أُفتتح العام 2022 بمصادقة ما تسمى "اللجنة المحلية للتخطيط والبناء" في بلدية الاحتلال في القدس المحتلة على خمس مخططات جديدة لبناء 3557 وحدة استيطانية جديدة، فيما شكّل العام الماضي أكبر هجمة توسع استيطاني حيث أنشأ الاحتلال 12 ألف وحدة استيطانية جديدة وهدم 171 منزل فلسطيني.
وبالتزامن تترفع معدلات العمليات الاجرامية للمستوطنين بحق الفلسطينيين في تلك المناطق حيث سجّل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي 410 اعتداءات (302 ضد الممتلكات و108 ضد الأفراد)، في المقابل يواصل الشباب الفلسطيني تصعيد فعاليات الارباك الليلي للتصدي لبناء هذه الوحدات واقتحام وحدات الاحتلال للأحياء.
مما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول عمل الجمعيات الاستيطانية وأبعاد مشاريعها، وخاصة توقيت هذه الهجمة الواسعة.
الجمعيات الاستيطانية والتعاون مع "الشاباك"
يقول الباحث والمختص في الشأن الإسرائيلي بسام أبو عكر في حديث خاص لموقع "الخنادق" ان هناك 70 "مؤسسة استيطانية" في القدس والضفة، ويؤكد أبو عكر ان هذه المؤسسات لا تعمل بدون "غطاء رسمي" من كيان الاحتلال، وتوجيه ممنهج منه، وان البنية التحتية لهذه الجمعيات تحظى بالدعم بكل السبل من الجهات "الرسمية" في الكيان، كما بالحماية الدائمة والمستمرة للمخابرات الإسرائيلية وما يسمى "حرس الحدود". ويضيف ان أجهزة الاستخباراتية للاحتلال تدخل في صلب عمل هذه الجمعيات حيث انها حين تتوجه الى الاستيلاء على العقارات الفلسطينية أو الحصول على معلومات حول الأراضي، فهي تلجأ الى أرشيف المعلومات في جهاز "الشاباك" والى المنظومة الاستخباراتية لكيان الاحتلال. ويؤكد الخبير أبو عكر ان هناك تعاوناً وثيقاً بين تلك المؤسسات و"الشاباك" بالإضافة الى التنسيق الدائم، فلا إمكانية لها في "إتمام" عملها الاستيطاني.
ويتابع أبو عكر ان الموضوع يتجاوز التنسيق الى أدوار متبادلة بين الجمعيات الاستيطانية و"الشاباك" في ممارسة العمل الاستخباراتي على الفلسطينيين حيث "يستفيد" كلّ من الآخر بتوفير منظومة معلومات متكاملة عن الحيّز الفلسطيني، وتحديداً في القدس الشرقية والبلدة القديمة.
ويستكمل الخبير في الشأن الإسرائيلي أبو عكر ان مخابرات الاحتلال تؤمن الحماية لهذه الجمعيات وفي حال أظهر الفلسطينيون أي مقاومة يتدخّل جهاز "الشاباك" لتنفيذ الاعتقالات بدعم من الجهاز القضائي أيضاً للاحتلال بإصدار أحكام تصل الى 15 و20 سنة بالسجن بالإضافة الى الغرامات المالية وخاصة حين يتم قتل مستوطن. وان كل من يعترض على عمل الجمعيات الاستيطانية يرحّل "ويطرد" من القدس.
الجمعيات تستأجر المستوطنين!
كشفت تقارير إسرائيلية ان الجمعيات الاستيطانية في القدس المحتلة وخاصة "عطريت كوهانيم" تعمل وكأنها جهاز مخابرات منظم ومموّل، حيث أنها في البداية تستولي على العقارات في أحياء القدس الشرقية (ومنها سلوان وبطن الهوى)، لتضع مستوطنين تم تجنيدهم مسبقاً من قِبلها، وتشترط عليهم ان يكونوا يتمتعون بمهارة استخدام السلاح. وبشكل علني، نشرت الجمعية الاستيطانية إعلاناً على مواقع التواصل الاجتماعي، تطلب أشخاصاً ذوي خلفية عسكرية يجيدون استخدام السلاح "من أجل تأمين العقارات في بطن الهوى".
فيما ينقسم المستوطنون بالأساس الى "متطوعون" يستوطنون في هذه الوحدات على خلفياتهم الأيديولوجية، الا أنهم يعتبرون من الأقليات، في المقابل فان أغلب المستوطنين يتقاضون أمولاً على شكل راتب من المؤسسات الاستيطانية لضمان بقائهم في البيوت الفلسطينية الى حين استكمالها كبؤرة استيطانية تسكنها "عائلات كاملة" من اليهود. ويحصل كل مستوطن على 170 دولار يومياً (500 شيكل) أي ما يعادل 5100 دولار شهرياً و61200 دولار سنوياً، و250 دولار (750 شيكل) أيام "الأعياد" بالنسبة لكيان الاحتلال وتحديداً في يوم ذكرى "النكبة". ويعتبر هذا المبلغ ثلاث أضعاف معدل الأجور في الكيان الإسرائيلي وأكثر من 3 أضعاف الحد الأدنى، والأعلى من بين أجور العاملين.
ويدخل المستوطنون المُستَأجرون تحت غطاء عسكري من الاحتلال عبر آليات مصفّحة بالإضافة الى تأمين الحراسة.
الأهداف والأبعاد
أما من ناحية أبعاد هذا العمل المكثّف للجمعيات الاستيطانية التي تحاول الانقضاض على مساحات كبيرة من القدس والضفة او ما يصنّف المنطقة "ج" بحسب كيان الاحتلال، فيؤكد الخبير في الشأن الإسرائيلي بسام أبو عكر أنها تهدف الى إبقاء فكرة "النكبة" حاضرة، وإحكام سيطرة الاحتلال لمنع التمدّد الطبيعي للشعب الفلسطيني، وان كل ما يدور عن محاولات "تسوية" وطرح "حل الدولتين" وان الاعتراف "بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين" هو وهم ومجّرد كلام، بل ويذهب كيان الاحتلال من خلال هذه الجمعيات واستجلاب المستوطنين الى "شرعنة" وجوده في هذه الأرض.
الكاتب: غرفة التحرير