الأربعاء 03 تموز , 2024 03:53

حكومة آل نتنياهو العميقة.. مؤسسة ضخمة موازية للدولة

بن صهيون نتنياهو ورئيس الحكومة نتنياهو

قد يعتبر بعض الباحثين في شخصية رئيس حكومة الكيان المؤقت الحالي بنيامين نتنياهو أن العنوان مبالغ فيه، إلا أنهم بعد قراءة هذا التنقيب عن هذه الشخصية المثيرة للجدل، سيرون أن إطلاق عبارة "حكومة آل نتنياهو العميقة" هو أبسط ما يمكن وصفه للمملكة التي زرعها نتنياهو وعرابوه وداعموه طيلة ثلاث عقود من الزمن، حتى أصبح أطول حاكم للكيان المؤقت في تاريخه.

لقد أنتج بحثنا في عشرات المصادر العبرية والإنكليزية والفرنسية، صورة تكاد تكون كاملة عن ظاهرة نتنياهو (يمكنكم تحميل الدراسة بشكل كامل أسفل المقال أدناه) وتبين لنا أن هذا الرجل السبعيني الذي توحي سياساته ومراوغاته بأنه غير قابل للهزيمة، هو نتاج فريق ضخم من الداعمين والعاملين على إبراز هذه الظاهرة والعمل على انتاجها بكل الوسائل السياسية والإعلامية والمالية الممكنة. وان بنيامين نتنياهو هو خلاصة مؤسسة ضخمة موازية للدولة بناها بنفسه وبمساعدة العرابين والداعمين منذ العام 1978 عندما قرر اللوبي اليهودي الأمريكي الأكبر الآيباك تبنيه توفير ما يلزم له من الدعم السياسي والمالي ليصبح آخر "ملوك إسرائيل".

بداية لا بد من التنويه بأن شخصية نتنياهو والظروف المحيطة بها على الدوام، كانت من أصول ظاهرته التي يبدو أنها بنيت بإحكام من والده المؤرخ "بن صهيون نتنياهو" الذي عاش طويلاً (102 عام)، وبقي حتى آخر لحظات عمره متمعناً بأفكاره الشيطانية المتطرفة.

من هو بن صهيون نتنياهو المبتدع الأول لظاهرة بنيامين نتنياهو؟

 بن صهيون نتنياهو: (1910-2012)

هو والد بنيامين، وجوناثان، وعيدو نتنياهو، مؤرخٌ صهيوني متخصصٌ في تاريخ اليهود في العصر الذهبي لإسبانيا، ولد في وارسو، بولندا، وهاجر إلى فلسطين عام 1920، كان ناشطًا في الحركة الصهيونية التحريفية، وعمل كسكرتير شخصيٍّ لزعيم الحركة زئيف جابوتنسكي، وشغل منصب أستاذ التاريخ في جامعة كورنيل.

تأثيره على بنيامين نتنياهو:

- غرس فيه أفكارًا يمينيةً مُتشددةً ورؤيةً للعالم تُركز على "الخطر العربي" و "الإرهاب الإسلامي".

- اختار ابنه بنيامين كممثل للعائلة في المجال السياسي بعدما أشرف بنفسه على إعداده وتلقينه ما يلزم من أفكاره وأفكار جابوتنسكي، مستفيداً من وجوده في الولايات المتحدة كأستاذ للتاريخ في جامعة كورنيل الامريكية ليفتح أمام ابنه الأبواب في اللوبيات الصهيونية الامريكية وفي مؤسسات صنع القرار في واشنطن.

- ساهم في توجيه بنيامين نحو السياسة ودعم طموحه السياسي وكان صاحب فكرة تأسيس معهد جوناثان لأبحاث الارهاب في القدس المحتلة، ونقله لاحقاً إلى نيويورك ليكون بطاقة ابنه بنيامين للدخول إلى دوائر النخبة العليا اليهودية الامريكية.

- كان له تأثيرٌ مُهمٌ في تشكيل رؤية بنيامين للعلاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية.

عاش بن صهيون طويلاً ليواكب ترقي ابنه في سلك الدولة من مساعد سفير إلى رئيس للحكومة، وكان على الدوام ملهم بنيامين نتنياهو وعرابه في توطيد علاقاته بأباطرة المال اليهود في الولايات المتحدة وفرنسا، الذين أغدقوا المال ووظفوا علاقاتهم ونفوذهم لصالح نتنياهو الابن. هنا لا بد من التعليق على أن عدة عناصر متزامنة أثرت في بناء نتنياهو الحاضر إضافة إلى والده، ويمكن اعتبارها مفاتيح أولية لتفكيك أبعاد شخصيته.

جرى إعداد بنيامين نتنياهو مُبكراً لدور سياسيٍّ كبير، فقد غُرست فيه أفكارٌ يمينية صهيونية متطرفة، وسُلطت عليه الأضواء، ودُعم من قِبل جهاتٍ نافذةٍ لضمان وصوله إلى السلطة وتنفيذ أجندةٍ مُحددةٍ. وسهل ذلك كون نتنياهو شخصًا طموحًا استغل الظروف والفرص المُتاحة له لتحقيق أهدافه السياسية، فقد استفاد من إرث عائلته ودعم اللوبي الصهيوني وقدرته على التلاعب والمناورة للصعود إلى القمة والبقاء فيها. وهنا لا بد من التفصيل أكثر في دور معهد جوناثان في صعود نتنياهو وكيف استخدم نتنياهو المعهد كأداة "وصولية" إلى النخب اليهودية والامريكية.

معهد جوناثان نتنياهو

عام 1978 أسس بنيامين نتنياهو بنصيحة من والده معهد جوناثان (يحمل اسم أخيه الذي قتل في عملية عنتيبة)، وهو مركز دراسات للبحث في أصول الإرهاب وتطوير الاستراتيجيات لمكافحته.

يُمكن القول إن معهد جوناثان لعب دورًا "وصوليًا" في مسيرة نتنياهو السياسية. وقد استخدمه بذكاء لـ:

بناء شبكة علاقات قوية مع اللوبي اليهودي الأمريكي وصناع القرار في الولايات المتحدة:

- استقطب المعهد شخصيات نافذة في السياسة والإعلام والأوساط الأكاديمية الأمريكية، مما سمح لنتنياهو ببناء شبكة علاقات قوية مع صناع القرار والمؤثرين في الرأي العام.

- من خلال المؤتمرات والندوات التي نظمها المعهد، التقى نتنياهو بشخصياتٍ مهمةٍ مثل جورج بوش الأب، وجورج شولتز، وهنري جاكسون، وغيرهم من السياسيين والمسؤولين الأمريكيين.

ترويج نفسه كخبيرٍ في مكافحة الإرهاب:

- ركز المعهد على موضوع الإرهاب الدولي، وساهم في بروز نتنياهو كخبيرٍ في هذا المجال، مما عزز مكانته ومصداقيته في الأوساط الأمريكية.

- ألّف نتنياهو كتابًا بعنوان "الإرهاب: كيف يُمكن للغرب أن ينتصر"، الذي لقي رواجًا في الولايات المتحدة وأصبح مرجعًا لدى بعض صناع القرار.

نشر أفكاره ورؤيته للعالم:

- استغل نتنياهو منصة المعهد لنشر أفكاره اليمينية المُتشددة ورؤيته للصراع مع العرب، وربط الإرهاب بالإسلام، مما ساهم في صياغة السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.

- دعا المعهد إلى التصدي لإيران وفرض عقوباتٍ عليها، وتبني موقفٍ أكثر تشددًا تجاه الفلسطينيين، والتعاون مع الدول العربية المُعتدلة.

الحصول على تمويلٍ مُستدام لنشاطه السياسي:

- حصل المعهد على تمويلٍ من مانحين أثرياء في الولايات المتحدة، مما وفر لنتنياهو موارد مالية مُستدامة لنشاطه السياسي وبناء قاعدته الشعبية.

تشير كل هذه المؤشرات إلى أن نتنياهو بنى خلال فترة حكمه الطويلة شبكة نفوذ واسعة ومتشابكة، وأن هذه الشبكة أثرت بشكل ملحوظ على صناعة القرار وعمل المؤسسات في الكيان. وعلى الرغم من أنه من الصعب الحديث عن "دولة عميقة" بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، إلا أن هناك أدلة قوية على وجود نظام مترابط من العلاقات والمصالح المشتركة بين نتنياهو ومقربيه، وأن هذا النظام أثر بشكل سلبي على استقلال المؤسسات والشفافية في الكيان الإسرائيلي، ومنحت نتنياهو أداة للتفوق على معظم خصومه والبقاء رغم كل المشاكل والتهديدات التي أحاطت به.





روزنامة المحور