الأربعاء 26 حزيران , 2024 04:53

النائب فيّاض يستشرف مسارات "اليوم التالي" اللبنانية والإقليمية

النائب فياض خلال مؤتمر التجدد الوطني

خلال فعاليات مؤتمر "التجدد للوطن" الحواري، الذي جمع عشرات الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية اللبنانية. شارك النائب في كتلة الوفاء للمقاومة الدكتور علي فياض خلال الجلسة الأولى من المؤتمر التي حملت عنوان "لبنان في ظل النظام الإقليمي الجديد"، بمداخلةٍ وصفها خصوم حزب الله قبل حلفائه، بأنها كانت لافتة جداً من حيث المضمون، كونها قدّمت طرحاً صريحاً وواقعياً حول مواضيع وإشكاليات محلية ووطنية، بالإضافة الى مواضيع ذات بُعد إقليمي ودولي، تُسمع للمرة الأولى من قبل شخصية تُمثّل حزب الله.

لذلك عمدت العديد من الجهات السياسية والإعلامية خلال الأيام التي تلت المؤتمر، الى مناقشة وتحليل ما قدّمه النائب فياض في كلمته. حتى أن رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبور -الذي لم يُشارك حزبه في المؤتمر أصلاً – قد قام بالردّ على طروحات فياض، من خلال إطلالة تلفزيونية ومقالين، بعد قيامه بتأويل فحوى هذه الطروحات على قياس رغبات ما يطمح إليه حزبه منذ نشأته: مشروع التقسيم والفيدرالية.

مع العلم بأن كلمة فياض تمحورت حول مسارات ما يمكن وصفه باليوم التالي لبنانياً وإقليمياً، وحول فكرة ضرورة إجراء حوار جاد وصريح بين المكونات اللبنانية، انطلاقاً من مبدأ توصيف الهواجس لدى الطوائف وطرح الضمانات والاقتراحات التي تمكّن اللبنانيين من الاتفاق على صيغة للعيش المشترك معاً، ولم يتطرق إطلاقاً لفكرة المقايضة، كما حاول جبّور الإيحاء بذلك. وكذلك استعرض فياض في كلمته التغييرات الجيوسياسية إقليمياً ودولياً، وما قد تؤدي اليه من انبثاق نظام اقليمي جديد.

نص مداخلة النائب الدكتور فياض

بسم الله الرحمن الرحيم، حضرات السيدات والسادة، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله.

أعتقد بأن هذا الصنف من اللقاءات يحتاج إلى درجة عالية من الصراحة. وأعتقد بأن هناك نمطين من المقاربات في هذه المرحلة التي لا تجدي نفعاً: المقاربة الشعاراتية التي تنحو المنحى العام دون التمكن من وضع اليد على المشاكل الحقيقية التي يعاني منها البلد، وهذا لا يفضي إلى نتيجة. وهناك أيضاً المقاربة الإيجابية بالمعنى الدبلوماسي، التي تنحو إلى الإيجابية دون أن تتعاطى مع المشاكل والتعقيدات ومتطلبات المعالجة بالمسؤولية الواقعية.

نحن نحتاج إلى المصارحة ونحتاج إلى المسؤولية الوطنية، ويجب ألا يغيب عن بالنا على الإطلاق ما نحتاجه ثالثاً، وهو التوافقية.

هذا البلد وأنا من الأشخاص الذين صرفت الكثير من الوقت خلال الأشهر الماضية لإعادة قراءة التاريخ اللبناني، التاريخ اللبناني القريب والتاريخ اللبناني البعيد. هذا البلد ذو تركيبة خاصة وتاريخ خاص، وهذا البلد يجب أن تقف المكونات فيه دائماً على المساحة المشتركة. وعندما لا تبنى أو لا توجد هذه المساحة المشتركة، تولد الأزمات بكل بساطة.

فالصيغة اللبنانية، هي صيغة هشة جداً وقوية جداً. فهي هشة من خلال أنه بطرفة عين بالإمكان أن تتحول إلى أزمات مفتوحة تتدحرج باتجاه أزمة حكم، وقوية جداً على النحو الذي لا يستطيع أي مكون مهما أُوتي من قوة، بأن يُحدث تغييرات في هذه الصيغة.

أيضاً أعتقد بأن الجغرافيا السياسية اللبنانية هي جغرافيا طبيعتها منفرجة ومفتوحة، وهذه هي تجارب البلد مع كل الأزمات الإقليمية. لم نكن في يوم من الأيام بمنأى عن تأثيرات الإقليم. فالواقع الإقليمي يؤثر مباشرةً على الجغرافيا السياسية اللبنانية، وبالتالي تنتقل هذه المشاكل من المستوى الإقليمي إلى المستوى الداخلي، وتتمفصل على تعقيدات العلاقة بين المكونات الطائفية وتولد الأزمات ببعديها الداخل الذي يتصل بعلاقة المكونات وتوازنات العلاقة على المستوى الطائفي أو السياسي. وأيضاً ما يتصل بالتموضع الجيوستراتيجي للبلد، الذي على أساسه تتحدد التحالفات والصراعات على المستوى الإقليمي.

وأنا من المعتقدين، أنه منذ العام 2005 والبلد يعيش أزمات منشأها هو ما يتصل بالبيئة الإقليمية وما يتصل بالسياسات الخارجية، وهي تنتقل من هذا المستوى إلى المستوى الداخلي وفقاً للميكانيزم الذي أشرت إليه.

ولفت نظري أيضاً، بأنه في الدستور اللبناني، جاء الباب السادس منه تحت عنوان أحكام مؤقتة ونهائية. والمادة 95 منه، وردت تحت عنوان أحكام انتقالية أو تعبّر العبارة بدقة "في المرحلة الانتقالية" - العنوان الذي يمهد للمادة 95 يقول في المرحلة الانتقالية- المقصود من ذلك بأن المشترع وكأنه اعتبر بأن البلد يمر في مرحلة انتقالية ما لم ننتقل إلى الإصلاحات السياسية النهائية التي تحدثت عنها المادة 95 من الدستور.

نحن إذن نمر بمرحلة انتقالية، وربما جاز القول من هذه الزاوية أن نقول بأن الدولة هي دولة انتقالية أيضاً. ما معنى مرحلة انتقالية؟ المرحلة الانتقالية تعني أننا لم نبلغ بعد بحسب منطوق ومن ثم مفهوم النص الدستوري، إلى المرحلة النهائية المستقرة فيما يتعلق بالدولة. ومن هذه الزاوية، وهذا ما لم يقله الدستور، لكن أعتقد منطقياً يمكن أن نتجه في هذا الاتجاه بأن الأمر يحتاج ليس فقط إلى ما يتصل بالإصلاحات السياسية المعلقة والمجمدة، إنما أيضاً ما يتصل بتفاهمات اللبنانيين فيما يتعلق بالتموضع الجيوستراتيجي لهذا البلد بالبيئة الإقليمية، وهو ما يتصل بموضوع هذا المؤتمر تحديداً المسألتين معاً.

على هذا الأساس أقارب هذا الموضوع وفقاً لما طُلب منا في هذا المؤتمر.

ملاحظة أخرى أعطيها ذات طابع منهجي، وهي أني أعتقد بأنه علينا أن نأخذ هواجس الطوائف كما هي. فليست منهجية بناءة أن أقول بأن هذه الهواجس صحيحة وغير صحيحة، هذه الهواجس واقعية وغير واقعية، هذه الهواجس تنبع من وهم ولا أساس لها من الواقع.

أنا برأيي هذه المنهجية لا تفيد، علينا أن نأخذ هواجس الطوائف كما هي، بما فيها تلك الهواجس التي تنبع من أساس وهم. لأنه عادة الطوائف عندما يتصاعد منسوب القلق لديها، تبالغ بالمخاطر، فتولد أوهام كبرى في أحيان كثيرة.

لكن أنا برأيي نحن واجبنا في منهجية البحث عن حلول للإشكاليات اللبنانية، يجب أن نتعاطى مع الهواجس كما هي، بمعزل عن جذورها الواقعية أو المتوهمة، لأن أثر هذه الهواجس هو واقعي، والسلوك السياسي الذي تنتجه الطوائف إنما هو واقعي بغض النظر عن جذر هذا الوهم.

المسألة الأخرى وعلى هذا الأساس أقول - وأنا كنت مترددا في قول هذه الملاحظة - هواجس الطوائف بهذا المعنى:

_الهاجس السني على سبيل المثال هو الحفاظ وحماية اتفاق الطائف، لأنهم يفترضون بأنه اتفاق أعطى موقعا متميزا لرئيس الحكومة في البنية الدستورية اللبنانية.

_هاجس الدروز على سبيل المثال هو حماية الدور وتفعيل هذا الدور في ظل هذه الاضطرابات وحالة اللا استقرار التي تخيم على البلد وعلى المنطقة.

_الهاجس المسيحي هو حماية الوجود واستعادة الصلاحيات والدور، في ظل إشكالية التضاؤل الديموغرافي.

_الهاجس الشيعي هو حماية الوجود في مواجهة المخاطر الإسرائيلية لأسباب أيضا وطنية ومبدأية.

الهاجسان السني والدرزي برأيي هما هاجسان سياسيان طبيعيان، لا يوجد مشكلة. أما الهاجس المسيحي والهاجس الشيعي فهما هاجسان وجوديان يستدعيان أدوات معالجة ومقاربة من خارج المنطق الطبيعي للدولة.

لا أريد أن أذهب بعيداً في استحضار عشرات الأمثلة حول هذا الموضوع، لكن نحن في البرلمان (على سبيل المثال)، على مدى 4 سنوات نحاول أن نعالج مشكلة حراس الأحراش ومأموري الأحراش الفئة الرابعة والفئة الخامسة، حتى نستطيع أن نثبتهم في امتحانات مجلس الخدمة المدنية بعد أن نجحوا فيها، لم نستطع ذلك.

لذلك ما يتصل بهذا المستوى من الحساسيات، نحن نحتاج إلى أن نكون واقعيين بمسؤولية وأن نبحث عن أدوات للمعالجة ولو كانت من خارج المنطق الطبيعي للدولة، وهذا حديث خارج عنوان المحاضرة، لأنني أريد أن أتحدث بالخلاصات فيما يتعلق بالنظام الإقليمي.

المنظمين افترضوا بأن هناك حتما نظام إقليمي جديد، هناك عدد كبير من المحللين والخبراء اشتغلوا على هذا الموضوع، والميل العام الآن للقول بأننا نتجه إلى نظام إقليمي جديد. لكن ما هو هذا النظام الإقليمي الجديد؟ هل هو إعادة نظر بنظام سايكس بيكو؟ يعني بخرائط الكيانات السياسية؟ وبالتالي البعض يتطرف في الحديث، فيقول بأن تعويم مسار الدولتين على المستوى الفلسطيني، سينتقل إلى دولتين دولتين دولتين بكل الأقطار التي فيها أزمات، ونحن لا نوافق بل المطلوب أن نواجه هذا المشروع فيما لو كان أحد يفكر على هذا النحو. وفي البعض الآخر وأنا أميل إلى هذا القول أن الشرق الأوسط هو إعادة تشكيل توازنات ومعادلات جديدة وليس خرائط جغرافية جديدة. بهذا المعنى يمكن أن نقول أن الوضع اللبناني الذي صنفته بأنه يمر في مرحلة انتقالية، وأيضا النظام الأليمين يمر في مرحلة انتقالية، وإذا ذهبنا إلى الأبعد النظام الدولي الآن يمر في مرحلة انتقالية،

في آخر خمس كتب صدروا في الغرب، أحضرتهم أنا خلال الأربعة الأشهر الماضية، كلهم يتحدثوا عن النظام الدولي الجديد، وأشهرهم كتاب هزيمة الغرب لإيمانويل تود. وفيه كتاب غسان سلامة، وهو "إغواء مارس" إله الحرب، وفيه أيضا "عودة القوى العظمى" لشويتو.

هذا الموضوع هو الشغل الشاغل على المستوى الأكاديمي وعلى مستوى الخبراء، وفيه ثلاث أزمات كبرى الآن مرشحة لأن تتحول إلى أزمات قد تترك تأثيراتها على مجمل النظام الدولي: الحرب الأوكرانية الروسية، المشكلة الصينية الأمريكية فيما تعلق بهونج كونج، والآن هذه المشكلة التي حدثت في الشرق فيما تعلق بغزة وتأثيراتها وتحولها من حرب محدودة إلى مواجهة بامتدادات إقليمية على الأقل.

إذن نحن أمام مرحلة مليئة بالتحولات على المستويات كافة. طيب ما هو شكل هذا النظام الإقليمي على مستوى البيئة الإقليمية؟

أنا برأيي لا يمكن الجزم منذ اللحظة، بالشكل الذي سيستقر عليه هذا النظام الإقليمي. لكن علينا أن نتذكر دائما بأن المرحلة هي مرحلة تحولات ومخاضات كبرى وصراعات، ونحن مقبلون على شيء جديد، لكن هذا الشيء الجديد ليس واضحاً.

في المشهد الإقليمي هناك ثمة عناصر جاذبة وعناصر طاردة، هناك عناصر صراع مفتوح وهناك عناصر تهدئة وتخفيض للصراع. سأتحدث عن بعض المؤشرات السريعة:

_على سبيل المثال عودة العلاقات السعودية الإيرانية واتخاذ الطرفين قرارا نهائيا بطي صفحة الصراعات، والذهاب باتجاه تفاهمات على المستوى الثنائي، وتطوير هذه التفاهمات إلى المستوى الإقليمي. أنا برأيي هذا عنصر جاذب، يعني هذا عامل إيجابي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار.

_تحول الشرق المتوسط إلى بحيرة غازية ونفطية، وتعج بالاستثمارات من كل حدب وصوب - فقط اللبنانيين لديهم المشكلة - ولكن البقية جميعهم يحاولون أن يرتبوا وضعهم، وتعاظم الحاجة لهذه البحيرة في ظل التأثيرات الخطيرة جدا للصراع الروسي الأوكراني على صعيد امدادات الغاز على المستوى العالمي، وهو ما يفرض على المستوى الدولي إحاطة هذه البحيرة بعناصر التهدئة والحؤول دون انفجار الصراعات الكبرى التي تهدد كل هذه الاستثمارات أيضا هذا عنصر إيجابي.

_العنصر الثالث هو ما يتصل بغزة والقضية الفلسطينية وتمدد هذا الصراع إلى مستويات أعلى. وأنا برأيي على الرغم من أن الأمريكي قد عوّم مجددا خيار مسار الدولتين، وعلى ما يبدو أنه سيكون العنوان الأكبر الذي سيغطي المرحلة المقبلة. لكن لا أعتقد بأن الطرفين وعلى الأخص الإسرائيلي هو جاهز لمسار الدولتين. الإسرائيلي وهذا ما يقوله الإسرائيليون أنفسهم الآن، لن تجد في الطبقة السياسي كافة، من يلاقي هذا الطرح. الخريطة السياسية الآن بإسرائيل خريطة تميل إلى اليمين المتطرف واليمين الديني. وراجعوا المقالات التي كتبت حول هذا الأمر، إيهودا باراك كتب مقال بالفورين أفيرز وآيالون رئيس الشابك السابق كتب حول ذلك، ويحاولون أن يعالجوا هذا النقطة، إلى الحد الذي دعوا فيه بايدن شخصيا أن يتدخل لإدارة القيادة الإسرائيلية، في ظل عدم إمكانية التقدم باتجاه حل الدولتين.

بالرغم من ذلكن إلا أني أعتقد أن كل المسارات التي تتصل بالقضية الفلسطينية خلال الفترة المقبلة، هي مسارات لا يبدو أنه في إمكانية أن تنطوي على مؤشرات تهدئة، بل على العكس من ذلك. وهذا بمعنى من المعاني فيما لو أخذنا المؤشرين الأولين، أن التوترات والتصعيد على المستوى الإقليمي سيكون محصورا بما يتصل بالقضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل وامتدادات هذا الأمر.

في مرحلة الحرب الآن، الهاجس هو من ينتصر: حماس أم نتنياهو. في مرحلة ما بعد الحرب الشغل الأمريكي بطبيعة الحال هو على تنحية نتنياهو وحماس. لكن في مرحلة ما بعد الحرب نحن أمام مسارات: مسار حل الدولتين ذكرت التعقيدات أمامه، ومسار نتنياهو وفريقه المتحالف معه وهو إعادة الاستيطان وتهجير الفلسطيني من الضفة الغربية ودفع المنطقة إلى أعلى مستويات التأزيم، وفي المسار الثالث هو مسار التمسك الكامل أو شبه الكامل بالحقوق الفلسطينية، وهناك مروحة واسعة من المواقف. لكن أعتقد أنه خلال الفترة المقبلة سيكون صراع المسارات على أشده.

المستجد في البيئة الإقليمية، هو أن ما يتصل بالمقاومة التي كانت تؤدي أدواراً على المستوى المحلي، تطور هذا الدور إلى المستوى الإقليمي. لذلك عندما رد الإيرانيون على قصف قنصليتهم في دمشق على الكيان الإسرائيلي، وانتقلوا من سياسة الصبر الاستراتيجي إلى الردع الفعال أو البناء بحسب مصطلحاتهم، أنا برأيي نحن أمام مشهد جديد أسميه باختصار هو "أقلمة قواعد الاشتباك"، يعني أن هذا الدخول يتحول إلى عنصر أساسي في الحؤول دون التدحرج باتجاه الحروب الكبرى، إعادة ضبط الانفلات على المستوى الإقليمي، لكن أيضاً يعيد ضبط الصراع وفق قواعد معينة كما هو كان قائماً على المستوى المحلي، فينضبط على المستوى الإقليمي، ويعقد إمكانية الانتقال إلى الصراعات الإقليمية المفتوحة.

بصراحة، في صعود جيوستراتيجي لمحور المقاومة، وإذا أردت أن أختصر معالم المشهد الإقليمي أو النظام أو إرهاصات النظام، أو دعونا نقول العناوين الأكثر وضوحاً فيما يتعلق بهذا النظام الإقليمي الذي هو قيد التشكل: إسرائيل أكثر ضعفاً بعد طوفان الأقصى وحرب غزة، إسرائيل عادت إلى الصفر في مواجهة التحديات الكبرى، أمريكا أقل قدرة على الإمساك بملفات المنطقة. ودعونا نستذكر هذه السنوات الماضية، الأمريكيون خرجوا من أفغانستان بطريقة مذلة وتخلوا عن حلفائهم وفوضوا طالبان واستسلموا للأمر الواقع. هذا هو الدرس الكبير لأفغانستان. والأمريكيون أيضاً على وشك الخروج من العراق بصفر نتائج. الأمريكيون فقط جادون فيما يتعلق بإسرائيل أما ما عدا ذلك، فإن كله عرضة للمساومة وعرضة للتخلي في لحظة من اللحظات.

لذلك برأيي هناك صعود جيو استراتيجي لمحور المقاومة، لكن دعونا نرى المشهد بأكمله، قفي مقابل الصعود الجيو استراتيجي، فغن الواقع الجيو اقتصادي هو في مكان آخر، وهذا عامل شيء من التوازن، لكن الأخطر هو المسار الجيو مجتمعي - أي الخريطة المجتمعية. لأن المجتمعات أو الدول التي تعرضت للاستهداف، إنما خرجت منقسمة مجتمعياً، وهذا أخطر ما في الأمر وهذا يجب أن نراه جيداً وهذا يجب ألا نستهين معه ويجب أن يكون في صلب اهتماماتنا على مستوى الفكر السياسي وعلى مستوى البرامج السياسية، هي إعادة اللحمة المجتمعية داخل هذه الأقطار، واعتبارها واحدة من الأولويات التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار.

طيب، لبنانياً أمام هذه التحديات، أيضاً بصراحة شديدة، بالـ 1920 عند تأسيس الكيان اللبناني، هناك قسم من اللبنانيين، أخطأ في قراءة النظام الإقليمي الذي كان قيد التشكل وقت ذاك، فدفع ثمناً سياسياً باهظاً، على الرغم من أنه جنى مكاسب أخلاقية ومعنوية جليلة، وأنا أعني ما أقول. أنا أخشى في العام 2024، بعد قرن ونيف من الزمن، أيضاً ألا يقرأ قسم من اللبنانيين جيداً التحولات التي تجري على المستوى الإقليمي، فيدفع ثمناً سياسياً ما، ونحن لا نريد لأي قسم من اللبنانيين أن يدفع أي ثمن.

هناك 5 قضايا أساسية كبرى حاضرة كتحديات لبنانياً، وأنا لا أدري لماذا لا يتم التفاهم عليها، والمطلوب التفاهم عليها:

أولاً موضوع التوطين الفلسطيني، فهذا التحدي الجدي لأن كل المشاريع المطروحة تتعلق بالقضية الفلسطينية، وهي لا تأتي على ذكر التوطين، بما فيها مشروع حل الدولتين، لأن هذه النقطة هي التي نسفت مسار أوسلو (القدس وحق العودة). والآن لم يطرحها أحد حتى في أكثر المشاريع اعتدالاً! نحن ماذا نفعل كلبنانيين؟

ثانياً موضوع النزوح السوري، الذي هو موضوع - خلينا نحكي بصراحة - السياسات الغربية متناقضة تماماً مع المصلحة اللبنانية في هذا الموضوع، فكيف ندير هذا الموضوع؟

ثالثاً، استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا والخرق اليومي للسيادة اللبنانية، وتعطيل قدرة لبنان على الاستثمار في آباره النفطية والغازية، وتحديد نهائي للخط الحدودي بما فيه النقطة الساحلية B-1. هذه التحديات كيف نديرها؟

التحدي الأخير، هو ما يتصل بالحاجة إلى إعادة ترميم علاقات لبنان العربية، على نحو جدي ومتوازن.

هذه التحديات الداخلية والخارجية كيف نخوضها برأيكم؟ إذا لم يكن هناك تفاهم مسؤول وواقعي بين اللبنانيين. أنا حقيقةً مهدت لكل هذا التمهيد، كي أقول بأنه نحن نحتاج إلى منهجية أخرى في مقاربة خلافتنا، أي أن نأخذها كما هي، وأن نسعى بواقعية إلى بناء هذه التفاهمات، أي إطلاق مسار التفاهمات. أنت إذا بقيت تقول لي (أي الأطراف اللبنانية الأخرى)، أن سلاحك يرعبني وأنا لا أريد سلاحك، لن نصل إلى نتيجة بكل صراحة. لأن موضوع السلاح لدي هو موضوع وجودي، وموضوع له علاقة بحاضري ومستقبلي. لكن دعونا نتفاهم معاً على وظيفة هذا السلاح.

لك كل الحق كلبناني أن أتناقش وإياك بمنهجية أنا أسميها تبادل الهواجس والضمانات. أي ضع لي هواجسك على الطاولة لأعطيك ضمانات، وأضع لك هواجسي على الطاولة لتعطيني ضمانات.

أعتقد أن علاقتنا بالحكومة اللبنانية، تصلح كنموذج للاستلهام، لأنه نحن جزء من الحكومة، لكن الحكومة لها خصوصيتها ولها دورها ولها موقعها التفاوضي ولها قدرتها على التحرك واستفادت من المقاومة ورسمت هذه الفاصلة بين المقاومة وبينها ونجحنا في إدارة استعادة المنطقة الاقتصادية الخالصة وفي ترسيم الخط الأزرق. ونحن في المقاومة لطالما نظرّنا إلى خطورة أن نسعى للمطابقة بين المقاومة والدولة، أبداً. ولم نسعى في أي وقت من الأوقات إلى أن نأخذ البلد أو الدولة اللبنانية إلى التموضع جيوستراتيجياً على المستوى الإقليمي حيث نحن. نحن لا نؤمن بذلك.

على هذا الأساس أعتقد أن نموذج العلاقة مع الحكومة بمعنى الدور التكاملي، لا الاحتوائي ولا التصارعي، يصلح كنموذج تحتاج الساحة الفلسطينية لمعالجة هذه الفجوة بين المقاومة والسلطة بالموضوع الفلسطيني، ونحتاجه على المستوى الإقليمي فيما يتعلق بالعلاقات البينية العربية العربية.

لذلك أنتهيت برأيي نحن نحتاج إلى التالي بصورة حاسمة: يجب أن يدرك الجميع دون استثناء وأقول الجميع دون استثناء وأنا أعني ما أقول، الحاجة الحاسمة للدولة ومؤسسات الدولة. والحاجة للمقاومة في مواجهة هذه التحديات التي ذكرت، فمن غير أن تستند الدولة المستقلة السيدة التي توجد بينها وبين المقاومة هذه الفاصلة، لكن في علاقة تكامل ومتفاهم عليها بين اللبنانيين، أنا برأيي لن يتمكن هذا البلد من مواجهة التحديات التي ذكرت. والمسألة الأخيرة المطلوبة التي أرى أنها منهجية تبادل الهواجس والضمانات، نحن نحتاج إلى هذه الواقعية المسؤولة التوافقية التي نعيد فيها بناء تفاهماتنا الوطنية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور