بعد قطيعة 4 سنوات، أجرى ولي العهد السعودي مقابلة مع قناة أميركية. كان الأمر ليبدو أكثر تشويقاً لو أن اللقاء كان على إحدى القنوات التابعة للبيت الأبيض في ظل توتر العلاقات بين الجانبين. لكن ظهور محمد بن سلمان، على القناة التلفزيونية الأكثر تطرفاً للرئيس السابق دونالد ترامب والتي كان يمتلك الوليد بن طلال أكثر من 7% من الأسهم فيها، ليس أمراً مغرياً. إذ إن التقرير الذي جاءت في سياقه المقابلة الحصرية، وفّر مساحة كافية ليوصل بن سلمان رسائله، ولم يأل جهداً لتحسين صورة المملكة وتقديم مدينة نيوم على أنها "معجزة اقتصادية" بعد ان كانت حتى الأمس القريب "مدينة أشباح" بنظر الإعلام الأميركي تحديداً.
للمرة الأولى، يختار محمد بن سلمان اللغة الإنجليزية لإجراء مقابلة كاملة، تماهياً مع الإطار التسويقي الترويجي الدعائي للمملكة بنسختها "الأكثر انفتاحاً". بدأ باير حديثه بعرض ما سمعه من المواطنين السعوديين الذي وصفوا بن سلمان بالقائد "ذي البصيرة"، على الرغم من علم المقدّم نفسه، أن لا أحد قادر على تحمّل ثمن ابداء الرأي، وعقوبته القتل تعزيراً. وهي العقوبة التي "يخجل بها ولا يحبها ولا يملك سلطة لتغييرها" بن سلمان وفق ما قال في حديثه رداً على سؤال حول الإعدام في البلاد. وقال ولي العهد أنه لا يستطيع استخدام منصبه لتغيير القوانين التي لا يوافق عليها: "نحن نبذل قصارى جهدنا...لكننا لسنا سعداء ونحن نخجل من ذلك. لكن في ظل نظام هيئة المحلفين، عليك اتباع القوانين ولا يمكنني أن أقول للقاضي أن يفعل ذلك ويتجاهل القانون". ورداً على سؤال حول مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، قال بن سلمان إنه يقوم بإصلاح النظام الأمني في المملكة للتأكد من عدم حدوث هذا النوع من "الخطأ" مرة أخرى.
وفي إطار الحديث عما تتطلع الرياض إلى تحقيقه في المرحلة المقبلة خاصة بما يتعلق بالممر الاقتصادي الذي أعلن عنه على هامش قمة العشرين الأخيرة، والذي يفترض ربطاً بالسكك الحديدية بين كيان الاحتلال وبين السعودية عبر الأردن، نفى بن سلمان صحة تقارير تفيد بإيقافه محادثات تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مؤكدا أنهم يقتربون كل يوم من التطبيع. وتابع: "في حال نجحت إدارة بايدن بأن تعقد اتفاقاً بين السعودية وإسرائيل، فسيكون أضخم اتفاق منذ انتهاء الحرب الباردة (1947-1991)".
وعلى الرغم من تشديد بن سلمان على اهتمامه بالقضية الفلسطينية، إلا أن الاتفاق على مختلف البنود العالقة في الصفقة قد يفرض بالضرورة غض الطرف السعودي عن هذا الأمر، أو أن يأتي "دعم القضية" على شاكلة تمكين السلطة في رام الله لتعزيز دورها في التنسيق الأمني وبالتالي التضييق على المقاومين لا مساندتهم، خاصة مع اهتمام بن سلمان بالتوصل إلى حل "يعيد إسرائيل كعنصر في الشرق الأوسط". مع تأكيده على ان العلاقات المستقبلية بين السعودية وكيان الاحتلال لن تتأثر بمن يدير إسرائيل سواء رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو أم غيره.
لم يخف بن سلمان قلقه أيضاً من امتلاك ايران قدرات نووية. لكن ما كانت الرياض تعمل عليه لإحباط تقدم طهران بمختلف المجالات العملية والاقتصادية وغيرها عبر افتعال الأزمات الداخلية في ايران وآخرها المشاركة في الحرب التركيبية عقب وفاة الشابة مهسا أميني، باتت تصرّح به علانية. اذ أكد بن سلمان على أن حصول إيران على سلاح نووي يعني حصولهم على واحد أيضاً "الأمر يتعلق بموازين القوى في الشرق الأوسط"، على حد تعبيره.
— ZaidBenjamin زيد بنيامين (@ZaidBenjamin5) September 20, 2023
وكان من اللافت تهرب بن سلمان من الإجابة على سؤال حول المفاوضات الأخيرة التي جرت في الرياض مع الوفد اليمني، وذهب للإجابة بشكل فضفاض عن سياسة المملكة الخارجية تجاه عدد من الدول كلبنان والعراق وبقية دول المنطقة.
تعد هذه المقابلة هي الأولى مع قناة إخبارية أميركية منذ 2019، عندما أجرى البرنامج الشهير "60 دقيقة" على قناة "سي بي إس" الأميركية مقابلة مع بن سلمان. فهذه القطيعة التي عززها تورط الأخير بمقتل خاشقجي، تركت أثرها على عدد من الملفات، ليس فقط على العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، بل على صورة المملكة دولياً. ويمكن القول ان بن سلمان، أراد من هذه المقابلة أن يدخل مرة أخرى من الباب الذي أغلق في وجهه.