في حربها إلى جانب كيان الاحتلال، تواجه الولايات المتحدة تحديات لا تقل تعقيداً عن تلك التي تفرضها المقاومة الاسلامية في فلسطين ولبنان. بل على ما يبدو، أن اي من الخيارات المطروحة لديها، متصلة بشكل وثيق مع واقع كانت واشنطن قد اختارت سابقاً تجميده على معالجته. ولعل الملف اليمني هو المعضلة الأبرز الذي يلقي بثقله على مسارين هما الأشد وطأة على البيت الأبيض: البحر الأحمر، وعدم الاستجابة الدولية والسعودية تحديداً، لدعوات الانضمام إلى التحالف البحري "حارس الرخاء".
تفضل السعودية مراقبة التطورات الأخيرة من بعيد. وترى التوصل إلى اتفاق سلام مع صنعاء هو الأمر الأكثر الحاحاً من وقوف قواتها إلى جانب واشنطن في حربها. وبحسب ما تشير مصادر تحدثت لصحيفة نيويورك تايمز، فإن "ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، غير مهتم بالانجرار مرة أخرى إلى صراع مع الحوثيين". وتضيف الصحيفة أن "عودة الصواريخ الحوثية التي تحلق فوق الرياض أو تضرب البلدات السعودية الجنوبية هي آخر شيء يحتاجه بن سلمان في سعيه لإقناع السياح والمستثمرين بأن المملكة مفتوحة للأعمال التجارية". وهذا ما سيضر بخطته المزعومة لمحاولة تحويل المملكة إلى مركز تجاري عالمي بحلول عام 2030.
"التصعيد ليس في مصلحة أحد"، قال فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، في مقابلة تلفزيونية خلال الايام الماضية. نحن ملتزمون بإنهاء الحرب في اليمن وملتزمون بوقف دائم لإطلاق النار يفتح الباب أمام عملية سياسية". وتقول الصحيفة أن هذا التصريح يأتي ضمن "الاستراتيجية السعودية الجديدة في اليمن، التي تميل بعيداً عن العمل العسكري المباشر ونحو تنمية العلاقات مع الفصائل اليمنية، مدفوعة بحقيقة أنه بعد ثماني سنوات من الحرب، انتصر الحوثيون فعلياً".
أمام هذا الواقع، فإن المهمة التي حملتها واشنطن على عاتقها بوقف الهجمات في البحر الأحمر باتت ثقيلة، في ظل عدم قدرتها على رفد التحلف بالدعم الدولي المتوقع، خاصة بعد انسحاب إسبانيا وفرنسا وإيطاليا منه، وخفض هولندا والنرويج وأستراليا مشاركتها فيه.
يرى خبراء أن تحالف "حارس الازدهار" الذي تقوده الولايات المتحدة "لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر من الهجمات اليمنية"، لا يحظى بدعم إقليمي لشن حرب محتملة في اليمن، مؤكدين أن الهدف الأساسي من التحالف هو "حماية إسرائيل". وبالتالي، فإن استمرار العمليات سيبقى واقعاً مفروضاً. حيث أكد المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد، يحيى سريع، يوم أمس، أن القوات البحرية، استهدفت السفينة التجارية "سي يونايتد" بصواريخ بحرية مناسبة بعد رفضها 3 نداءات تحذيرية، مشيراً في بيان إلى أن القوات اليمنية قصف أيضاً أهدافاً عسكرية في منطقة أمّ الرشراش (إيلات) ومناطق أخرى في فلسطين المحتلة بعدد من الطائرات المسيرّة.
وفي السياق، نقلت وسائل إعلام خليجية عن مصادر مطّلعة إن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً على المملكة لردعها عن توقيع اتفاق مع صنعاء. ولأجل ذلك، تعتمد إدارة بايدن سياسة الترغيب في ظل عدم الرغبة السعودية في خوض مواجهة عسكرية. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين كبار قولهم إنّ قرار مهاجمة صنعاء لم يُتّخذ بعد، مشيرة إلى ان ذلك يعود إلى الخوف من تجدّد القتال بين السعودية واليمن في هذه المرحلة التي تحاول فيها الولايات المتحدة تجنّب تحويل الحرب في غزة إلى صراع إقليمي أوسع.
وضمن هذا الإطار، يأتي البيان الذي أصدره مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، والذي بدا بعيداً عما تم الاتفاق عليه بين الجانبين السعودي واليمني. اذ اعتبر هذا البيان بياناً مفخخاً ببعض المصطلحات التي كانت صنعاء قد عبرت عن رفضها لها، كاعتبار الرياض وسيطاً لا طرفاً في الحرب.
الكاتب: مريم السبلاني