معركة أخرى يخسرها التحالف العربي بقيادة الرياض في اليمن، فبعد خسائره العسكرية المتتالية في تحقيق أهداف الحرب التي شنها طيلة 6 سنوات، تستمر السعودية في الإخفاق بإدارة المناطق التي تسيطر عليها جنوب البلاد، حتى باتت أخبار الكوارث الإنسانية والفلتان الأمني، وأجواء الحرب الأهلية تهيمن على المشهد الجنوبي، وتتصدر وسائل الاعلام والصحف، وفي الوقت نفسه تستمر طائرات التحالف باستهداف المدنيين والبنى التحتية في هذا البلد.
السعودية: إهمال اقتصادي لمدن الجنوب
تستمر الرياض بتمويل الحرب، ودفع تكاليفها الباهظة، ولا أموال تصرفها لتسوية أوضاع المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها منذ سنوات لا سيما عدن وحضرموت، حتى باتت منكوبة على جميع الصعد، الأمنية والصحية والاجتماعية والاقتصادية..
وقد شهدت المدن الجنوبية تكرارًا مظاهرات احتجاجية على سياسة الرياض في التعامل معها، والتي غالبًا ما كانت تنتهي باشتباكات بالرصاص الحي بين بعض المتظاهرين و "رجال الأمن" الموالين للتحالف،وتؤدي الى خروج الوضع الامني عن السيطرة، حتى بات الجنوب اليمني أكثر المناطق غير الآمنة في اليمن.
وهذا عرض لأبرز الملفات التي أخفقت السعودية في معالجتها في جنوب اليمن:
1- الملف الأمني: مع تعدد الجهات والمجموعات التي تستلم إدارة هذه المناطق، ومع المشاكل المتزايدة والتناحر بين الامارات والسعودية، حيث تمركزت قوى "الشرعية" في شبوة وحضرموت، واستأثر "الانتقالي" بعدن، وشكلت أبين خط التماس بينهما، دفع اليمنيون ثمن المواجهات المستمرة بين الطرفين، وهذا ما أحدث تفلتًا أمنيًا خطيرا في هذه المناطق ينذر باندلاع حرب أهلية فيها.
2- الملف الاقتصادي والمالي: عرقلت الجهات المسيطرة على هذه المناطق عمل جميع مؤسسات الدولة، الأمر الذي زاد من حدة معاناة المواطنين، ومنيت بفشل ذريع في إدارة الملف المالي خاصة، كان من أبرز نتائجه استمرار تدهور العملة الوطنية أمام الدولار حيث سجلت هذه المناطق في تداولات الأسابيع الأخيرة نسبة تصل إلى 400%، إذ وصل سعر الدولار الواحد في عدن إلى 920 ريالًا للبيع مقابل سعر صرف 241 ريالًا للعملة السعودية.
ويعود السبب وراء ذلك استمرار هذه الجهات بطباعة العملة لعجزها عن صرف رواتب الموظفين والمحافظات نتيجة الفساد المستشري، واستمرار نافذيها بالاستيلاء ونهب عائدات النفط والموانئ وغيرها من إيرادات الدولة، وقد قوبل هذا الانهيار باستياء شعبي في عدن والمحافظات والأخرى من التحالف السعودي وميليشياته وأعوانه.
خبراء اقتصاديون حذروا من تبعات تلك السياسات التدميرية لبنية الاقتصاد في جنوب البلاد، في ظل عجز "الحكومة الشرعية" والمصرف التابع لها عن تثبيت سعر الصرف ووضع حد للانهيار المتواصل للعملة وفشلهما الذريع في السيطرة على سوق العملة، والأسواق السوداء.
ومع استمرار وصول "حاويات الأموال" المطبوعة على الموانئ الخاضعة للتحالف متسببة بإغراق السوق بالنقد دون وجود غطاء من الاحتياطات الدولية.
3-الملف الإنساني: يتدهور الوضع الإنساني بوتيرة تتصاعد يوميًا في مناطق الجنوب، فيما يبدو كأنه عمل ممنهج لكثرة المخالفات والتجاوزات والكوارث الإنسانية والطبيعية التي تحصل، فبعد انهيار المنازل بسبب السيول، لا تعويضات حصل عليها أهالي تلك المناطق، لا مستشفيات ومراكز صحية تأوي المصابين بالأمراض المنتشرة (كورونا، حمى الضنك، وباء الملاريا وغيرها من الأمراض المعدية..) إضافة للكوارث الإنسانية الأخرى التي تأتي في مقدمتها "موت الأطفال بسبب الجوع".
وما يزيد الأزمة استفحالاً هو سوء الإدارة، بل والمساهمة في ترسيخها من خلال: انتشار الجريمة ومنظمات السطو على الأملاك العامة، الاعتداءات على الأملاك الخاصة والبناء عليها بشكل عشوائي يهدد السلامة العامة والمعالم التراثية للمنطقة، فقد نتج عن "تفلت" الادارة وسوء التعامل معها تهديد الأمن الغذائي والدوائي، تجفيف الموارد الملية عمدًا، التحكم في تحصيل الضرائب المالية من خلال ميليشيات التحالف وأدواته.
هدوء وثبات امني واقتصادي في الشمال
في المقابل، تتمتع مناطق الشمال اليمني بهامش لافت من الأمن الاجتماعي والاقتصادي فقد نتج عن السياسات المتبعة لحكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء في تحقيق استقرار سعر صرف للعملة الوطنية اليمنية، ووضع حد للانهيار المتواصل، خاصة قرارها الذي يقضي بحظر التعامل بفئات العملة غير القانونية أو حتى حيازتها.
وقد حافظ الريال اليمني على قيمته في صنعاء عند 598 ريال أمام الدولار للبيع، و596 للشراء.
وهذا ينعكس إيجابًا على الأوضاع الخدماتية والاجتماعية في هذه المناطق، مع المحاولات الحثيثة والجهود العظيمة التي تبذل لأجل تسوية أوضاع المواطنين اليمنيين مع ضحالة الإمكانيات والفرص والحصار السعودي الاماراتي الخانق إلا ان حكومة صنعاء تحارب حتى الرمق الأخير، وتقدم نموذجًا وتجربة في إدارة الحكم والبلاد في أحلك الظروف التي تمر على اليمنيين.
أما في الجنوب، وعلى الرغم من سيطرة التحالف على المنشآت الحيوية، وإحكام السيطرة على منافذ الحدود وإدارة المؤسسات العامة، والدعم الغربي الكبير الذي استمر طيلة سنوات، لم تستطع السعودية والإمارات من تخفيف معاناة اليمنيين في المناطق التي تسيطران عليها، بل أمعنت في زيادة الأوبئة والفلتان الأمني، وارتفاع معدل الجريمة، وهذا ليس بالأمر المستغرب، فمن يلقي نظرة على الأهداف التي كانت يتطلع التحالف لتحقيقها، ويرى الفشل الذي مُني به بعد 6 سنوات، يعلم حجم التخبّط والاخفاق التي تعاني منها هذه الجماعات والميليشيات الموالية للتحالف وسوء إدارتها.
الكاتب: غرفة التحرير