الإثنين 09 كانون الثاني , 1978

انتفاضة أهالي قم

في الـ 9 من كانون الثاني / يناير من العام 1978 (الموافق لـ 19 دي من العام الهجري الشمسي 1356)، اندلعت انتفاضة في مدينة قم المقدسة، والتي يصفها قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي بالحدث التاريخي والمفصلي الذي يجب تكرار احيائه في كل عام، لأنها كانت حادثاً تغييرياً كبيراً، أدّى الى بداية جهاد عظيم، هدفه إخراج إيران من هيمنة الغرب، وإعادة إحياء الهوية التاريخية لإيران والإسلام.

فبعد مرور يومين على نشر مقال مسيء للإمام روح الله الموسوي الخميني (رض) في صحيفة اطلاعات الحكومية التابعة للشاه بهلوي، تحت عنوان: "إيران والاستعمار الأحمر والأسود". انتفض ابناء مدينة قم المقدسة في ذلك اليوم، وعطّلت الدروس الحوزوية، ونظّم اجتماع في منزل المرجع الشيخ نوري همداني الذي القى خطابا ناريا امام المجتمعين ومن ثم بدأت من بعدها المظاهرات. حيث انضم اهالي قم الى المتظاهرين واحتشد الناس في المدرسة الحجتية. عندها قامت القوى الأمنية التابعة للشاه بإطلاق النار على المتظاهرين، مما أدى الى استشهاد أحد الطلاب الحوزويين.

وقد قام المتظاهرون خلال تلك الاحتجاجات بإحراق مكتب صحيفة اطلاعات ومكتب حزب "رستاخيز" (الحزب الذي أسسه وترأسه الشاه بنفسه). واستخدمت قوات شرطة الشاه الهراوات لقمع المتظاهرين، ثم قامت بإطلاق النار في الهواء ومن ثم على المتظاهرين (تراوح عدد الشهداء ما بين 300 الى 500، بينما وصل عدد الجرحى الى حوالي 140).

وقد أصدر الامام الخميني يومها بيانا وصف فيه ما حصل بـ "المصيبة الكبيرة"، معتبراً قيام النظام الشاهنشاهي انتفاضة 9 يناير هو مؤشر على قرب انتصار الثورة الاسلامية وعجز نظام الشاه. وطلب الإمام الراحل من النشطاء السياسيين الإيرانيين، التوقف عن طرح المطالبة بلزوم تطبيق الدستور في البلاد لأن ذلك يعني حفظ النظام الملكي، في الوقت الذي تنشأ كل المشاكل من وجود هذا النظام، مؤكداً بأن الطريق الوحيد المتبقي، هو سقوط هذا النظام.

ومن عوامل تسارع الثورة الإسلامية بعد هذه الانتفاضة، ما جرى على إثرها من إحياءات ومظاهرات متتالية. حيث أقيم حفل أربعين شهداء انتفاضة قم في مدينة تبريز (الذي ارتقى خلاله شهداء أيضاً)، ومن ثم أقيم حفل أربعين شهداء حادثة تبريز في مدن يزد والعاصمة طهران ومشهد المقدّسة وأصفهان وشيراز. ومن شأن الاحتفال بذكرى الأربعين لكل حدث أن يتسبب في استشهاد عدد آخر، ويمهد الطريق لأحداث جديدة في الذكرى الأربعين المقبلة. وبعد عام وشهر، سقطت المملكة البهلوية وانتصرت الثورة الإسلامية.

مفارقة أمريكية

من أبرز المفارقات حصول انتفاضة قم بعد 8 أيام فقط من زيارة الرئيس الاميركي جيمي كارتر برفقة وزير خارجيته سايروس فانس ومستشار الامن القومي الاميركي زيبغينيو بريجينسكي الى طهران، والتي استقبله المسؤولون في النظام البهلوي خلالها بحفاوة بالغة.

يومها قال كارتر خلال لقائه مع محمد بهلوي: "من الجيد جيدا ان نمضي اوقاتنا في بداية العام الجديد مع اناس نشعر بثقة عميقة تجاههم ونشعر بمسؤولية مشتركة تجاه الوقت الراهن والمستقبل ... ايران وبسبب القيادة الحكيمة للشاهنشاه، هي جزيرة استقرار في احدى المناطق الأكثر اضطرابا في العالم وهذا مدين لكم ايها الشاه ، ونتيجة لقيادتكم وكذلك مدين للاحترام والتقدير والمودة التي يكنها شعبكم لكم ، لا نعرف بلدا آخر في العالم هو قريب منا هكذا ويمكننا التخطيط معا لأمننا العسكري المتبادل والتشاور الوثيق حول القضايا الاقليمية، ولا يوجد قائد آخر اكن له مثل هذا الشعور العميق بالشكر والمودة الشخصية". فكان كلّ ما جاء في كلمة كارتر قد كذّبته انتفاضة أهالي قم بعد أيام فقط.



روزنامة المحور