تعيش "إسرائيل" حالة من القلق المتراكم من عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي الذي كان قد وصل إلى خواتيمه، بزعمها أن ذلك سيقرّب طهران من القنبلة النووية. لكن بعد اقتناع كيان الاحتلال أن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق هو من أولويات الإدارة الأميركية بعد وصول جو بايدن إلى الرئاسة، لا زال نفتالي بينيت يحاول أن يحصل على بعض الضمانات، أو أن يحدث خرقًا ما. وهذا ما سيترجمه جدول أعمال زيارته المرتقبة للبيت الأبيض.
صحيفة جيروزاليم بوست أشارت إلى أن "إسرائيل" تريد وقف إيران دون الحاجة لشن هجوم. ولطالما اعتقدت أن طريقة القيام بذلك هي الجمع بين عدد من الإجراءات: العقوبات والعمليات السرية والضغط الاقتصادي وخطوات ضد وكلاء إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
النص المترجم:
لقد كان هجوماً منسقاً، الأول كان لوزير الأمن بيني غانتس، الذي حذّر صباح الأربعاء مجموعة من 60 دبلوماسيًا يعملون في "إسرائيل" من أن إيران على بعد شهرين فقط من أن تصبح قوة نووية. وحذّر من أن "إسرائيل" لن تسمح بحدوث ذلك.
قال غانتس: "لدى "إسرائيل" الوسائل اللازمة للعمل ولن تتردد في القيام بذلك. لا أستبعد احتمال أن تضطر "إسرائيل" إلى اتخاذ إجراءات في المستقبل لمنع إيران نووية".
في وقت لاحق من بعد ظهر ذلك اليوم، تصريحات كان قد أدلى بها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي في اليوم السابق، أُفرج عنها للنشر.
قال قائد الجيش إن "إسرائيل" كانت تسرّع من خططها العملياتية ضد إيران، حيث تم تخصيص 3.5 مليار شيكل من ميزانية الأمن الجديدة لهذا الغرض على وجه التحديد.
جاء دور رئيس الوزراء نفتالي بينيت. في زيارته الأولى لواشنطن كرئيس للوزراء، خطط بينيت لاستخدام اجتماعه لمدة ساعة مع جو بايدن لمحاولة إقناع الرئيس الأميركي بمواصلة الضغط على طهران.
بينما تحدث بينيت في وقت سابق من هذا الأسبوع عن خطة جديدة صاغها لوقف إيران، لم يكن لديه في الواقع الكثير من الجديد ليقدمه للولايات المتحدة بحيث يكون مختلفاً جوهرياً عما طلبته الحكومات الإسرائيلية السابقة من شركائها الأميركيين. "إسرائيل" تريد وقف إيران دون الحاجة لشن هجوم. لطالما اعتقدت "إسرائيل" أن طريقة القيام بذلك هي الجمع بين عدد من الإجراءات: العقوبات والعمليات السرية والضغط الاقتصادي وخطوات ضد وكلاء إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
الجديد هو بينيت نفسه
أولاً، إنه ليس بنيامين نتنياهو. وثانياً، لن يقف أمام الكونغرس، كما فعل سلفه، ويتحدث علناً ضد رئيس في منصبه. لهذا السبب تحدث في الأسابيع الأخيرة عن "الروح الجديدة" التي تضفيها "حكومته الجديدة في القدس" على العلاقة مع الولايات المتحدة.
نافذة أخرى تسمح بخطة جديدة هي أن الولايات المتحدة لم تعد بعد إلى الاتفاق النووي لسنة 2015. عندما تولّى منصبه في حزيران، اعتقد بينيت في البداية أن الأميركيين كانوا على بُعد أسابيع فقط من العودة إلى الاتفاق. ولكن عندما لم يحدث ذلك، فقد أتاح له ذلك فرصة سانحة يحاول الآن الاستفادة منها.
هذا هو الجديد، ولهذا تعمل الحكومة بشكلٍ منسّق. من غانتس إلى كوخافي. ووزير الخارجية يائير لابيد إلى بينيت، يدرك الجميع أنه طالما أن الأميركيين لم يعودوا بعد إلى الاتفاق، فإن "إسرائيل" بحاجة إلى استغلال هذه اللحظة للتأثير على ما سيحدث بعد ذلك. ولهذا السبب أيضاً يتحدث بينيت عن "الروح الجديدة": إنه يريد شراء حسن النية من بايدن، ويعلم أن عدم كونك نتنياهو لن يكون كافياً.
ومع ذلك، بعد كل ما قيل وحصل، علينا أن نتذكر أن خيارات "إسرائيل" محدودة. يمكنها الاستمرار في ضرب إيران سراً، ومشاركة معلوماتها الاستخبارية الحيوية مع الحلفاء لحملهم على كبح العلاقات الاقتصادية، لكن هذا لن يكون كافياً. ما تود "إسرائيل" أن يحدث بشكل مثالي هو أن تصدر الولايات المتحدة تهديدًا عسكريًا موثوقًا به ضد إيران، على غرار ما فعله غانتس وكوخافي في يوم الأربعاء.
التوقعات منخفضة جداً حول مهاجمة واشنطن لإيران
في حين أن هناك القليل جداً من التوقعات بأن الولايات المتحدة بقيادة بايدن ستهاجم -إيران خاصة على ضوء ما يحدث في أفغانستان - يُعتقد أن تهديداً عسكرياً أميركياً موثوقًا كان أحد أكثر الأدوات فاعلية حتى الآن في إعادة ضبط الإيرانيين.
في سنة 2003، عندما غزت الولايات المتحدة العراق، اعتقد الإيرانيون أنهم سيكونون التالين وعلّقوا معظم جوانب برنامج أسلحتهم النووية.
إنها استراتيجية دفعها نتنياهو خلال إدارة أوباما أيضاً. حثّ الرئيس ليس فقط على عدم رفع العقوبات عن إيران، بل وأيضًا تحضير الجيش الأميركي بطريقة توضح للإيرانيين أنه لم يكن مخادعاً، وأن العمل العسكري لم يكن مطروحاً على الطاولة فقط كمجرد خطاب.
إلى اليوم، هناك خلافات بين المسؤولين السابقين حول ما إذا كان نتنياهو قد خطط بالفعل لمهاجمة إيران، أم أنه كان يخادع فقط ويحاول دفع الأمريكيين بأنفسهم إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة.
بعد التهديدات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، يمكن أن يكون هذا هو الاتجاه الذي تتجه إليه "إسرائيل" مرة أخرى. إنها تريد أن تجعل الإيرانيين يعتقدون أنها تستعد لهجوم، لكن ما لا يقل أهمية هو إقناع العالم وبايدن على وجه التحديد بأن مشاهد الطائرات المقاتلة الإسرائيلية المتجهة إلى إيران هي خيار واقعي.
بينما يمكن التشكيك في فعالية هذه السياسة، يبدو أن هناك على الأقل استراتيجية منسّقة يقودها بينيت وحكومته. كما تبين يوم الأربعاء، الجميع يعرف دوره. يقوم غانتس وكوخافي بتوجيه التهديدات، ويعمل لابيد مع الدبلوماسيين، ويحاول بينيت ضم بايدن.
حيث لا يبدو أن لدى "إسرائيل" أي شيء قريب من إستراتيجية هو قطاع غزة، الذي بدا في هذا الأسبوع وكأنه على وشك أن ينفجر مرة أخرى في صراع واسع آخر.
السبت الماضي، رئيس الرقباء برئِل شموئيلي، أُصيب برصاصة على الحدود وهو يواصل الكفاح من أجل حياته. في الأيام التي تلت ذلك، امتلأت وسائل الإعلام بقصصٍ عن كل شيء ما عدا الموضوع الرئيسي: ماذا تريد "إسرائيل" أن تفعل مع قطاع غزة؟
سمعنا تسجيل المحادثة التي أجراها بينيت مع والد شموئيلي حيث أخطأ في اسم شرطي حرس الحدود. سمعنا المقابلات الإذاعية مع والدته وشاهدنا مئات الأشخاص يتجمعون خارج مستشفى سوروكا في بئر السبع للصلاة من أجل الشفاء؛ علمنا بزيارة كوخافي للمستشفى، والتي جاءت بعد انتقادات من الأسرة بعدم زيارة أحدٍ لهم؛ ونقرأ عن تحقيق الجيش الإسرائيلي في الحادث الذي يتضمن توصيات حول كيفية منع حدوث مثل إطلاق النار هذا على الحدود مرة أخرى.
لو لم أكن أعلم جيداً، كنتُ سأعتقد أن الاحتجاج الحدودي الذي أدى إلى إطلاق النار على شموئيلي كان حادثًا له تداعيات استراتيجية على دولة "إسرائيل"، وليس اشتباكاً تكتيكياً على الحدود (وهو ما كان عليه) وانتهى سيئاً.
سبب حدوث ذلك هو أن الإسرائيليين لا يعرفون ماذا يفعلون مع الوضع في غزة. إنهم لا يعرفون كيفية معالجته، لأن حكومتهم لا تشرح أبدًا ما الذي تريده. والسبب الذي يجعل الحكومة لا تشرح أبدًا ما الذي تريده هو أنها لا تعرف حقًا.
لذا، فبدلاً من توضيح أنه لسوء الحظ تقع "إسرائيل" على حدود منطقة تسيطر عليها منظمة إرهابية مُجرمة وأن هذا الصراع لن يختفي ببساطة، فإن الحكومة لا تقول الكثير من أي شيء. إنها تهدد حماس بين فينة وأخرى، قائلة إن "إسرائيل" ستهاجم بتوقيتها هي؛ وترد بغاراتٍ لا معنى لها على هجمات البالونات الحارقة والقذائف الصاروخية؛ وتسمح بالدفع النقدي من قطر الذي قالت سابقًا إنها لن تفعله.
في ظل هذه الظروف، ليس من المستغرب أن كوخافي ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) نداف أرغمان لا يشعران بالقلق بشكل خاص من قطاع غزة اليوم. إنه مقفل بجدار، وهناك قبة حديدية لاعتراض معظم القذائف الصاروخية، وهناك تقنية للكشف عن الأنفاق. إنهم بالطبع يستعدون دائماً لصراع جديد، لكن تركيزهم ينصب على جبهات أخرى، من الضفة الغربية إلى لبنان إلى سوريا إلى إيران.
السؤال الذي نحتاج إلى طرحه على أنفسنا هو ما إذا كان هذا جيداً بما فيه الكفاية. ألا يجب أن نطالب حكومتنا بالمزيد؟ إما تقديم خطة لم تتم تجربتها من قبل، والتي من شأنها استخدام الأدوات والحوافز الاقتصادية (على سبيل المثال السماح لسكان غزة بالدخول إلى "إسرائيل " للعمل، أو بناء محطة كهرباء ومناطق صناعية لهم)، أو تقديم شرحٍ صريح لكيفية استمرار الصراع، ولسوء الحظ سيستمر المزيد من الجنود مثل شموئيلي بالتعرض لأذى.
نحن نعلم أنه لن يحدث أي منهما، لأنه من غير المحبّذ أبداً الاعتراف بأنه ليس لديك حل لشيء. من الأسهل بكثير التظاهر بوجود حل حتى لو لم يكن موجوداً.
ما يضيف إلى هذا الخلل هو الطريقة التي يُستوعب بها أخبار إصابة جندي. هذه إحدى "الأبقار المقدسة" في إسرائيل، وهي قضية يُفترض أن تكون فوق النقد ومحصنة ضده. إنها قضية لا يمكن تحليلها في عمود واحد وربما حتى في سلسلة طويلة، ما يؤدي إلى الشعور بأن الإسرائيليين يواجهون أحياناً وقتاً أصعب عندما يعلمون بمقتل جندي مقارنةً بمقتل مدني.
هذا ناتجٌ عن عدة عوامل. أولا، كل الإسرائيليين معنيون بالخدمة في الجيش. وهذا يعني أن كل شخص تقريبا - باستثناء الحريديم والعرب - خدم في الجيش ولديه ابن خدم أو يخدم. عندما تكون هناك حرب أو أنباء عن وقوع ضحايا، يكتسح الخوف الأمة بأكملها.
هناك أيضاً الطبيعة المتغيّرة للحرب، التي أصبحت تعادلاً وأقل خسائر تقريباً في السنوات الأخيرة.
في عملية غزة في أيار، على سبيل المثال، لم يكن هناك حاجة لعبور الجنود إلى الأراضي التي تسيطر عليها حماس. في المجموع، قتل على الجانب الإسرائيلي 12 مدنياً وجندي واحد. يعطي هذا النمط من الحرب الانطباع بأن الحروب يمكن خوضها وتنفيذ المهام بثمن زهيد.
ثم هناك المدى الذي يرغب الإسرائيليون في الذهاب فيه لإنقاذ جندي واحد. من ناحية، هذا نموذجي، ويظهر القيمة التي نضعها نحن كشعب في كل حياة.
لكن هذا يؤدي أيضاً إلى حالات مثل صفقة تبادل الأسرى بغلعاد شاليط، التي شهدت إطلاق 1500 سجيناً فلسطينياً مقابل جندي واحد.
ولذا علينا أن نسأل أنفسنا: لو كان الشخص الذي أُطلق عليه الرصاص في يوم السبت مزارعاً يعمل في حقله بالقرب من الحدود، فهل كان سيحصل على نفس القدر من الاهتمام؟ هل كانت المحطات سترسل طواقم كاميرات إلى المستشفيات لعدة أيام متتالية؟ هل كان رئيس الوزراء سيتصل بالعائلة؟ هل كان رئيس الأركان بحاجة للقيام بزيارة. ونحن جميعا نعرف الجواب. لكن هذا شيء يجب التفكير فيه لأنه يمس دور الجيش وما يجب ان يفعله جنودنا. الحوادث التكتيكية ستستمر، خاصة عندما يحتاج الجنود إلى الانتشار على طول الحدود المضطربة لحماية المدنيين، والتي، بعد كل شيء، هي وظيفتهم الأساسية.
هل يمكن تصحيح هذا؟ لا أعلم. لكن ما يمكن فعله هو شيء أسهل بكثير: ان تشرح الحكومة للجمهور ما تفعله وما الذي تريد تحقيقه؛ وليس فقط عندما يتعلق الأمر بإيران، بل وأيضاً عندما تكون أقرب إلى الوطن، على طول الحدود مع غزة.
المصدر: جيروزاليم بوست
الكاتب: غرفة التحرير