تتزايد أزمة عدم الثقة بين قيادات "الانتقالي" وحزب "الإصلاح" وتُترجم على شكل مواجهات عسكرية في الميدان، مع كل تقدّم تحققه قوات الجيش واللجان الشعبية على تخوم مأرب، فالانتقالي المدعوم من الإمارات لطالما اتهم "الإصلاح" المحسوب على السعودية "بالخيانة"، لا سيما بعد شعوره بأن الأخير يسعى لعقد اتفاق "تحت الطاولة" مع قوات صنعاء، بغية "بيعهم" مأرب مقابل الحفاظ على بعض مصالحهم النفطية في المدينة، هذا الاتهام يقابله اتهام مضاد يطلقه معسكر الإصلاح حول وقوف الانتقالي وراء عمليات اغتيال قيادته العسكرية العليا، معتبراً ان هذا الفعل "لا يقل أهمية وخطورة عن تقدّم قوات صنعاء في مأرب".
هذه الأزمة بلغت ذروتها عقب مقتل عبد الله الحاضري أحد أبرز قيادات الاصلاح المقربة من علي محسن الأحمر، وعدد من القيادات الأخرى، خاصة بعد تسريب بعض المعلومات حول ان العملية قد تمّت بعد قيام بعض "المتعاونين" من ميليشيات هادي، بتزويد قوات صنعاء بإحداثيات دقيقة عن تحرك الوفد الذي أتى إلى محيط مأرب بهدف رفع معنويات جنوده، فتم استهدافه بصواريخ حرارية قبل أن يصل، الأمر الذي اعتبره الانتقالي تَعدّيًا على الخطوط الحمراء، وخيانة لا يمكن السكوت عنها.
لم يستطع أحدٌ من الطرفين ان يأتمن الطرف الآخر، حتى اتفاق الرياض الذي عقد في السعودية عام 2019 للتسوية بين الطرفين، لم يُبدد الخلافات ولم يكن بمقدوره الحفاظ على هذه "الشراكة" الهشّة، التي ظهرت جليًا بعد قيام الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي مؤخراً، بإقالة قائد القوات الخاصة فضل باعش من منصبه، الأمر الذي اعتبره الانتقالي على لسان الناطق باسمه علي الكثيري "نحر لاتفاق الرياض" وهو قرار "لا يساوي الحبر الذي كُتب به ولا يمكن تنفيذه إلا في وسائل التواصل الاجتماعي".
هذا الاتفاق الذي لم يجمع الطرفين على طاولة واحدة طيلة فترة المفاوضات، لا شك انه أُبرم بضغط سعودي، وما الخلافات التي باتت تترجم عسكرياً على الأرض إلا نتيجة لازدواجية الأجندات التي يتطلع كل منهما لتحقيقها.
كثيرة هي نقاط التوتر بين الإصلاح والانتقالي أدوات المشروع السعودي والاماراتي، ويترجم ذلك بالمواجهات العسكرية المباشرة أحياناً، بهدف بسط النفوذ والاستحواذ على أكبر عدد من المناطق، وتعتبر محافظة شبوة ميدان الصراع، ومحورَا من محاور الخلاف بين الجانبين، حيث يسعى كل منهما للسيطرة عليها.
أهمية محافظة شبوة
تتمتع محافظة شبوة بالنسبة لطرفي الصراع بأهمية سياسية-عسكرية واقتصادية كبرى، توازي أهمية محافظة مأرب، وهي بمنزلة العقبة امام المجلس الانتقالي في فرض سيطرته على المحافظات الجنوبية الشرقية، المهرة وحضرموت.
تكمن أهمية المحافظة في مواردها الطبيعية، فهي تضم حقولاً ومنشآتٍ نفطية تنتج حوالي 50 ألف برميل يومياً على الأقل، وميناءين استراتيجيين لتصدير النفط والغاز، وأكبر شركة لتسييل الغاز في البلاد، إضافة لكونها محاذية للبيضاء ومأرب والمحافظات الشمالية الكبيرة التي تتمتع بأهمية أيضاً، كما تؤمن السيطرة على أبين وعدن والضالع ولحج.
مصادر مطلعة قالت ان هناك ترابطاً وثيقاً بين شبوة ومأرب، وهو السبب وراء تصدع نفوذ قوات هادي، على اعتبار ان إضعاف مأرب من قبل الجيش واللجان الشعبية، ووضع يد الانتقالي على شبوة، سيجعل قوات "حكومة هادي" تواجه تهديدين في آن واحد، وأن سقوط كلا المنطقتين يعني ان ما يوصف ب"الشرعية" قد انهارت برمتها، بعد ان تتوزع دائرة النفوذ بين المجلس الانتقالي في الجنوب، والجيش واللجان الشعبية في الشمال. في ظل انشغال قوات هادي في معركة مأرب، فهذا يعني أن جهدها العسكري والسياسي والأمني والاقتصادي يُستنزف في اتجاه الهدف الرئيس في المعركة هناك، والذي ينتج عنه خلل في الموازين على أرض الميدان، وقد يؤدي الى خروج هادي من المشهد العسكري والسياسي، الأمر الذي يستغله الانتقالي في تحقيق مكاسب عملية في مختلف المناطق.
لا يريد الإصلاح أن تكون معركة مأرب هي المعركة الأخيرة، رغم أنه قد مُنيَ هناك بهزيمة يؤجل الاعتراف بها، حيث وجّه قسماً من قدراته العسكرية نحو محافظتي أبين وشبوة، بهدف مقارعة الانتقالي، ومحاولة استرجاع السيطرة على بعض المناطق، الأمر الذي سيُضعف قدراته في مأرب، ويسبّب تراجعاً في حماسة الكثير من المقاتلين، للانضمام إليه على اعتبار انه "يعمل لحسابه الخاص ولمصلحة قياداته" كما يقول مراقبون.
يرى المجلس الانتقالي ومن خلفه الاماراتيون ان هادي وحكومته ليسوا في موقع مسؤولية لقيادة دفّة الحكم، حتى بات الحديث ان التحالف لم يعد متمسكاً به، وقد طرح فكرة التخلي عنه كورقة تسوية على طاولة المفاوضات.
هذه الصراعات والمواجهات الميدانية التي تشهدها مناطق الجنوب اليمنية، وفي الساحات التي يسيطر عليها كل من المجلس الانتقالي وقوات هادي ، أدوات الرياض وأبو ظبي في اليمن، هي ترجمةٌ واضحة لحجم الخلافات المتعاظمة داخل التحالف السعودي الاماراتي، حيث يشهد تصدعًا غير مسبوق يومًا بعد آخر.
الكاتب: غرفة التحرير