بعد عملية طوفان الأقصى، تبيّن أنّ سياسة إسرائيل بالاعتماد على "جيش صغير وذكي" خاطئة، مع ظهور حاجة عملانية إلى زيادة عديد الجيش الإسرائيلي، ليُصبح كبيراً، مع ما يستدعيه ذلك من كلفة مالية مرتفعة، تُضاف إلى المشاكل الصعبة التي تواجه عناصر الاحتياط، من النواحي الاجتماعية والاقتصادية. في هذا الإطار، صادقت الحكومة الإسرائيلية أمس على استدعاء 50 ألف جندي احتياط إضافي بما يرفع عدد جنود الاحتياط إلى 350 ألفا.
مؤخراً، وجّه العشرات من كبار الاقتصاديّين الإسرائيليّين، تحذيراً شديد اللّهجة ضدّ سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تعرِّض وجودها للخطر، لجهة إغفال مشكلة الخدمة في الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، والتي تؤدّي إلى زيادة العبء على الفئة المُنتجة من المجتمع الإسرائيلي.
أزمة الاحتياط والعبء الاقتصادي
نشر 130 من كبار الاقتصاديّين الإسرائيليّين، من بينهم مسؤولين كبار سابقين في وزارة المالية وبنك إسرائيل، رسالة لاذعة تتضمّن تحذيراً شديد اللّهجة ضدّ سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تقود إسرائيل نحو الهاوية، وتُعرِّض وجودها للخطر، لجهة إغفال مشكلة الخدمة في الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، والتي تؤدّي إلى زيادة العبء على الفئة المُنتجة من المجتمع، في ظلّ استمرار تخصيص ميزانيات للمؤسّسات التعليمية الحريدية، التي يتواصل إعفاء طلابها من التجنيد.
وورد في الرسالة أنّ تحميل العبء الاقتصادي والأمني على فئة من المجتمع الإسرائيلي، وإعفاء جزء آخر من تحمُّل هذا العبء، قد يؤدّي إلى أنّ العديد من الذين يتحمّلون العبء الاقتصادي والأمني سيفضّلون الهجرة من إسرائيل، وسيكون الأشخاص الأكثر تعليماً ومهارة أوّل من يغادر. الأمر الذي سيؤدّي إلى حلقة مفرغة سلبية من الهجرة وتفاقم المشكلة، بحيث تدخل إسرائيل في مسار لا رجعة فيه من الإنهيار الوطني، وفقاً للموقِّعين على الرسالة.
العبء الاجتماعي لجنود الاحتياط
يشكّل الاحتياط عبءً على فئة من المجتمع، دون الآخرين، حيث أفادت تقارير أنّ الأزمة التي يعيشها جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، تفاقمت في الأيام الماضية، بعد أن تلقّى عدد منهم للمرّة الثانية خلال أقلّ من عام، أمر استدعاء لخدمة احتياط لمدّة 3 أشهر ستُضاف إلى نحو 4 أشهر ونصف أمضوها في الاحتياط منذ بداية الحرب، على أن يكون الالتحاق بالخدمة خلال أسبوع واحد فقط. الأمر الذي فاقم، المشكلة التي واجهت زوجات وعائلات الذين يخدمون في الاحتياط، من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، في ظلّ غياب أزواجهن عن البيت والعمل لمدة طويلة.
ولفتت التقارير إلى أنّ جنود الاحتياط يواجهون مشكلة أرباب العمل، الذين وإن كان القانون يمنعهم نظرياً عن طرد المجنَّدين، إلا أنّهم واقعاً "يفكّرون مرّتين" قبل توظيف شخص يغيب لفترات طويلة، بحيث يوجد الآن في إسرائيل "ظواهر لجنود الاحتياط فقدوا مكانتهم أو فقدوا التقدُّم المهني، أو حتى تمّ طردهم في أوّل فرصة". كما أنّ أصحاب المهن المستقلّة من الاحتياط يواجهون مشكلة في إعادة تأهيل أعمالهم بعد توقفها.
الخدمة "المريحة"
وفي مشهد معاكس، أشارت عدة تقارير إسرائيلية منها في صحيفة كالكاليست إلى أنّه يوجد "نوع آخر" من الخدمة الاحتياطية في الجيش الإسرائيلي، إذ يخدم كثيرون من عناصر الاحتياط خدمة "مريحة"، فهي غير متواصلة، وتكون لأيام قليلة في الأسبوع، أو يكون مطلوب من الجندي فيها فقط أن يكون متوفراً على الهاتف، بشكل يسمح لهم بكسب لقمة العيش كالمعتاد، في موازاة الحصول على استحقاقات أيام الاحتياط، مع راتب كامل.
وكشفت التقارير أنّه يوجد حالات أدّت إلى ظهور نوع من "سوق تجارة" لأيام الاحتياط، بحيث "يُمكِن إيجاد بيانات لا سابقة لها، في شبكات التواصل الاجتماعي، لقادة يبحثون عن وظائف مختلفة مقابل راتب جيّد. والراتب، في هذه الحالة، هو في أيام الاحتياط (التي تدفع الحكومة بدلها)". وأضافت التقارير أنّه على سبيل المثال، يوجد مجموعة على فيسبوك، تُدعى "مطلوبين مطلوبات للاحتياط"، لديها نحو 37 ألف صديق؛ ومجموعة تلغرام اسمها "مطلوبين- للاحتياط" مع أكثر من 23 ألف صديق، كما يوجد الكثير من المجموعات المشابهة على واتساب.
حافزية منخفضة
أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت، أنّ أزمة القوّة البشرية في الجيش الإسرائيلي تتفاقم بشكل كبير، بعد أن تبيّن وفقاً لمسح أجرته شعبة القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي، أنّه يوجد انخفاض كبير في استعداد الضبّاط الدائمين للبقاء في الجيش، حيث ردّ فقط 42% منهم بالإيجاب على سؤال ما إذا كانوا يريدون مواصلة الخدمة، بعد أن كانت النسبة تبلغ في شهر آب الماضي، نحو 49%. وبحسب التقارير، أصابت هذه النسبة قيادة الجيش الإسرائيلي بالذهول. وفي معطيات إضافية، تبيّن من الاستطلاع أنّ نحو 30% فقط من ضبّاط الجيش الإسرائيلي راضون عن رواتبهم.
وفي تحليل لهذه المعطيات، تبيّن من الاستطلاع أنّ من بين الأسباب التي تدفع هؤلاء الضبّاط إلى إعادة حساب مسارهم: الحرب الطويلة المُنهكة؛ تضرّر الحياة الأسرية؛ التعويض غير المناسب في ضوء ساعات عمل الطويلة؛ ضغط ومسؤولية تنطوي عليها بعض الوظائف.
وإضافة إلى ذلك، أشار ضابط كبير مطّلع على هذه البيانات، إلى أنّه يوجد سبب آخر لم يجد تعبيره في الاستطلاع، هو شعور الضبّاط الدائمون بالمسؤولية عن العواقب القاسية للحرب، فالشعور بالفشل يطارد الضبّاط الذين لا يريدون الخدمة في منظمة فاشلة.
الكاتب: غرفة التحرير