حمل الراية بعد المؤسس والأمين العام الأوّل لحركة الجهاد الإسلامي الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي. يوصف الأمين العام الثاني الراحل الدكتور رمضان شلّح بأنه حافظ على ذاك الإرث، وقاد الحركة وجناحها العسكري سرايا القدس في أوجّ تطوّر العمل العسكري في الساحة الفلسطينية، وهي فترة انتفاضة الأقصى (2000 – 2005)، وكان على رأس عمله في القيادة والأمانة العامة، ليدير المعارك والمواجهات ضد كيان الاحتلال وأبرزها الحروب الثلاث (2008، 2012، 2014). تحمّل الراحل د. شلّح هذه المسؤولية والأمانة لـ 20 عامًا، ضابطًا البوصلة نحو القدس المحتلّة في مرحلة حسّاسة مرّت بها المنطقة، ومغلبًا المقاومة ومواجهة الاحتلال على أي صراعات أخرى.
أولوية المقاومة والتمسّك بهذا الخيار
أولوية المقاومة، والتحريض على القتال العسكري، كخيار وحيد لتحرير كلّ فلسطين، مع اليقين بهذا النّصر، ظهر جليًا في كلمات وخطابات الراحل د. شلّح. اذ إنه لم يفوّت فرصة للتأكيد على خيار "الجهاد الإسلامي" ومشروعها من أجل فلسطين، دون تنازل.
"مشروعنا ليس مشروع دنيا ومغانم مادية ومعنوية، ليس مشروع سلطة، ولا طلب رياسة ولا شهرة ولا جاه، مشروعنا هو مشروع جهاد، بل قتال في سبيل الله ضد الكيان الصهيوني"، هذا ما شدّد عليه الراحل د. شلّح، ليؤكّد أن كل مساعي التسويات أو المساومة على فلسطين والسلاح مع هذه الحركة سوف لن تنجح، "والله لو أنهم وضعوا كلّ أقمار الأرض في يسارنا، وشموسها في يميننا، على أن نتنازل عن شبر من أرض فلسطين أو ذرة من القدس فلن نقبل"، وإنّ "بندقيتنا ليست للإيجار نحن بندقية إسلامية فلسطينية لا نبصر عبرها إلا مآذن القدس".
ينظر الراحل د. شلّح الى فلسطين وقضيتها وقدسها ليس فقط من منظار القضية الوطنية، بل من الارتباط العقائدي والديني. فعبّر عن ذلك بقوله إنّ "القدس بالنسبة لي جزء من ديني وعقيدتي، ليست مجرد مسألة وطنية، إذا أراد أحد أن يقول لي تنازل عن القدس، كأنه يقول لي احذف من القران الكريم سورة الإسراء، احذف كل إشارة الى أنّ هذه الأرض مقدّسة"، مشيرًا الى أنّ "لا يعتقدنّ أحد أنه إذا ضاعت القدس سينجو بنفسه".
وقد تمسّك الأمين العام الراحل بخيار القتال المسلّح مؤمنًا بحتمية الانتصار، اذ قال "يجب أن تعلموا أننا في أي معركة قادمة لا نملك إلا أن ننتصر، الانتصار ليس خيارا بل هو فريضة وواجب حتمي، إياكم أن نتراجع قيد أنملة عن ما أنجزته المقاومة".
التطبيع: خلاف توجهات الشعوب
أمّا لمن سلك طريقًا آخر، عكس اتجاه القدس، فـ "إنّ اسرائيل التي تظنون أنها يمكن أن تحمِيَكُم لا تستطيع أن تحميَ نفسها اليوم من سكين وأدوات المطبخ التي يدافع بها شعب فلسطين عن نفسه بشبابه وشابّاته في انتفاضة القدس". (انتفاضة القدس التي اندلعت في العام 2015، وافتتحها الشاب الشهيد مهند الحلبي، بعملية طعن، لتتوالى بعدها عمليات الطعن والدهس على مدى عامين تقريبًا).
لفت الراحل د. شلّح الى حالة التناقض وعدم الانسجام بين النظرة الحقيقية للشعوب العربية الى القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الإسرائيلي، والى أنظمتها التي اختارت التطبيع والعلاقات مع هذا الكيان. فاعتبر أنّ "إسرائيل تستطيع أن توقِّع سلاماً مع الأنظمة والحكومات. تستطيع أن تفتح سفارة أو قنصلية، أو أن ترفع علماً في هذه العاصمة أو تلك، لكنها لن تنال شرعيةَ ووضعيةَ الوجود الطبيعي في هذه المنطقة... ستظل إسرائيل في نظر شعوب الأمة كياناً غريباً منبوذاً، إلى أن يأذنَ الله بتحرير فلسطين.
وأضاف في هذا الإطار، "إننا ومن موقع النصيحة والحرص على هذه الأمة نقول لكل من يطمعون بحماية إسرائيل لهم، إن الذي يمكنه توفير الحماية لكم هي شعوبكم؛ وشعوبكم تكره إسرائيل، وترفض إسرائيل، وترفض الاعتراف والقبول بها ككيان طبيعي في هذه المنطقة".
مقدّرات المقاومة وفشل العدو
رأى الراحل د. شلّح الذي قاد وشهد المعارك مع الاحتلال سواء في قطاع غزّة خلال وبعد الانتفاضة الثانية، وفي القدس والضفة الغربية خاصة خلال الانتفاضة، وتحديدًا معركة مخيم جنين عام 2002، وانتصار المقاومة ورسمها للمعادلات في جنين، الى جانب العمليات النوعية ومنها عملية "زقاق الموت"، أنّ "العدو الإسرائيلي فشل على كل المستويات العسكرية والأمنية والسياسية والاستراتيجية والأخلاقية، وإن المقاومة صنعت موازين جديدة للقوة والردع والرعب، سيكون لها أثر كبير على مستقبل قضيتنا، بل على مستقبل المنطقة والعالم".
وأمام تطور المقاومة وفرضها للعديد من المعادلات آنذاك، فقد وصّف الراحل أنّ "قوة المقاومة اليوم مضاعفة أضعاف ما كانت عليه، لذلك الفشل والخيبة الصهيونية ستكون أيضا مضاعفة أضعافاً على أبواب غزة".
لم يكن إعلاء قضية فلسطين وتحريرها هي فقط ما جهد لأجله الراحل د. شلّح، فقد نشط على أكثر من صعيد في الساحة الفلسطينية، وشغله دومًا توحيد الصفوف الفصائلية من أجل الهدف الأكبر. اذ يذكر رئيس الدائرة السياسية في "الجهاد الإسلامي" الدكتور محمد الهندي أنّه كان "وحدويًا، وخير من يبحث عن المسائل المشتركة وينميها، ويشارك في معظم الحوارات التي تمت بين الفصائل الفلسطينية". وبذلك وبكلّ ما قدّمه، فكان الأمين العام الراحل "قائدًا ورمزًا وطنيًا فلسطينيًا"، على حدّ وصف د. الهندي في تصريح له في الذكرى الثالثة لرحيل هذا القائد بعد صراع مع المرض.
الكاتب: مروة ناصر