لم تكن الحرب على اليمن أول ما كشف حجم الخلاف ما بين السعودية والامارات. فمتابعة تفاصيل سياسة كلا البلدين تفضح ما يعمل الجانبان على اخفائه وابقائه خلف الأضواء وتحت مستوى الرصد الإعلامي والدولي. وعلى الرغم من حجم التقارب بين الرياض وأبو ظبي خاصة فيما يتعلق بمصالحهما وقضايا الأمن القومي المشتركة، إلا ان ما يثير الاهتمام هو ان وليا عهد البلدین قد وصلا إلى نقطة بات انسجام الرؤى بينهما صعباً وتحكم المنافسة قواعد اللعبة بينهما.
صحيفة لوموند الفرنسية أشارت في مقال لها إلى ان "هذا التوتر غير المسبوق يغذيه تراكم الخلافات المتزايدة الخطورة بين البلدين، حتى لو كانت هذه الخلافات تدار حالياً بحذر". معتبرة انه "لا مصلحة للرجلين الخليجيين القويين في هذه المرحلة في نشر خلافاتهما في الساحة العامة، لكن وقت تعاونهما المربح للجانبين قد انتهى بالفعل".
النص المترجم:
أصبح وليا العهد السعودي والإماراتي الحاكمين الفعليين لبلديهما من خلال إظهار نفس الطواعية التحديثية للطغاة المستنيرين.
ومن الواضح أنّ الأول، محمد بن سلمان قد استفاد في توطيد سلطته في الرياض من مشورة ودعم الثاني محمد بن زايد إلى درجة أنّ الأحرف الأولى من محمد بن سلمان كانت مرتبطة بشكل منهجي بأحرف محمد بن زايد.
ويغذي هذا التوتر غير المسبوق تراكم الخلافات المتزايدة الخطورة بين البلدين، حتى لو كانت هذه الخلافات تدار حالياً بحذر.
في تموز/ يوليو الماضي، لم تتردد الإمارات في معارضة منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، الحصص التي تعتزم السعودية فرضها للإبقاء على سعر برميل الخام عند حوالي 70 دولاراً.
وتلعب السعودية، المصدّر الرئيسي في العالم، بالفعل على احتياطاتها الهائلة لتحسين تنظيم السوق الدولية، وقبل كل شيء ضد روسيا في حين اعتبرت الإمارات أنّ حصتها منخفضة للغاية لتمويل تعافي اقتصادها الذي تضرر بشدة من الوباء.
إنّ هذا التقارب بين أبو ظبي وموسكو ضد الرياض سيترك آثاراً في العلاقة السعودية الإماراتية، باتفاق أبرم أخيراً على شروط محمد بن زايد. أدى ارتفاع سعر البرميل، الذي تجاوز الآن 90 دولاراً، إلى تخفيف هذه التوترات، التي لا تزال أسبابها هيكلية، حيث يُستمد ثلث الناتج المحلي الإجمالي في كلتا الحالتين من الهيدروكربونات.
بشكل عام، فإنّ التحديث الاستبدادي الذي يحاول محمد بن سلمان الترويج له باسم "رؤية 2030" يؤدي حتماً إلى زيادة المنافسة مع دبي، التي تعتبر حتى الآن مركزاً رئيسياً للعولمة في المنطقة.
وقد طالبت السلطات السعودية بالفعل الشركات الراغبة في المنافسة على العقود العامة بإنشاء مقار لها في المملكة العربية السعودية قبل عام 2024، وليس في دبي، حيث يفضل عدد كبير من المغتربين الظروف المعيشية والتسامح متعدد الأوجه.
في وقت سابق، اجتذب مهرجان للموسيقى الإلكترونية في الرياض ومهرجان سينمائي آخر في جدة جمهوراً كبيراً، سعودياً وأجنبياً، مع تسامح ملحوظ مع الأنشطة التي كانت تعتبر حتى الآن "غير مشروعة".
المشروع المستقبلي لمدينة نيوم العملاقة، في شمال غرب شبه الجزيرة العربية، سيربط هذه "عاصمة الذكاء الاصطناعي والترفيه" بجسر عملاق مع الشاطئ المصري للبحر الأحمر. أما بالنسبة لموقع العلا المجاور، وهو الموقع السعودي للبتراء، فهو يوفر موارد سياحية أعلى بكثير من صحراء الإمارات الخالية جداً.
التناقضات الجيوسياسية
وتستند هذه الاتجاهات الثقيلة إلى التناقض بين الواقع الديموغرافي لشبه الجزيرة العربية، حيث يمثل المواطنون ثلثي السكان البالغ عددهم 35 مليون نسمة، والإمارات، حيث لا يمثلون سوى عُشر السكان البالغ عددهم 10 ملايين نسمة.
يمكن لمحمد بن زايد أن يجرّد نفسه تماماً من رأي مواطنيه، الذين هم أيضاً أقلية متطرفة على أراضيهم حيث لا يستطيع محمد بن سلمان، على الرغم من استبداد نظامه، تحدي شعور الأغلبية في بلاده دون عقاب.
وظهر هذا التناقض عندما اختتمت الإمارات، أول "سلام ساخن" بين دولة عربية و"إسرائيل" ببرنامج طموح للتعاون الاستراتيجي.
وعلى الرغم من تفاخر إدارة ترامب وما كشفت عنه الصحافة الإسرائيلية، حرصت السعودية على عدم السير في هذا المسار، متمسكة رسمياً بدعمها للقضية الفلسطينية، بينما تواصل علاقاتها غير الرسمية مع "إسرائيل".
بالمقابل، فرض محمد بن سلمان على نظيره الإماراتي، في كانون الثاني/يناير 2021، رفع الحصار الذي فرضوه معاً، في حزيران/يونيو 2017، على قطر، وبالتالي استعادة ما يشبه الوحدة بين الأنظمة البتروملكية.
وبدأ محمد بن زايد، الغاضب من إجباره على المصالحة مع عدوه اللدود في الخليج، في اندفاع دبلوماسي متهور: فقد أرسل شقيقه إلى دمشق في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 لإعادة تأهيل العلاقات مع سوريا هناك، وبعد فترة وجيزة سافر بنفسه إلى أنقرة من أجل أن ينشئ مع الرئيس إردوغان صندوقاً بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمارات الإماراتية في تركيا.
وزار رئيس الدولة التركي للتو أبو ظبي وسط ضجة كبيرة. مثل هذه التقلبات جعلت محمد بن سلمان يسير على قدم وساق في كل مرة، على الرغم من أنّ السعودية لا تزال هي الوحيدة التي تعثرت في اليمن، والتي انسحبت منها الإمارات في عام 2019، حتى لو كان ذلك يعني دعم القوى المعارضة لأهداف الرياض، بدءاً بالانفصاليين، في الجنوب.
لا مصلحة للرجلين الخليجيين القويين في هذه المرحلة في نشر خلافاتهما في الساحة العامة، لكن وقت تعاونهما المربح للجانبين قد انتهى بالفعل.
المصدر: لوموند الفرنسية