رجاء غارودي: خافه الغرب حياً وميتاً

رجاء غارودي (روجيه غارودي قبل اعتناقه الإسلام)

في الـ 13 من حزيران / يونيو من كل عام، تحلّ الذكرى السنوية لرحيل واحدٍ من أعظم الفلاسفة والمفكرين في العصر الحديث، رجاء غارودي (الذي كان اسمه روجيه غارودي قبل أن يعتنق الإسلام).

غارودي الذي عرّى دول الغرب وكشف حقيقتهم وزيف ادعاءاتهم حول احترامهم لحقوق الإنسان من حرية ومساواة وعدالة. كما كان ممن تصدوا للأساطير التي قامت عليها الصهيونية المدعومة من الغرب، فكان ضحية الغطرسة الغربية، تحت عنوان سيصبح أداة قمع لكل من تسوّل نفسه مهاجمة إسرائيل ولو فكرياً، وهو "معاداة السامية".

فما هي أبرز وأهم المحطات في مسيرة غارودي؟

_ من مواليد الـ 17 تموز / يوليو للعام 1913 بمدينة مرسيليا الفرنسية، لأم كاثوليكية وأب ملحد. ربّته أمّه على المسيحية الكاثوليكية، لكنه اعتنق البروتستانتية وهو في الـ 14 من العمر.

_بسبب تفوقه العلمي الذي أظهره باكراً، حصل على منحة من الدولة في جميع مراحل تعليمه، ودرس في كل من جامعتي مرسيليا و"إيكس أون بروفانس"، لكنه نال درجة الدكتوراه عن النظرية المادية في المعرفة من جامعة السوربون بباريس عام 1953، وكما نال دكتوراه ثانية من جامعة موسكو عام 1954.

_ في العام 1937، عيّن أستاذا للفلسفة، وزاول مهنة التدريس بالتزامن مع استمراره في مواصلة مسار البحث العلمي، لا سيما بعد تأسيسه للمعهد الدولي للحوار بين الحضارات في باريس.

_ شارك في حركة المقاومة الفرنسية ضد النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، وقد اعتقلته حكومة فيشي الموالية للنازيين، التي نقلته إلى مدينة الجلفة جنوب الجزائر خلال عامي 1940-1942. كما عمل في إذاعة المقاومة وصحيفة ليبرتي.

_ في العشرينيات من عمره، تبنى الفكر الشيوعي وأصبح واحدا من رموزه داخل الحزب الشيوعي الفرنسي، وبحلول منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، كان يُعتبر مجادلًا بارزًا داخل الحزب. ارتقى في المناصب، وفي العام 1945 أصبح عضوًا في قيادة الحزب ولجنته التنفيذية المركزية، حيث شغل هذه المناصب لمدة 28 عامًا. وقد ظلّ في هذا الحزب حتى طرد منه عام 1970 إثر انتقاده اللاذع للغزو السوفياتي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968.

_ انتخب في العام 1945 كنائب في البرلمان الفرنسي، ونال عضوية مجلس الشيوخ منذ العام 1946حتى العام 1960، حيث ترأس اللجنة الثقافية الوطنية. وفي الستينيات توجه إلى عالم الأديان من خلال عضويته في الحوار المسيحي الشيوعي.

_في الـ 2 تموز / يوليو للعام 1982، أعلن اعتناقه للدين الإسلامي، في المركز الإسلامي بجنيف، وغير اسمه من روجيه إلى "رجاء".

قراره هذا جاء بعدما حاول الجمع بين الكاثوليكية والشيوعية، فلم يجد نفسه فيهما، وبدأ يميل منذ السبعينيات إلى الإسلام. وقد صار منذ اعتناقه للإسلام، واحداً من دعاة حوار الأديان السماوية ووحدتها، مع إيمانه العميق بأن الإسلام هو دين المستقبل، وهو ما عالجه أيضاً في كتاب له بنفس العنوان أيضاً.

_ ألّف بعد هذا التحول كتبا عديدة، وقد استُدعي لعشرات المؤتمرات والندوات والمنتديات حول العالم، خاصة بعدما كشف في عدد من كتبه حقيقة الحروب التي خاضها ويخوضها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ومنها كتاب "أميركا طليعة الانحطاط"، فتعززت مع مرور السنوات شعبيته في العالمين العربي والإسلامي.

_ناصر قضايا عربية وإسلامية وفي مقدمتهم القضية الفلسطينية، وواجه الصهيونية بشراسة خاصة بعد مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982. فبعد هذه المجزرة أصدر بيان إدانة لها وقعه معه الأب ميشيل لولون، والقس إيتان ماتيو، ونُشر البيان في جريدة لوموند الفرنسية يوم الـ 17 من حزيران / يونيو من ذلك العام، تحت عنوان: "معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان".

_شن عليه الإعلام الموالي للكيان المؤقت وللصهيونية حملة شعواء، وتم اتهامه بالعنصرية وبمعاداة لسامية وقاطعته صحف بلاده، بعدما كان ضيفاً دائماً على المحطات الإذاعية والتلفزيونية وأعمدة الصحف.

إلّا أن غارودي لم يتراجع عن مواقفه إطلاقاً، بل عمد إلى إصدار كتابٍ مهمٍ جداً في العام 1995، فنّد فيه "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، مشككاً في الرواية الصهيونية للهولوكوست التي استُخدمت كذريعة لاحتلال فلسطين، خصوصاً لناحية رقم اليهود الذين قضوا في المحرقة.

هذا الكتاب كان سبب رفع قضية عليه أمام القضاء الفرنسي، الذي حكم عليه في العام 1998 بالسجن عدّة سنوات مع وقف التنفيذ، وغرّمه 120 ألف فرنك فرنسي (50 ألف دولار)، بتهمة العنصرية وإنكار جرائم ضد الإنسانية.

وقد قال غارودي حينها بما يكّب هذه التهم ويكشف زيف الغرب: "اليهودية ديانة أحترمها، أما الصهيونية فهي سياسية أحاربها".

_استأنف قرار المحكمة الفرنسية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لكن استئنافه قُوبل بالرفض.

_في الجمهورية الإسلامية، وقع 160 عضواً في مجلس الشورى و600 صحفي عريضة لدعم جارودي.

_ في الـ 20 من نيسان / أبريل 1998، التقى بقائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي خامنئي. وانتقد يومها الإمام الخامنئي الغرب الذي يُدين السلوك العنصري للنازيين بينما يقبل السلوك الشبيه بالنازية للصهاينة.

_ ظلّ طوال حياته معادياً للإمبريالية والرأسمالية، وبالذات لأمريكا.

أبرز المؤلفات

1)فلسطين أرض الرسالات السماوية.

2)الأصوليات المعاصرة: أسبابها ومظاهرها.

3)محاكمة الصهيونية الإسرائيلية.

4)الولايات المتحدة طليعة الانحطاط.

5)الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية.

6)كيف نصنع المستقبل؟

7)الإسلام وأزمة الغرب.

8)الإرهاب الغربي.

9)المسجد مرآة الإسلام.

10)مستقبل المرأة وغيرها

_ تم تكريمه في العديد من المرات، بحيث نال ميدالية الشرف لمقاومته الفاشية الهتلرية بين عامي 1941 و1944. كما نال جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام في العام 1985.

الوفاة

توفي في الـ 13 حزيران / يونيو للعام 2012 في العاصمة الفرنسية باريس، ولم يُعثر على قبرً له، لأن عائلته قررت إحراق جثمانه وعدم دفنه على الطريقة الإسلامية، وهو ما فسره الكثيرون بأنه تم بضغوط جهات خافت من غارودي حياً وميتاً.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور