الثلاثاء 06 حزيران , 2023 04:01

قوة المال في غسل السمعة السعودية

المال السعودي يصرف على الترفيه والرياضة

بفضل احتياطياتها النفطية، تعدّ المملكة السعودية دولة عالية الثراء مع أحد أغنى صناديق الثروة السيادية على هذا الكوكب. قبل بدء انهيار الاقتصاد السعودي، لم يدفع السعوديون الضرائب المرتفعة بشكل عام لتمويل الخدمات الحكومية، مع برنامج عمل يمنح المواطنين السعوديين إمكانية الوصول إلى وظائف سهلة وذات رواتب عالية (ما عدا المناطق الشرقية التي للمفارقة هي مناطق النفط)، في مقابل أن يحترم السكان النخبة الحاكمة. لكن بعد عام 2020، لم يعد ممكنًا أن يستمرّ سخاء الحكومة بهذا الشكل للحفاظ على آل سعود.

7 تريليون دولار لطموحات بن سلمان

أمضى محمد بن سلمان السنوات الماضية في دوائر الإعلام الغربي في الترويج لنفسه على أنه المصلح للمملكة "الدينية" الغنية بالنفط، وكان التحدي الحقيقي هو إصلاح اقتصاد ريعي على وشك الانهيار. ومنذ العام 2021 ارتفعت نسبة القيمة المضافة على كافة الخدمات من 5% لتصل إلى أكثر من 15%، ويمكن ملاحظة أنّ العلاقة بين الحكومة والشعب قد تغيّرت بين ليلة وضحاها، بسبب طموحات بن سلمان لإعادة اختراع أكبر اقتصاد للوقود الأحفوري في العالم، بميزانية تزيد قيمتها عن 7 تريليونات دولار، سيتم صرفها على مدينة نيوم التي تقوم على أكبر التحديات (الخيال العلمي) التي تواجهها البشرية، وعلى شراء لاعبي الرياضة العالميين واستضافة دورات الألعاب الرياضية التي اعتبرت في إطار ما يسمى "غسلًا رياضيًا" لغسل سجلها في انتهاكات حقوق الإنسان رياضيًا، ويتم صرفها أيضًا على شراء نجوم الفن والطرب، وإعطائهم الإقامات الذهبية، كل ذلك كأداة لتعويض مخاطر معارضة سياسية محتملة أو اضطرابات، من خلال تزويد الشباب بأسلوب حياة الموضة والموسيقى والترفيه والسياحة الذي يأتي مع الرياضة.

في الرياضة

يقول سيمون تشادويك وهو بروفيسور وباحث وكاتب أكاديمي ومستشار في الاقتصاد الجيوسياسي للرياضة (أي صناعة الرياضة العالمية)، يقول إن المملكة السعودية قد أصبحت قوة رياضة عظمى، ويرى أنّ الاستثمار في الرياضة، هو إحدى الطرق لمعالجة ضعف الاقتصاد وتنويعه، وما يميّز المملكة هو حجم الإنفاق على هذا القطاع المصمم لجذب الاستثمار الداخلي والسياح الأجانب، والأهم أنّه من خلال التركيز على الترويج للرياضة والترفيه والتسلية، يعالج محمد بن سلمان ومسؤولوه على وجه التحديد مصالح ومطالب المستهلكين الشباب في المملكة العربية السعودية كوسيلة لتجنب السخط بينهم. خاصة أنّ ما يقرب من 70% من سكانها تقل أعمارهم عن 35 عامًا، ويعانون من  زيادة مستويات السمنة والسكري وأمراض القلب.

وهكذا نرى كيف يتحمّس تشادويك لهذا الحجم الخيالي من الاستثمار في الرياضة، الذي لا تفكّر فيه حتى أكبر الدول اقتصاديًا في العالم.

في الترفيه

خفت حدة الإدانة الدولية لمحمد بن سلمان إلى حد ما، والتي بلغت ذروتها بعد مقتل خاشقجي، على الرغم من القمع السياسي في الداخل وإجراءات الدولة، مثل أكبر إعدام جماعي في تاريخ المملكة، 81 شخصا في يوم واحد في مارس آذار 2022 الذي سب مهرجان البحر الأحمر السينمائي بوقت قصير. حيث استقطب المهرجان أكثر النجوم شهرة في العالم (بينهم شارون ستون وجاي ريتشي وشاروخان وميشيل رودريغيز)، وضخت الصناديق السيادية السعودية استثمارات في أمازون ووالت ديزني ونينتندو وغيرها. وكانت هيومن رايتس ووتش قد دعت الفنانين والمروجين إلى التحدث علنًا ضد انتهاكات حقوق الإنسان السعودية "أو رفض المشاركة في مخطط آخر لغسل السمعة السعودية". لكن تعليقات منظمي الحفلات جاءت على الشكل التالي: " هدفنا الوحيد هو إثارة إعجاب العالم وهذا يجعلني أدير عيني ". "لدينا أكثر من 30 مليون شخص علينا أن نجعلهم سعداء. هذا هو الاستثمار في ذلك". 

مدينة نيوم للترفيه العلمي

في البداية، يتمّ تشجيع المستثمرين السعوديين من القطاع الخاص على المشاركة في هذا المشروع خلال الإدراج العام المحتمل لنيوم في عام 2024. لكن في الواقع، يقال إن المملكة العربية السعودية عملت على "تخويف" العديد من أغنى العائلات في المملكة لتصبح مستثمرًا أساسيًا بدافع "الواجب الوطني" في الاكتتاب العام لشركة الطاقة السعودية أرامكو في عام 2019. وبعبارة أخرى، فإن جزءًا كبيرًا من الأموال السعودية التي تم تخصيصها بعناية لعقود، يتمّ تخصيصها لتمويل الانتقال إلى عصر ما بعد النفط، لدفع ثمن مشروع نيوم "الفلكي".

تبذير أم استثمار للحاجة؟

على أي حال، إذا كانت نيوم سليمة اقتصاديًا، أو حتى خليط خيال علمي مدفوع بالأنا الطامحة كما تعبّر الصحافة العبرية، وسواء أنقذ بن سلمان حكم آل سعود من الاضطرابات السياسية داخليًا، وغسل سمعة المملكة خارجيًا بقوة المال. إلا أنّ ثمة سؤال يكاد يكون مطروحًا من جميع المراقبين الاقتصاديين والسياسيين: هل ستؤدي مشاريع محمد بن سلمان "الفخمة" إلى إفلاس المملكة؟


الكاتب:

زينب عقيل

- ماستر بحثي في علوم الإعلام والاتصال.

- دبلوم صحافة.

- دبلوم علوم اجتماعية. 




روزنامة المحور