الثلاثاء 30 تموز , 2024 03:43

فلسطينيو 48 وحرب الإبادة على غزة بين الواقع والمتوقع

ورقة علمية: فلسطينيو 48 وحرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزة بين الواقع والمتوقع

في أعقاب اندلاع حرب الإبادة الجماعية التي ما زالت تشنّها إسرائيل منذ 7/10/2023، ضدّ قطاع غزة، بدأ كثير من اليهود الإسرائيليين على المستوى الرسمي والشعبي التعبير العلني عن تخوفهم من التوقع بأن يؤدي انفجار الجبهة الجنوبية في قطاع غزة وارتفاع درجة التوتر والضربات المتبادلة على الجبهة الشمالية مع حزب الله إلى اشتعال جبهة ثالثة، وأكثر حساسية، وهي "الأقلية الفلسطينية داخل أراضي 48".

ومع أن السياسات الإسرائيلية المتبعة تجاه الفلسطينيين الذين يشكلون تلك الأقلية، ممن بقوا في وطنهم الأصلي بعد نكبة سنة 1948، لم تحمل تحولاً جوهرياً خلال الحرب على قطاع غزة، لكنها بلا شكّ حملت تصعيداً حاداً ومجاهرة في العداء تجاههم. ولكن وفي مقابل هذا التصعيد برزت حالة من عدم تناسب الفعل السياسي لهذه المجموعة من الفلسطينيين إزاء مجريات الحرب ضدّ قطاع غزة، والذي من غير الممكن فهمه بدون التوقف عند بعض الظروف والعوامل، منها الذاتي ومنها الموضوعي، والتي أسهمت في تشكيل هذه الحالة، حتى لحظة كتابة هذه السطور على الأقل.

في هذا الإطار، ستحاول هذه الورقة المرفقة أسفل الخاتمة أدناه الإجابة على الإشكال الرئيسي الذي من الممكن صياغته على هيئة التساؤل التالي: لماذا جاء رد فعل فلسطينيو 48 على الحرب ضدّ قطاع غزة مخالف للتوقعات الإسرائيلية والفلسطينية على حدٍ سواء؟

وذلك من خلال تقسيمها على النحو التالي:

أولاً: تقديم قراءة حول معطيات تشكُل حالة عدم التناسب، (الواقع)، التي ميّزت الموقف الفعلي على الأرض للأقلية الفلسطينية داخل أراضي 48، خلال أكثر من سبعة أشهر من الحرب على غزة، حتى تاريخه.

ثانياً: رصد بعض السياسات التي شكّلت رد فعل المؤسسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين من حملة المواطنة الإسرائيلية خلال مدة الحرب، كإجراءات استباقية احترازية للحؤول مما هو (متوقع).

الخاتمة:

لقد سارعت المنظومة الإسرائيلية إلى اتخاذ موقف حاسم في تعاملها مع الأقلية الفلسطينية داخل أراضي 48 منذ اليوم الأول للحرب ضدّ قطاع غزة، كإجراء استباقي احترازي للحؤول مما هو (متوقع) لرد فعل هذا الجزء من أبناء الشعب الفلسطيني ممن بقوا في أراضيهم الأصلية بعد النكبة سنة 1948، تجاه ما ترتكبه آلة الحرب الإسرائيلية من فظائع بحق فلسطيني قطاع غزة في ظلّ حرب الإبادة الدائرة حالياً. حيث جاء هذا الموقف في ظلّ محددين اثنين: الأول تجارب حكومات "إسرائيل" الصعبة السابقة مع هذه الأقلية في إطار ما يتعلق بالحالة الوطنية والقضية الفلسطينية، التي كان من أبرزها وأخطرها هبة الكرامة سنة 2021؛ التي مثّلت خطراً جدياً على تماسك واستقرار الداخل الإسرائيلي. أما المحدد الثاني يتعلق بطبيعة الحرب، التي تختلف عن سابقاتها من حيث مداها الجغرافي وتعدد جبهاتها؛ جنوب لبنان، وسورية، والعراق، واليمن، والضفة الغربية، التي تمّ فرضها مع انطلاق عملية طوفان الأقصى مباشرة من طرف محور المقاومة، مما رفع من مستوى التهديد هذه المرة على وجود الكيان الإسرائيلي، الذي وعلى لسان عديد من قياداته وساسته أعلن بأن حرب الإبادة على قطاع غزة إنما في حقيقتها هي "حرب البقاء" أو "الاستقلال الثاني".

يبدو أن التوقعات لرد فعل فلسطينيو 48 قد أغفلت كثيراً من العوامل التي أثّرت بشكل جدي وملموس على قدرات وإمكانيات هذا الجزء من أبناء الشعب الفلسطيني في ممارسة الدور الوطني المعروف عنه تاريخياً، والذي كان متوقعاً أن يصدر عنهم في ظلّ اندلاع حرب الإبادة الجماعية على جزء آخر من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومن ثم كان (واقع) رد الفعل فلسطينيو 48 مخالف لما كان متوقع، وذلك بفعل عدة عوامل وأسباب قامت الورقة بالتطرق لأبرزها. لكن، وعلى أي حال، لا بدّ من التنويه بأن هذه المعطيات ليست نهاية، بمعنى أن هذا الواقع لموقف فلسطينيو 48، حالة عدم التناسب، مفتوح بشكل كبير على احتمال التحول في أي لحظة، وذلك حسب سير الأحداث وكثير من المتغيرات الميدانية والسياسية.


المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

الكاتب: أ. هاني طالب




روزنامة المحور