السبت 08 حزيران , 2024 12:38

النكوص النرجسي..المجتمع الإسرائيلي يعيش أسوأ حالاته النفسية

الجمهور الإسرائيلي يتعرض لصدمات

يعاني المجتمع الصهيوني من النكوص، والنكوص Regression مفهوم بسيكولوجي، يعني ارتداد النشاط النفسيّ إلى مرحلة سابقة من مراحل التطوّر، أي العودة إلى فترة ماضية من مراحل التكوين النفسي لدى الإنسان، بما تحتويه هذه المرحلة من تفكيرٍ وسلوكٍ وتعاملٍ مع الآخرين. وفي التعريف العلمي هو إحدى الحيل الدفاعية التي يلجأ إليها الفرد، عند التعرّض لمشكلة أو ضغوط تؤثّر في مسار حياته، بطريقة تولّد الإحباط والقلق في داخله، فيتغيّر سلوكه ويتراجع نحو الماضي، إلى حيث تكوّنت ملامحه الشخصية الأولى، فيعود لسمات تلك المرحلة.

ومنذ أحداث 7أكتوبر، التي شكّلت صدمة نفسية وعسكرية وأمنية للكيان الإسرائيلي، بدأ نكوص الشخصية الإسرائيلية يتمظهر من خلال كلام بعض السياسيين والصحافيين والعسكريين، الذين استحضروا "اللاوعي العسكري والقتالي" الذي ذكّرهم بأمجادهم العسكرية في العام 1967، وذكّرهم بهزيمة ثلاثة جيوشٍ وثلاث دولٍ عربية كانت تشكّل صفوة الدول.

فما باله يقف عاجزاً وذليلاً ومحمّلاً بالخيبات والتهم، أمام جبروت قطاع غزة؟ هل هذه الشخصية الإسرائيلية التي أفرزها 7 اكتوبر هي نفسها الشخصية الإسرائيلية منذ نشوء الكيان؟

أمام هذا الماضي، لا يملك الاحتلال إلّا استعادة أمجاده، التي تحيي بداخله النشوة والغرور كحيلة دفاعية أمام ضغوط تتسبّب بإحباطه وقهرِهِ، لكنه في ظاهره يعيش أسوأ حالاته النفسية والقتالية والوجودية. في هذه الحالة يصبح النكوص حاجّة وليس خياراً!

الحاجة إلى النكوص نحو البدايات

بعد7 أكتوبر، يفكّر الفرد الإسرائيلي كل يوم وكل ساعة، بأنه لم يستطع لغاية اليوم أن يحقق إنجازاً يتباهى بعد -كما اعتاد- فهو بعد انقضاء 8شهور على حربٍ يشنّها على قطاع غزة، الضعيف والمحاصر، لم يستطع تحرير أسراه، ولا أن يقضي على المقاومة، ولم يستطع إيقاف إطلاق الصواريخ على مستوطناته. إن العيش مع أفكار مؤلمة من هذا النوع، تدفع الإنسان للبحث عن حيلة دفاعية لا شعورية، يواجه بها أزماته.  لذلك عمل الكيان الإسرائيلي في الفترة الأخيرة على:

- استعادة سردية الإبادة التي تعرض لها في أوروبا وغيرها.

- استعاد تاريخ المظلومية المزعوم، منذ السبي البابلي وحتى 7أكتوبر!

- تكرار الحديث عماّ يسميه "معاداة السامية"، واتخاذها ذريعة جاهزة للنيل من خصومه.

- البديل التدميري كمحاولة تعويضية، عبر قتل المدنيين والأطفال وحرق المساكن وتجويع الفلسطينيين، وكل هذه أفعال عنيفة ودموية، تولّد النشوة بداخله، لكنها لا تعوّض الإحساس بالفشل والعجز امام ما يحصل له منذ 8شهور.

ما الحل إذن؟

الحل هو الانغماس في أوهام اليقظة والتخّيل بأنه يعيش في ماضيه، عساه يتخلّص من القلق والضغوط، لأن النكوص يفرض العودة لفترة سابقة، كان لها تأثير إيجابي في مسيرته، أو حقّق خلالها إنجازات معيّنة تشبع وتحقق أهدافه.

يعاني المجتمع الإسرائيلي من تبعات هذه الحرب التي أرادها بهذا المستوى، من حيث خسائر الجنود، وتشرّد السكّان بعد إخلاء القرى، والإقامة في الفنادق، والتراجع الاقتصادي، والاضطرابات النفسية المستشرية، بما يُشعره أن الفلسطيني أو المقاوم بات اليوم يشكّل تهديداً خطيراً وحقيقياً له ولوجوده. وهذا ما استدعى البحث حول "المناعة القومية الإسرائيلية" بعد انقضاء سبعة أشهر من الحرب.

التعرّض للانكشاف

كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، (الخميس6 حزيران) أنّ "كابينت الحرب" يخشى حرباً شاملةً مع حزب الله، على خلاف ما وصفته بـ"هراء النصر المطلق". في إشارة إلى مزاعم بعض المسؤولين الإسرائيليين حول شنّ هجومٍ كبير ضدّ لبنان. يعاني الإسرائيلي اليوم مما يسمّيه "التعرّض للانكشاف"، والمقصود به، التعرّي الأخلاقي والإنساني والسياسي أمام المجتمع الدولي والمحافل القانونية والجامعات العالمية ومراكز الثقل الشبابي، هذا الانكشاف أدّى إلى:

- تسلل مشاعر الدونية إلى الوعي الإسرائيلي الجمعي.

- كشف الغطاء عن وهم المظلومية الإسرائيلية الكاذبة.

- فضح التضليل الذي كانت إسرائيل تمارسه منذ 75 عاما.

- تعرية الكيان الصهيوني من مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وقواعد الحرب.

ما زاد في تعميق الأزمة النفسية الإسرائيلية، أن الصفعة المميتة جاءت من أضعف طرف في محور المقاومة، فالخصم ليس دولة ولا جيشاً نظامياً، بل هو أضعف طرف في محور المقاومة، وهو الطرف الفلسطيني داخل غزة الذي يعاني من حصار 15 عاما، وبالكاد يملك مقومات الحياة واستمراريتها. وهذا ما سبّب شعوراً مضاعفاً بالمذلة والعار والجبن.





روزنامة المحور