محمد حمدان دقلو، واحد من الشخصيات التي ألفتها الأنظمة العربية القائمة بغالبيتها على انقاض الحرب الأهلية أو الأزمات السياسية التي تنتج تجويفاً وخراباً متعمّداً بفعل خارجي. اذ ان دقلو المعروف باسم "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع، وصل إلى المعترك السياسي السوداني على خلفية نفوذه كـ "قائد ميليشيا" كان قد أسسها لحماية قوافله المتنقلة بين ليبيا وتشاد ومصر من قطّاع الطرق، الذي أصبح واحداً منهم: "قائد ميليشيا برتبة جنرال".
ولد محمد حمدان دقلو عام 1975 في ولاية شمال دارفور، ويعود أصله إلى قبيلة الرزيقات الهلالية التي لها عمق شعبي كبير في دارفور وتشاد وعدد من دول أفريقيا. تلقى تعليمه في الكتاتيب التقليدية، لكنه انقطع عن التعليم منذ عام 1991، وكان يبلغ من العمر 15 عاماً، لينشط بعدها في تجارة القماش والإبل وغيرها. ومع ازدياد عدد المجموعات المسلحة التي نظّمها لحماية قوافله ضمن مناطق سيطرة قبيلته، لفت انتباه القادة السياسيين في تلك الفترة، الباحثين عن توسيع نفوذهم عبر ضم القبائل لمواجهة "حالات التمرد" في دارفور، وهذا ما شكّل تحولاً في مسيرته. وهنا عرض لأبرز الأحداث التي عززت نفوذ حميدتي حتى أصبح أحد أهم الشخصيات المؤثرة في الساحة السودانية سياسياً وعسكرياً:
-استمر حميدتي باستقطاب أبناء القبائل لتعزيز نفوذ ميليشياته، خاصة أولئك الذين يعرفون بـ "الجندويد" -النواة الاساسية لتشكيل قوات الدعم السريع لاحقاً-. ومع اندلاع أحداث دارفور عام 2003، كان حميدتي مؤهلاً لقيادة "وحدات استخبارات الحدود" التي شُكلت من قوات شعبية متعددة، كان منها عناصر ميليشيا الأخير.
-عام 2007، جرى ضم قواته إلى جهاز المخابرات وعيّن عميداً.
-عام 2013، أعاد الرئيس السابق عمر البشير هيكلة القوات وأطلق عليها الاسم الحالي -قوة الدعم السريع-، وأصبحت بذلك كياناً رسمياً بقيادة حميدتي، الذي مُنح حينها صلاحيات ساعدته في الانخراط بشكل مباشر في معراك دارفور بل والقتال بدلاً عن القوات السودانية خلال عهد البشير.
زاد نفوذ دقلو خلال تلك الفترة وثروته أيضاً، حيث استولى على أكبر مواقع تعدين الذهب في دارفور، وبحسب الاحصاءات الرسمية فقد زادت مبيعات الذهب في البلاد عام 2017 بما يزيد عن 40%، وهذا ما أكسبه نوعاً من الاستقلال المالي وقوة خارج سيطرة الجيش، كان للدعم الخارجي بكافة أشكاله، دوراً بذلك.
-كان البارز خلال عام 2017، تطويد علاقات حميدتي مع عدد من الدول خاصة السعودية، مما أنتج العديد من التفاهمات والاتفاقيات غير المعلنة، كموافقة حميدتي على إرسال وحدات من قوة الدعم السريع إلى اليمن.
-بين عامي 2018 و2019، وبعد نقل قوات الدعم من تشكيلات المخابرات إلى القوات المسلحة، دعا حميدتي لاسقاط البشير وبدأت المفاوضات حول الفترة الانتقالية لدمج قواته بالجيش، وهي أحد أهم أسباب انفجار الأزمة واتخاذها منحى عسكري على الشكل الذي نشهده اليوم، والتي مرت بمراحل سابقة، كادت ان تشتعل فيها مواجهات عسكرية، كانت تخمد في اللحظة الأخيرة، بإشراف رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وعدد من أعضاء مجلس السيادة، التي تدخلت للمصالحة.
تبعت هذه المرحلة توقيع اتفاقيات وتفاهمات بين حميدتي والقائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، إلا ان ذلك لم يمنع وصول الأزمة إلى المواجهات العسكرية التي تشهدها السودان اليوم، خاصة مع انتظار عدد من القوى الاقليمية والدولية تاريخ 11 نيسان لتنفيذ أجندات معدة سلفاً بانتظار اللحظة المناسبة، كالامارات والسعودية وروسيا وإسرائيل إضافة للولايات المتحدة...
عراب التطبيع مع إسرائيل
يقول معهد واشنطن لدراسات الشرق الاوسط، في تقرير نشر في 26 أكتوبر عام 2020، أن المحرك الرئيسي لصالح التطبيع السريع هو الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف بلقبه حميدتي. وهو يقود قوات الدعم السريع ، وهي منظمة عسكرية قوامها 70 ألف فرد (وتشير تقديرات أخرى ان العدد قد تجاوز 120 ألف) ومنفصلة عن الجيش السوداني وانبثقت عن الميليشيات التي تشكلت خلال صراع دارفور الطويل. ويضيف "غالبًا ما يُلقى باللوم على هؤلاء المخالفين في ارتكاب فظائع، لكن حميدتي ينفي الاتهامات ولم يكن من بين المتهمين في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".
بينما ظل البرهان صامتًا بشأن التطبيع في الأماكن والمحافل العامة، قام حميدتي بحملة من أجل ذلك في التجمعات في جميع أنحاء البلاد، بحجة أن التعامل مع إسرائيل كان في مصلحة السودان. ويقول متابعون ان حميدتي كان بمثابة أداة إسرائيلية في البلاد طيلة الفترة الماضية، وقد برز ذلك من المغالاة البارزة في سلوكيات حميدتي والمقربين منه. وقد برز في اليومين الماضيين، تصريح مستشار حميدتي، يوسف عزت، خلال مقابلة مع قناة كان الإسرائيلية الذي قال فيه ان "ما نتعرض له (المعارك مع الجيش السوداني) تعرضت له إسرائيل آلاف المرات على أيدي المجموعات الإرهابية، مثل حماس وغيرها من المجموعات التي يعرفها المواطنون الإسرائيليون جيدا. هذا ما نتعرض له وسنتصدى له”.
وتقول صحيفة هآرتس العبرية، انه في 8 أكتوبر عام 2021، قبل ثلاثة أسابيع فقط من الانقلاب، قام وفد أمني سوداني برحلة سرية إلى تل أبيب، برئاسة القائد الثاني لقوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم حمدان دقلو، وضم الفريق ميرغني إدريس سليمان، من هيئة الصناعة العسكرية السودانية... وتابعت الصحيفة انه قبل عام، ورد أن دقلو التقى برئيس الموساد آنذاك يوسي كوهين في لقاء بوساطة الإمارات. في حين عنونت الصحيفة تقريرها " لا يمكن لإسرائيل تحقيق سلام حقيقي إلا مع السودان الديمقراطي، وليس مع قادة الانقلاب في الخرطوم". وقد كان من اللافت ذكر الصحيفة لانخراط إسرائيل "الحصري مع الجيش السوداني" وان ذلك "سيضفي شرعية على سعي الجيش للبقاء في السلطة ويضعف المكون المدني للحكومة".
صرّح دقلو أخيراً، ان قوة الدعم السريع، باتت تسيطر على 90% من البلاد. لكن حميدتي الذي باتت تنظر إليه إسرائيل بعين الشك بعد الاتفاق غير المعلن مع روسيا حول ميناء السودان، قد يواجه في المرحلة المقبلة واقعاً معقداً مع ازدياد عدد القوى الدولية التي ترى بالساحة السودانية المنقسمة صيداً ثميناً.
الكاتب: مريم السبلاني