في حادث هو الأول من نوعه، منذ الـ 8 من كانون الأول / ديسمبر للعام 2024، أي موعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، واستلام الجماعات المسلحة للحكم بقيادة أحمد الشرع "الجولاني"، واستغلال الكيان المؤقت لهذه التطورات باحتلال مناطق جديدة في جنوبي سوريا، وخاصةً في جبل الشيخ. قامت إحدى المجموعات التي أطلقت على نفسها اسم "المقاومة الشعبية السورية"، بتبني "عملية نوعية ارتجالية استهدفت قوة صهيونية معادية في محيط مدينة طرنجة بريف القنيطرة جنوبي سوريا المحتلة".
وقد اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بهذه الحادثة، حيث أعلن بأن مسلحين أطلقوا النار على قواته في ريف القنيطرة، مضيفاً في بيانه بأن الهجوم وقع مساء الجمعة (31/01/2025)، دون أن يؤدي إلى إصابة أي من جنوده، وأنه ردّ على مصدر إطلاق النار. متابعاً بأن قواته في المنطقة ستعمل على إزالة ما وصفها بالتهديدات التي تواجه إسرائيل ومستوطنيها.
وقد وصفت إذاعة الجيش الإسرائيلي الحادثة بـ "غير العادية"، مشيرة إلى أنها المرة الأولى التي يتم فيها استهداف قوات إسرائيلية بالنيران منذ بدء توغلها في المنطقة العازلة بالجولان ومناطق متاخمة جنوبي سوريا. وهنا لا بد الإشارة الى أن قرية طرنجة التي تقع في المنطقة العازلة التي احتلها الكيان أواخر العام الماضي، لا تبعد سوى 2.5 كم عن الجولان المحتلّ، وهذا ما يؤشّر الى تطور خطير جداً في الصراع، لا سيما اذا تصاعدت وتيرته كما تعلن المقاومة الشعبية السورية. فهذه الحادثة استدعت تدخّل المروحيات الإسرائيلية لتأمين انسحاب القوات المتوغلة، كما استخدمت القوات المهاجمة القنابل المضيئة.
وقد كشف بيان المقاومة السورية بأنه "بعد استعادة الاتصال مع المجموعة المنفذة، تأكد أن العملية جاءت كرد فعل فوري وبقرار ميداني مستقل، حيث رصد المجاهدون تحركًا للعدو في المنطقة، فبادروا إلى استهدافه بصليات كثيفة من الرصاص والأسلحة الرشاشة، مما أدى إلى إصابة عدد من جنود الاحتلال بشكل مباشر وتحقيق خسائر في آلية عسكرية". مضيفاً بأنه "حاول العدو الصهيوني الرد بشكل عشوائي، إلا أن المجاهدين كانوا قد نفذوا العملية بسرعة ودقة، ثم انسحبوا بسلام دون أي خسائر، تاركين العدو في حالة فوضى واستنفار أمني واسع، حيث سارعت قوات الاحتلال إلى تمشيط المنطقة جواً وبراً بحثًا عن منفذي الهجوم دون جدوى". متوعداً كيان الاحتلال بأن "المقاومة لا تنتظر أوامر، بل تتحرك بالدم والغضب…
أينما تتحركون، ستجدون رجالًا جاهزين للثأر…
إذا كانت هذه ضربة ارتجالية، فكيف ستكون الضربة القادمة حين نخطط لها؟
تؤكد المقاومة الشعبية السورية أن كل مقاتل فيها هو جيشٌ بحد ذاته، وكل سلاح فيها هو رصاصة في قلب العدو، وأن الاحتلال لن ينعم بأي استقرار على هذه الأرض الطاهرة".
ومن اللافت بأن المتتبع لصفحة هذه المجموعة على منصة تيليغرام، سيلاحظ بأنها تنشط منذ أسابيع في مواجهة هيئة تحرير الشام ومجموعاتها، وتعلن عدائها للسلطات الجديدة في سوريا، بشكل صريح وواضح، ما يُشير الى أن ما قاله قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي على خلفية التطورات السابقة، بأن الشعب السوري سيواجه الاحتلال الإسرائيلي وكل الجهات المرتبطة بالخارج، قد بدأ يتحقق على أرض الواقع.
مع العلم بأن السلطات السورية الجديدة، لم تحرّك ساكناً حتى اليوم، ولم تقم بأي إجراء ضد إسرائيل واحتلالها لمناطق جديدة في سوريا، بل يبدو بأنها ترغب فعلياً باتخاذ مسار استسلامي لإسرائيل ومن خلفها أمريكا، متخذّين من أنور السادات قدوة لهم.
الأمم المتحدة تتوسل الانسحاب من إسرائيل
في المقابل، يبدو أن منظمة الأمم المتحدة التي ينظّر البعض لاعتمادها كجهة ضامنة لحماية دول المنطقة من إسرائيل، لا تستطيع إلا التوسل للأخيرة لإخراج قوات احتلالها من سوريا. وهذا ما يمكن استنتاجه من دعوة جان بيير لاكروا وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام التي وجهها بالأمس (31/01/2025) للكيان، حيث دعا إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي تحتلها في سوريا. مضيفاً بأنه كلما انسحبت القوات من سوريا بشكل أسرع كان ذلك أفضل. مشيراً إلى أن الوجود العسكري الإسرائيلي في المنطقة لا يزال يشكل صعوبة لموظفي بعثة الأمم المتحدة. وموضّحاً بأنه أكد خلال لقائه مسؤولين أن وجود قوات إسرائيلية في المنطقة العازلة يتعارض مع اتفاقية عام 1974 بين سوريا وإسرائيل.
وردا على سؤال بعض الصحفيين له عن الخطوات الملموسة التي تتخذها الأمم المتحدة لإجبار إسرائيل على الانسحاب من المنطقة، كشف لاكروا عن عجز منظمته قائلاً "ما يمكننا فعله حاليا هو مواصلة تذكير المسؤولين الإسرائيليين بأن وجودهم في المنطقة العازلة يمثل انتهاكا، وأننا نتطلع بفارغ الصبر إلى إنهاء هذا الانتهاك".
ولا بد التذكير بأنه بعد سقوط نظام الرئيس الأسد، أعلن كيان الاحتلال انهيار اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، واستولى على المنطقة العازلة في هضبة الجولان التي يحتل معظمها منذ العام 1967، كما أقام نقاطا ثابتة على جبل الشيخ بينها مهبط للمروحيات، وقال بأن قواتها ستظل هناك "لأجل غير مسمى".
فكيف سيكون رد السلطات السورية الجديدة على هذا الأمر؟