الجريمة المنظّمة لتفتيت المجتمع الفلسطيني: تورط الشاباك في الكواليس

مسلسل من تفشي الجريمة المنظّمة والفساد يعيشه الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلّة عام 1948، كان ضحيته أخيرًا أكثر من 6 فلسطينيين، 5 منهم في جريمة واحدة في بلدة "يافة" في الناصرة، ليرتفع بذلك عدد ضحايا هذا العنف الموجّه في الداخل الى حوالي الـ 103 فلسطيني خلال 6 أشهر تقريبًا من هذا العام 2023. فما الذي يحدث حقيقة لدى فلسطينيي الداخل؟ وما هو دور مستويات الاحتلال في زرع وتعزيز هذه الظواهر؟

سياسة تدمير المجتمع وتفتيت النسيج الفلسطيني

منذ احتلاله لفلسطين عام 1948، والى جانب ارتكابه مجازر الإبادة العرقية على يد العصابات الصهيونية، عمل الكيان الإسرائيلي على سياسة تدمير المجتمع الفلسطيني، وقطع روابطه ونسيجه الداخلي. واعتمد لتحقيق هذه الأهداف، منهج تغذية العصابات، ليس فقط اليهودية، إنما أراد ضرب المجتمع الفلسطيني من داخله، فهيّأ بيئة مواتية لنمو العصابات العربية، التي حرّكتها في الكواليس أجهزة الاحتلال الأمنية والاستخباراتية.

شرحت مصادر فلسطينية من الداخل المحتل أنّ هذا النهج الإسرائيلي أخذ منعطفًا أخطر منذ العام 2000، على إثر "هبّة أكتوبر" في تلك الفترة، وهي سلسلة من المظاهرات الشعبية الكبيرة التي انتصرت للمسجد الأقصى وندّدت بانتهاكات الاحتلال في القدس المحتلّة، وأدت الى سقوط 13 شهيدًا.

وتابعت "بعد هذه التحركات التي تحسّس الاحتلال خطورتها في الوعي الفلسطيني وحفاظه على الترابط مع الهوية الفلسطينية وقضايا الساحة رغم مرور 52 عامًا على النكبة، قد توحّد وانتفض من أجل المسجد الأقصى والقدس المحتلّة. أراد الاحتلال الإمعان في السياسات غير المباشرة لهدم هذه البيئة، وخلخلت أسسها وكي يجبروا من بقي بعد حملات التهجير على الرحيل من بلادهم والهروب من هذا الواقع".

شاباك يحمي العصابات!

"كانت الخطة تكثيف زرع الجريمة والفساد والمخدرات، وعمل الاحتلال وأجهزته على توفير بيئة حاضنة لأي شخص يفكر بتجارة السلاح غير الشرعية والمخدرات وتنفيذ الجرائم. بالإضافة الى تجنيد عملاء من الفلسطينيين مهمتهم زرع الفتن بين العائلات والعشائر الفلسطينية كما جعلهم على رأس عصابات. الا أنّ الأخطر في هذا الموضوع، هو منح الاحتلال لهذه العصابات والأشخاص الذين جنّدهم على رأسها حصانة من "الشاباك". حسب المصادر من الداخل.

في الثلاثين من شهر حزيران / يونيو من العام 2021، اعترف المفتش العام للشرطة، يعقوب شبتاي، على "القناة 12" العبرية بمسؤولية جهاز "الشاباك" في حماية ودعم كل عصابات، اذ قال إنّ "غالبية قادة الاعمال الإجرامية في المجتمع الفلسطيني، هم متعاونون مع جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، الأمر الذي يحد من القدرة على العمل ضدهم". وزعم أن "يدي الشرطة مكبلة، لإن أولئك المجرمين يتمتعون بالحصانة من جهاز الشاباك".

بالإضافة الى ذلك، تجري العمليات الاجرامية ضد الفلسطينيين على مرأى من شرطة الاحتلال وأجهزته، اذ تحدّث الصحافي من الداخل، روني هلّون، أنّ الجريمة التي وقعت في 8/6/2023 في الناصرة، وقعت بينما "كانت مروحية تابعة للشرطة تحلق فوق البلدة بحثًا عن الذين يقفون وراء حدث كفر كنا" (ملاحقة الاحتلال لشباب فلسطينيين اتهمهم بالتعرّض لسيارة مستوطن).

زجّ العصابات في المجتمع الفلسطيني

على مرّ السنوات، تغلغلت هذه العصابات الاجرامية في المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتّل، وعملت من جهة " على استقطاب فئة الشباب الفلسطينيين، خاصة من يرغب منهم الربح السريع. وعندما لم يوجد أيّ رادع فإن هذه الظاهرة تتسع أكثر فأكثر"، وفق المصادر الفلسطينية. كذلك استحدث الاحتلال وحدة "مستعربين" للعمل داخل المجتمع الفلسطيني عام 2018، ما زاد من حدّة الجرائم.

من جهة ثانية أسّست تلك العصابات (المافيا) شبكة واسعة من المصالح الاقتصادية مثل المطاعم والمحلات التجارية، وغيرها. كما أنها باتت تؤثر في الانتخابات، وتستغل من المجموعات والأحزاب المتنافسة لتحقيق الغايات الانتخابية.

عملت العصابات الصهيونية بدورها أيضًا – وبشكل متكامل مع العصابات العربية - على تكريس مبدأ "فرق تسد"، وتنفيذ عمليات قتل متعمدة في أوساط القرى والمدن ذات الأغلبية الفلسطينية لتعميق التناقضات بين العائلات الفلسطينية.

ومؤخرًا في المواجهات التي اندلعت بالتزامن مع معركة "سيف القدس" 2021، وحينها خرد الفلسطينيون في الداخل نصرةّ للقدس والمقاومة في غزّة، استغلّت الجماعات اليهودية المتطرفة الفرصة لتنفيذ مزيد من الجرائم ومهاجمة المجتمع الفلسطيني لاسيما في اللد ويافا وعكا.

أرقام خطيرة

سجّل شهر نيسان / ابريل الماضي 81 عملًا إجراميًا بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة عام 1948، كان ضحيتها 18 شخصًا، بينهم سيدتان، و4 أطفال، كما أصيب العشرات بجروح. فيما سجّل العام 2021 أكثر من 50 ضحية. ارتفع عدد الضحايا في رقم اعتبر قياسيًا آنذاك في العام 2020 الى 93.

من العام 2000 ولغاية 2020 رُصدت 1700 ضحية لهذه الجرائم، أي إنّ هذا العدد جاء بعد صبّ مستويات الاحتلال جهودها لتغذية هذه الظاهرة. مقارنة بـ 80 ضحية خلال 20 عامًا (1980 – 2000).

طرق النضال

أوضحت المصادر الفلسطينية أنه "أواخر العام 2020، بدأت احتجاجات في عدّة طرقات رئيسية في الداخل خاصة في أم الفحم. استمرت هذه المظاهرات لـ 3 أشهر، وقد انخفض فعلًا مستوى الجريمة خلالها. عملت مستويات الاحتلال على محاربة هذه المظاهرات بقوّة، ومثّلت هذه المظاهرات البنية الأساسية والقاعدة الجماهيرية التي انطلقت منها المظاهرات والدعم الشعبي لهبّة الكرامة وأحداث حي الشيخ جراح ثمّ سيف القدس في العام 2021".


الكاتب: مروة ناصر




روزنامة المحور