بعد تسلّم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، زمام الحكم في المملكة، شهدت العلاقات السعودية- الإسرائيلية تحولاً هاماً، جعل التوقع بقرب توقيع اتفاقية التطبيع بين الجانبين أمراً وارداً. في حين طرحت الصحيفة العبرية "نظرة عليا" إشكالية جدلية إذا ما كان ذلك يرتبط بالولايات المتحدة او بالعلاقة مع فلسطين. مشيرة إلى ان 80% من السعوديين يرفضون توقيع اتفاقية التطبيع مع كيان الاحتلال، على خلاف ما يسوّقه النظام السعودي.
النص المترجم:
زيارة الرئيس بايدن إلى إسرائيل والسعودية في تموز 2022 رفعت مسألة تطبيع العلاقات بين الجانبين إلى جدول الأعمال مرة أخرى. كان واضحاً منذ 2020 أن الرياض تعمل ما يشبه التطبيع الزاحف لتهيئة التربة بمسيرة يتاح في نهايتها انفتاح متزايد من جانبها تجاه إسرائيل. في الزمن الذي انقضى، تغيرت الإدارة في الولايات المتحدة، وبدأت بينها وبين إيران مفاوضات للعودة إلى الاتفاق النووي. وفي إسرائيل حكومة مختلفة، وتعمقت العلاقات بينها وبين دول مركزية في المنطقة في إطار اتفاقات السلام. وهي تطورات تؤثر على موقف السعودية من العلاقات مع إسرائيل.
تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة مصلحة سعودية عليا ترتبط بمكانة بن سلمان في الداخل. في السنوات الأخيرة بدا شك في أوساط النخبة السعودية بخصوص استعداد الولايات المتحدة للوقوف إلى جانبها عندما تتهدد المصالح السعودية، ولا سيما بالنسبة لإيران. ربما أبقى السعوديون على حلول وسط محتملة مع إسرائيل كمقابل على تغيير النهج تجاه المملكة من جانب واشنطن، يتضمن ضمانات تجاه إيران وفتح صفحة جديدة مع بن سلمان، الذي يرغب في تثبيت شرعية لحكمه. وعليه، يجب أن ننتظر لنرى هل ستتحقق التفاهمات التي توصلت إليها الولايات المتحدة والسعودية عند زيارة الرئيس بايدن إلى المملكة: فالرسالة المركزية التي سعى الرئيس بايدن لنقلها في قمة الزعماء (مجلس التعاون زائد 3) التي انعقدت في تموز 2022 في أثناء زيارته إلى السعودية، كانت أن الولايات المتحدة تعود لتأخذ لنفسها دور القيادة، بل والوساطة الإقليمية، على حساب الصين وروسيا اللتين عملتا في السنوات الأخيرة على تعزيز سيطرتهما في المنطقة. وقد التقطت هذه الرسالة بشك من جانب الأنظمة العربية غير المقتنعة بأن واشنطن استوعبت أزماتها الاستراتيجية، وأساساً بالنسبة لإيران، وأنها مستعدة للاستثمار في حماية مصالحها. في نظرها، تعكس الرسالة التي نقلها الرئيس بايدن مصلحة أمريكية فورية الحاجة إلى تلطيف حدة أسعار النفط. لا يزال طلب السعوديين إعادة إطلاق علاقاتهم مع الولايات المتحدة في ظل زيادة التعاون الأمني وتلقي ضمانات أمريكية في السياق الإيراني، كشرط لتعاونهم في لجم سعي إيران لتوسيع وجودها في المنطقة. لإسرائيل مصلحة في التوجه العربي المؤيد لأمريكا؛ لأن العلاقات بين الدول العربية وواشنطن تؤثر مباشرة على قدراتها/استعدادها للتقدم في التطبيع مع إسرائيل.
المسألة الفلسطينية في آذار 2022 قال بن سلمان إن "إسرائيل لا تعتبر عدواً بل حليف محتمل… وإن كان عليها قبل ذلك أن تحل المشاكل مع الفلسطينيين". بالمقابل، فإن أباه، الملك سلمان، يتبنى موقفاً تقليدياً أكثر تجاه إسرائيل ومسألة النزاع، وهو يربط بين التطبيع مع إسرائيل وبين استيفاء إسرائيل لمقاييس مبادرة السلام العربية. عشية زيارة بايدن إلى المملكة، شدد وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، على التزام القيادة السعودية لتنفيذ مبادرة السلام العربية وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية: "أوضحنا بأن السلام يأتي في نهاية المسيرة، وليس في بدايتها". نشدد هنا على أن هذا الموقف يبقي للمملكة مجال مناورة لخطوات تطبيع بطيئة وبحجم صغير، قبل حل كامل مع الفلسطينيين. قد ترغب في أن ترى، وبالتأكيد، كشرط لعلاقات رسمية مع إسرائيل على الأقل بداية حوار إسرائيلي – فلسطيني، وكان كحجة غبية للتقرب المقونن من إسرائيل. قد يعبر التغيير الذي تنطوي عليه الرسائل عن الرغبة في الحفاظ على مجال مناورة، فيما تصريحات بن سلمان موجهة بقدر أكبر إلى الرأي العام الأمريكي. في كل حال، قد ترفع احتمالات التطبيع مع إسرائيل في مرحلة ما بعد سلمان، وفي الوقت نفسه هناك علاقة بين موقف بن سلمان وفهمه لمعنى التقرب من إسرائيل، والشرعية الداخلية لتعيينه.
تغيير داخلي مطلوب– فضلاً عن السياسة الداخلية في السعودية، يثور السؤال: كم هو المجتمع السعودي، المحافظ في معظمه، منفتح على التطبيع مع إسرائيل؟ في السنوات الأخيرة، باستثناء بعض النقد، عرف المجتمع السعودي كيف يحتوي خطوات تغيير اجتماعية واقتصادية ذات مغزى. ومع ذلك، لا يستخلص من هذا أن إعلان العلاقات مع إسرائيل، وبالتأكيد على اتفاق تطبيع معها، سيحظى بدعم كهذا، ولا سيما في أوساط التيارات السلفية التي لا تزال لها مكانة ذات مغزى. ومع وجود خطاب تسامحي أكثر تجاه اليهودية غايته فحص رد فعل الشارع وبث رسائل التعايش في الخطاب الجماهيري، لكنه جهد اصطدم بالنقد، وإن كان من سعوديين في الخارج، في معظمهم من معارضي النظام، وليس من المواطنين الذين يتجنبون التعبير عن آراء تتعارض ومواقف الأسرة المالكة. أما الرأي العام فبقي في معظمه ضد التطبيع مع إسرائيل. فحسب استطلاعات الرأي العام التي نشرت مؤخراً، فإن نحو 80 في المئة من مواطني المملكة يعارضون اتفاقات إبراهيم، وإن كان هناك انفتاح ما على العلاقات التجارية مع الإسرائيليين. على أي حال، فبقدر ما يشعر بن سلمان أن بوسعه التحكم بالخطاب الجماهيري، ستزداد ثقته في اتخاذ الخطوات للتقرب من إسرائيل.
مكانة في العالم الإسلامي– هذا الموضوع مصلحة عليا للسعودية، التي قد تتضرر من النقد تجاهها من قبل محافل، مثل إيران، تسعى لتوظيف الموضوع الفلسطيني وتناكفها بواسطته. تحسين علاقات المملكة مع قطر وتركيا كفيل بتلطيف النقد الخارجي على تحسين العلاقات بينها وبين إسرائيل، بسبب وزن المملكة في العالم الإسلامي، والاتفاق معها سيمنح "تسويغاً دينياً" للعلاقات مع إسرائيل، بل قد يسمح لإسرائيل بتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي بأسره.
يبدو أن السعودية ستتدرج بتهيئة الأرضية لانفتاح أكبر في العلاقات مع إسرائيل، وإن كان في نموذج مختلف عن نموذج اتفاقات إبراهيم، سواء في عمق الانفتاح أو في وتيرة التغيير. وفقاً للسياسة السعودية، في أثناء زيارة الرئيس بايدن إلى الشرق الأوسط، أعلنت سلطة الطيران السعودية بأنه تبعاً لميثاق شيكاغو في 1944 ستسمح من الآن فصاعداً للطائرات الإسرائيلية المرور في سمائها. وقد صيغ البيان بشكل غامض، وعرض كحاجة وطنية اقتصادية لتحسين الارتباطات الجوية للمملكة، وإنه عملياً توسيع لترخيص موجود للطائرات الإسرائيلية في المجال الجوي السعودية إلى الإمارات والبحرين. ومع ذلك، شدد نائب السفير السعودي إلى الأمم المتحدة، محمد العتيق، في مجلس الأمن الذي بحث في الموضوع الفلسطيني، على أن إعطاء إمكانية للطائرات الإسرائيلية للمرور في المجال الجوي للمملكة ليس خطوة في اتجاه التطبيع. وثمة خطوة أخرى يراها البعض ترتبط بالتطبيع، وهي الاتفاق السعودي الأمريكي على مغادرة قوة المراقبين متعددة الجنسيات في سيناء جزيرتي تيران وصنافير (اللتين أعادتهما مصر إلى السيادة السعودية في 2017) ونصب كاميرات تملأ مكان القوة، تواصل ضمان حرية الملاحة في مضائق تيران.
الاستنتاج من المسيرة التي أدت إلى اتفاقات إبراهيم هي أنه نظراً للحافز والضغط المناسبين، فإن دول الخليج كفيلة باتخاذ خطوات تخرج عن الإجماع العربي، وكذا عن مواقفها في السياق الفلسطيني. وعليه، قد تدفع الرياض بعلاقاتها مع إسرائيل قدماً دون صلة مباشرة بالتقدم في القناة الإسرائيلية الفلسطينية، بل بالنسبة للمقابل الذي تحصل عليه من الولايات المتحدة. وبالفعل، ثمة أهمية حاسمة للعلاقات بين واشنطن والرياض، بل وأكثر من هذا، للإنصات الأمريكي والقيادة الأمريكية للتطبيع في الشرق الأوسط.
إن استمرار وتوسيع اتفاقات التطبيع القائمة مهمة للعلاقة بين إسرائيل والسعودية؛ لأنهما سيمنحان تسويغاً لانضمام متأخر لها. لكن البقاء في الخلف والمساعدة من خلف الكواليس لتحسين علاقات إسرائيل مع دول عربية وإسلامية أفضل للرياض في هذه المرحلة. أما الدفع للتقدم في العلاقات وتحويله إلى مسألة سياسية – إسرائيلية داخلية، مثلما حصل حول زيارة الرئيس بايدن إلى الشرق الأوسط، فسيخلق توقعات غير واقعية، وسيزيد الضغط على السعوديين ويمس بالمسيرة. رغم أن السعودية تجتاز تغييرات اجتماعية – ثقافية لا بأس بها في السنوات الأخيرة، بقيت مسألة العلاقات مع إسرائيل بالنسبة لها مرتبطة بمكانتها بل وباستقرارها. وعليه، فإن اتفاق تطبيع كامل في الوقت الحالي مع المملكة يعتبر خطوة بعيدة أكثر مما ينبغي.
المصدر: نظرة عليا
الكاتب: يوئيل غوجنسكي