشهور من 2022. (بحسب بيانات البنك المركزي المصري)
- تراجع الصادرات البترولية بأكثر من النصف خلال الربع إلى 1.6 مليار دولار "كمحصلة لانخفاض صادرات الغاز الطبيعي والمنتجات البترولية… لانخفاض الكميات المصدرة والأسعار العالمية". وإن كان في الوقت نفسه، ارتفعت الصادرات غير البترولية بدرجة طفيفة إلى 6.7 مليار دولار من 6.3 مليار دولار في العام السابق.
- تسببت الاضطرابات في البحر الأحمر في تراجع حركة سفن الشحن بقناة السويس بنسبة 29% على أساس سنوي خلال الأسبوع المنتهي يوم الأحد 07 يناير 2024، وفقا لبيانات التتبع لمنصة "بورت ووتش" التابعة لصندوق النقد الدولي.
- انخفض نشاط قطاع السياحة في مصر بنحو 10% منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة بسبب أن معظم البرامج السياحية في مصر كانت تتضمن جولات في مدن جنوب سيناء التي تصنف عالية المخاطر في الوقت الحالي.
- وفي نفس الوقت، عانى قطاع الطاقة من انخفاض كميات واردات الغاز الطبيعي من إسرائيل وارتفاع أسعار النفط المحلية في أوائل نوفمبر. ومن شأن زيادة الاستثمار الحكومي أن يساعد هذه القطاعات على التعافي في المدى الطويل، ولكنه سيجعل الاقتصاد المصري أكثر عرضة للصدمات الخارجية المستقبلية في حالة اندلاع صراعات أخرى في المنطقة.
وبشكل عام وحسب تقييم وكالة التصنيف الائتماني (ستاندرد آند بورز غلوبال) قالت: "تشير أدلة المسح إلى أن ضعف الجنيه والنقص المستمر في الإمدادات لعبا دورًا رئيسيًا في الانكماش، حيث واجهت الشركات بالتالي تضخمًا سريعًا في تكاليف المدخلات وتراجعًا في إنفاق العملاء"، ولنفس الأسباب خفض البنك الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي في مصر خلال العام المالي الحالي جراء المشكلات الاقتصادية الحالية في البلاد، وفقا للبيانات الواردة في تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية يتوقع البنك أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 3.5% في العام المالي 2024/2023.
يتوقع أن يستمر النظام المصري في دعم التوجهات الأميركية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن والتغلب على أي ممانعة شعبية داخلية من خلال توظيف الأزمات الاقتصادية باستخدام "عقيدة الصدمة". وبعد عملية طوفان الأقصى صرّح جيك سوليفان مستشار الامن القومي الأميركي، أنه بصدد تنسيق "ممرات آمنة للخروج من غزة لسيناء مقابل التهدئة والدعم المالي"، وهذا التصريح يختصر نظرة الولايات المتحدة لحليفها، في أن المقابل المالي المطلوب لإنجاز الصفقة مطروح على الطاولة وبشكل علني.