يُجمع خبراء الكيان المؤقت العسكريون كما جنرالاته، على أن الحرب القادمة مع المقاومة الإسلامية في لبنان، ستكون حرباً مختلفة بكثير عن حروب الكيان السابقة. وهي ما نشهد صورة لها الآن خلال معركة ثأر الأحرار مع المقاومة في قطاع غزة، بحيث سيكون جوهرها: الدقّة في الاستهداف مع الفتك، الحرب في المناطق الحضرية، تجنب استهداف المدنيين الى أقصى حدّ.
وهذا ما يتقاطع أيضاً مع وجهة نظر الجنرالات العسكريين الأمريكيين، مثل رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الحالي الجنرال مارك ميلي، الذي تحدّث في آخر مقابلة معه، عن شكل الحروب المستقبلية، التي ستتركز في المناطق والحضرية وستكثر فيها الأنظمة غير المأهولة الجوية والبحرية والبرية، والأنظمة العالية الدقّة والفتاكة.
لذلك بعد مراقبة العمليات التي قام ويقوم بها جيش الاحتلال، نلاحظ بأنه كثّف من استخدم الأسلحة الدقيقة، لتحقيق النتائج المرجوة منه، مع خفض الشهداء المدنيين قدر الإمكان، وذلك لهدف لا يتعلق إطلاقاُ بحرص إنساني منه، بل لأهداف سنذكرها لاحقاً.
وفي المقابل، تشهد فصائل وحركات ودول المقاومة أيضاً، تطوراً وجهوداً حثيثةً أيضاً في تحسين دقّة أسلحتها أو جعلها تكنولوجية أكثر، دون التأثير على روحية المقاوم، فالمهم تحقيق النتيجة والهدف بالتزامن مع حماية المقاوم أكثر.
فالجمهورية الإسلامية استطاعت تحقيق نجاح باهر في هذا المجال، ظهر ذلك بشكل جليّ في الصواريخ الدقيقة وفي الطائرات دون طيّار، التي باتت مطلباً للكثير من دول العالم. ولدى إيران غيرها الكثير من هذه الأسلحة الدقيقة والمتطورة في آن معا، التي ما زالت طيّ الكتمان والغموض البنّاء.
دوافع الكيان المؤقت من هذه الاستراتيجية
ليست دوافع الكيان من هذا الأسلوب أخلاقية أو إنسانية، لأنه عند الضرورة الميدانية أو الحاجة التفاوضية، لن يتوانى عن تصفية المدنيين أو الصحفيين، والشواهد على ذلك كثيرة. بل إن دوافع الكيان من ذلك مختلفة، أبرزها:
_ الرأي العام الغربي: تبيّن منذ معركة سيف القدس وما بعدها، بأن الكيان المؤقت يعطي أولوية كبيرة ومهمة، للرأي العام الغربي ولوسائله الإعلامية، مثل حادثة إسقاط برج الجلاء في غزة عام 2021.
فهذا الرأي العام مهم جداً له في ضمان تأييد الحكومات الغربية، لمنع إقرار ما يضرّ بمصالحه في المنظمات الدولية أو في الدول نفسها. ولتقديم نفسه (أي الكيان)، على أنه الديمقراطية الوحيدة، في الشرق الذي لا يضم سوى الدول الديكتاتورية.
وبالتالي فإن مشاهد الدمار الكبيرة (كما حصل في ضاحية بيروت الجنوبية خلال عدوان تموز 2006)، لا تفيد حكومة الاحتلال إطلاقاً، بل تنعكس سلباً على صورته أمام الغرب. ولهذا يحتاج إلى عمليات استهداف دقيقة، وهو ما توفره الطائرات المسيرة الانتحارية، والصواريخ والقذائف الانزلاقية كصاروخ GBU-39 وغيره من منظومات. كما أنه يركز في تنفيذ عملياته على أن تكون في الليل، لكيلا يتم التقاط صور ومشاهد دقيقة وواضحة لعملياته، للتستر على ما يرتكبه من جرائم خلالها.
_ لتقليل خسائره من الجنود، في ساحات المعارك الحضرية، سيعمد أكثر فأكثر على المنظومات المسيّرة غير المأهولة، كالروبوت والدبابات والزوارق والطائرات المسيّرة.
_ يدرك صنّاع القرار في الكيان، بأن حركات المقاومة تهتم ببيئتها الشعبية كثيراً وتوليهم الأهمية القصوى، وأنها في الوقت عينه تولي ضرب الأهداف الإسرائيلية ذات الطابع العسكري أو المنشآت الاستراتيجية للكيان الأولوية الكبرى في عملياتها. ولذلك بوجود أسلحتها الدقيقة المختلفة، فإن المقاومة ليست بحاجة الى استهداف المستوطنين من أجل تحقيق أهدافها، بل يكفيها استهداف المنشآت والقواعد العسكرية.
الكاتب: علي نور الدين