علم النفس السياسي هو مجال لفهم الأسس النفسية والجذور والعواقب المترتبة على السلوك السياسي، أما تحليل الشخصية السياسية فيركز على التنبؤ بأفعال أو ردود أفعال الشخص تجاه قضية ما، واستشراف نجاحه أو فشله خلال نشاطه السياسي.
قبل غزو العراق للكويت، كانت مؤسسة الدفاع الإسرائيلية قد بدأت بإعداد ملفّ نفسي لصدام حسين، الذي هدد بحرق نصف إسرائيل. "لقد قررنا أن صدّام حسين مختلّ عقليًا، لكننا كتبنا أيضًا أنه بينما يحب أن يخطو على حافة الهاوية، فإنه حريص على عدم تجاوز الخط. لذلك اعتقدنا أنه لن يطلق صواريخ برؤوس حربية كيميائية وكان هذا هو الحال بالفعل". شاؤول كيمحي الذي تنبأ بسلوك صدام، كسب جائزة مرموقة من المخابرات الإسرائيلية، وتم تعيينه في مناصب أساسية، وطلب منه عام 1999، مع اقتراب الانتخابات، تكوين صورة نفسية لنتنياهو، الذي كان يقترب من نهاية ولايته كرئيس للوزراء. حلل كيمحي سمات شخصية نتنياهو وجاء في التقرير أنه "نرجسي ذا ميول بجنون العظمة والاستبداد، لكنه موهوب بقدرة خطابية استثنائية ومهارة في العلاقات العامة، ووسائل الإعلام لها أهمية قصوى بالنسبة له". بالإضافة إلى سمات أخرى.
اللافت أنّ كيمحي قرر إلقاء نظرة أخرى على تحليله الأصلي عن شخصية نتنياهو بعد 21 عامًا، عام 2020، وتبيّن أن الاستنتاجات الرئيسية التي قدمها لم تتغيّر، سواء في الأوقات العادية أو في الأزمات. فإن أسلوب نتنياهو هو أسلوب الإدارة المركزية. أي أنه يتجاهل المديرين والسياسات المحددة مسبقًا، و"هذا يخلق عيوبًا ملحوظة تتجلى في رسائل متناقضة من أولئك الذين يعملون لديه". إلى ذلك، "يصدر نتنياهو رسائل ووعودًا غامضة، وتنشأ صراعات مستمرة بين الهيئات المختلفة (على سبيل المثال، وزارة الدفاع ووزارة المالية ووزارة الصحة)، والتي ربما تنعكس جزئيا فقط في العلن". يقول كيمحي.
ملخّص شخصية نتنياهو
يمثل عدد من الأنماط السلوكية لنتنياهو بُعد الأنانية بحسب كيمحي، والنجاح الشخصي أكثر أهمية بالنسبة له من الأيديولوجية. وهو يسعى باستمرار لتحقيق ذلك. يتجلى هذا النمط من خلال قبوله للمساعدة من المساهمين الأمريكيين الذين لديهم آراء متطرفة مختلفة تمامًا عن آرائه. ولا يتردد في استغلال الآخرين، بما في ذلك الزملاء، من أجل النجاح. إنه "أناني، ذئب وحيد، نوع الشخص الذي قد تقول إنه ليس له إله".
ربما يكون الطموح والتصميم أبرز سمات شخصية نتنياهو. "يتم التعبير عن الطموح في رغبته في أن يكون الأفضل، وأن يكون الأول، وأن ينتصر على الآخرين، وأن يصل إلى القمة". وهو ما يفسّر إصراره على منصب رئاسة الوزراء على الرغم من كل العوائق التي واجهته، إلى درجة أنه وضع يده بيد المتطرفين الذين تمكن من خلالهم من المنصب، وجعلهم في الائتلاف على الرغم من عدم خبرتهم في الوزارات التي استلموها. ولا يتردد بسحق الأفراد الذين يشكلون تهديدًا له. إذ يعمل على تصفية الحسابات بشكل منهجي من خلال إذلال قادة الأحزاب والمحاولة السيطرة عليهم. وهذا السلوك العدواني تحدّث عنه كيمحي الذي كتب أنه " يهاجم بشكل استباقي أي شخص ينظر إليه على أنه خصم أو منافس. وقد يكون الهجوم مباشرا أو غير مباشر".
نتنياهو أيضًا يوقّع على عهود ويقطع وعودًا لا يفي بها. ونتيجة لذلك، يعتبر غير جدير بالثقة. وقد فعل ذلك عدة مرات مع الأمريكيين ورؤساء عرب عدة مرات. وهو الأمر الذي طالما أغضب الإدارات الأمريكية. إنه "مقتنع أنّه في السياسة، أي وسيلة مقبولة". يقول مستشاروه.
إلى ذلك فإن نتنياهو لطالما كان مرتابًا. ويعتبر كيمحي ذلك من سماته المسيطرة. إنه يشكّ أن "العالم كلّه ضدّه"، مصحوب بمشاعر الإيذاء. وخصومه هم أي سياسي من الحكومات السابقة، وحتى النخب في حزبه. وكما كل البارانوييين، ترتفع مستويات شكوكه وتشتدّ خلال الأزمات، فيبدأ بالشك في موظفيه المقرّبين. وبحسب الصحافة العبرية، إن نتنياهو نادرًا ما بنى الثقة مع جنرالات جيش الاحتلال، لأنه يعتبرهم منافسين سياسيين محتملين. وسيتم اختبار ذلك في الأيام المقبلة في مجلس وزراء الحرب المصغّر، الذي يضم ثلاث جنرالات سابقين، بمن فيهم بيني غانتس، الذي كاد أن يطيح به من منصب رئيس الوزراء في عام 2020. والآن أصبح لدينا شخصية مركبة من النرجسية والبارانويا، وعلى أي حال فالاثنتان شخصيتان مترددتان ويصعب بسببها اتخاذ قرار.
سلوك نتنياهو تحت الضغط
يختلف سلوك بنيامين نتنياهو تحت الضغط من موقف لآخر. إذا كان من الممكن توقع التوتر ومعرفة مصدره، فإن نتنياهو يشعر بأنه مسيطر، ويقول كيمحي إنه في هذه الحالة لا يرتجل، يبقى هادئًا خلال مثل هذه الأزمات ويتعامل مباشرة مع المشاكل. أما عندما تكون الأزمة غير متوقعة، ويشعر نتنياهو بفقدان السيطرة، فإنه يفقد رباطة جأشه ويتصرّف بارتباك، "في هذه اللحظات يكون مستعدًا للوعد بأي شيء"، يقول كيمحي، و"يمكن الضغط عليه"، ولذلك، عندما تصف الصحافة الغربية نتنياهو وخاصة في ظلّ الاحتجاجات التي كانت قائمة قبل أن تنقذه منها معركة طوفان الأقصى، قالت إنه عبارة عن "مجموعة الضغوطات التي تمارس عليه". وهذا السلوك في الأزمات هو ما يوضح سبب أنّه "لم تكن أي من حروب إسرائيل الكبرى تحت إشرافه"، قال أنشيل فيفر، كاتب عمود في صحيفة "هآرتس"، الذي كتب سيرة ذاتية بعنوان "بيبي: الحياة المضطربة وأوقات بنيامين نتنياهو". قال "لم يكن سريعًا أبدًا في التعبئة وإرسال الجيش بأكمله، وهو ما يتماشى مع شخصيته". وهو الأمر الذي حصل بعد عبور حماس من غزة، بقي الجيش مشلولًا لأكثر من 6 ساعات.
بالعودة إلى كيمحي، يقول إن نتنياهو عندما يتعرّض للابتزاز فإنه بداية يقاوم بشدّة، لكنه سيتنازل أيضًا بشكل كبير، ولعلّ هذا ما فهمه بايدن من شخصية نتنياهو، حيث تمكّن من أخذ قيادة العمليات العسكرية من القيادة الإسرائيلية ليتسلمها المستشارون الأمريكيون وغرفة القيادة سنتكوم. نتنياهو الذي بقي لأكثر من 14 يوماً بعد عبور حماس من غزة يهدد ويتوعّد بانه سيقوم بالعمل البري، لم يتمكّن من اخذ القرار حتى اليوم، وليس من المتوقع أن يقوم هو بأخذه دون أن يكون ثمة شماعة ليضع اللوم عليها عندما يفشل الهجوم.
النظرة السياسية والدينية للعالم
لم تقدم كتب نتنياهو وخطاباته أي أمثلة على محاولات فهم أو تقديم وجهات نظر أخرى غير وجهة نظره. لذلك من السهل فهم نظرته للعالم فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، يمكن تلخيصها كما يلي: "لا يوجد شيء أكثر عدلا من عودة اليهود إلى وطنهم"، وأن" الدول العربية ليست ديمقراطيات، وبالتالي فإن السلام معها لا يمكن أن يقوم إلا على توازن الخوف، وعلى قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها". وهذا على أي حال هو ثقافة يهودية. ومن هنا لم توافق حكومة نتنياهو لحد الآن على شروط السعودية للتطبيع، لأنها غير مستعدة لأي نوع من التنازل للفلسطينيين أولًا، وغير مستعدة أن يكون في المنطقة دولة عربية موازية لها بالقوة.
المعتقدات الدينية للزعيم ليست بالضرورة مركزية في شخصيته. ومع ذلك، في إسرائيل، حيث يسير الدين والسياسة جنبًا إلى جنب، يمكن أن يكون للمعتقدات الدينية للزعيم أهمية سياسية وشخصية كبيرة. تشير حياة نتنياهو طوال حياته السياسية إلى أسلوب حياة علماني تمامًا. وارتباطه بالدين ينحصر في خطاباته فقط، إذ تعطي التعبئة الدينية شعورًا قويًا بالاستمرارية التاريخية للأمة اليهودية واحترام التقاليد، وإن كان على سبيل الصورة الإعلامية. في أزمته الأخيرة خلال معركة طوفان الأقصى، وبالإضافة إلى الابتزاز العاطفي، يستخدم نتنياهو المفاهيم الدينية اليهودية، والتي تفعل فعلها دائمًا في استنفار الحقد اليهودي، قال نتنياهو لليهود في خطاب وُصِف بالمؤثر: "تماما كما بعد وفاة موشيه بدأت في قراءة جزء من بيريشيت عن سيمشات توراه (أي البهجة لدى الانتهاء من قراءة أسفار التوراة)، لذلك بعد المأساة تستيقظ. لن نذهب إلى أي مكان. الإرهابيون لن ينتصروا، الحرية ستنتصر. عندما قابلت غولدا مائير قبل خمسين عامًا، تبعتني في القاعة وسألتني، "لماذا تبدو قلقًا؟ لا تقلق، لدينا سلاح سري: ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه". أقول لإسرائيل – لن نذهب إلى أي مكان. شعب إسرائيل حي". وهكذا يستخدم نتنياهو المشاعر فيما استخدمه اليهود القدماء لتحويل المشاعر السيئة إلى مشاعر إيجابية، أنه بعد المأساة نستيقظ. ثم يُخرج غولدا مائير الشهيرة في التراث التأسيسي لدولة اليهود وإنهاء شتاتهم، لتقول لهم "ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه". هذه الجملة أيضًا تنطوي على مفهوم ديني باعتبار هذه الأرض هي الأرض الموعودة المقدسة، وليس لأنّ اليهود غير مرحّب بهم في دول أخرى وليس بإمكانهم الحصول على جنسيات أخرى. وبذلك يستيقظ الحسّ القومي اليهودي الذي ينكر أن الفلسطينيين هو أصحاب الأرض وهم فعلًا على الأرض ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه.
هل يأخذ نتنياهو القرارات في الحرب؟
بالنتيجة، وبحسب سمات الشخصية، يبدو أن نتنياهو يواجه صعوبة في اتخاذ القرارات، ويميل إلى تأخير قراراته النهائية حتى اللحظة الأخيرة. هذا النمط من السلوك هو سمة من سمات أخذ القرار السياسي لنتنياهو أيضًا، وقد يفسر الفشل في تقديم خطة للخروج من الأزمة. وبناءً على ذلك، فإنه يميل إلى التعامل مع القضية على المستوى التكتيكي، دون اتخاذ قرارات استراتيجية، وهذا هو السبب في التردد في الدخول البري على الرغم من كثرة التهديدات.
ثمةّ مفهوم جديد في تحليل شخصيات القادة ظهر مع تطوّر علم النفس، يسمى "القادة السامّين". يصف المفهوم القادة الذين يحددون ويغذون أعمق مخاوف الجمهور. تم ربط الخصائص الشخصية للزعيم السام في الأدبيات بشخصية نرجسية أنانية وناشرة للكراهية وقيادة استبدادية. يمكن رؤية العديد من الخطوط المشتركة بين هذه الأوصاف للقادة السامّين وسلوك نتنياهو وأدائه خلال الأزمة الحالية في الحرب على غزة: الحاجة إلى معرفة كل شيء، والخوف والتردد، وإظهار حاجة لا تنتهي لعرض نجاحاته وقدراته مرارًا وتكرارًا، وهي نفسها السمات التي وجدها كيمحي قبل أكثر من 20 عامًا، بل إنّ السنوات التي قضاها في السلطة، هي التي أثبتت صحة كلامه. بالخلاصة، إنه رجل متمحور حول ذاته، ويستغل عملية طوفان الأقصى لنجاته، ولا يهمّ إن كانت على ظهر الأمن الإسرائيلي، وهو رجل مرتاب لا يثق حتى بأعضاء مجلسه المصغّر، وبهذا لن يتمكّن هذا المجلس اتخاذ القرارات للعمليات العسكرية، ولهذا السبب نقلها بايدن إلى عهدة القيادة المركزية الأمريكية. وهو نفسه السبب الذي جعل معارضيه السابقين واللاحقين يصفونه بـ "الفاشل".
الكاتب: غرفة التحرير