هل تستخدم السعودية ألعاب الفيديو لقولبة العقول؟

ألعاب فيديو رائجة عالميًا

مع أكثر من 1.7 مليار مستخدم، تعتبر ألعاب الفيديو واحدة من أكثر صناعات الترفيه ربحًا في العالم مع ما لمحتواها من قدرة "إدراكية" لا يمكننا أن نكون غير مبالين تجاه محتواها. إنها قوة صلبة لناحية مردودها المادي، وقوة ناعمة باعتبارها وسيلة فعالة لاستكشاف الأيديولوجيات، وأخذ القرارات في بيئات من الفساد والانتفاضات داخل النظام البيئي للألعاب. بل إنها قوة ذكية أنفقت عليها المملكة السعودية ما يقارب 8 مليارات دولار، للاستحواذ على حصص في شركات الألعاب في جميع أنحاء العالم، وبنائها، بهدف تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، وبتناسُب مع محاولات الحصول على القوة الناعمة العالمية. إذ شهدت المملكة إنفاقًا فاحشًا في رياضات مثل كرة القدم والغولف، بهدف أن تصبح قوة مهيمنة في صناعة الترفيه المتنامية عالميًا.

ألعاب الفيديو وسيلة فعالة لاستكشاف الأيديولوجيات

في ستينيات القرن العشرين، نشر الأكاديمي المجري جورج جربنر ورقة تناقش ما أسماه "نظرية الزراعة". باختصار، اقترح Gerbner أن هناك صلة مباشرة بين الوسائط التي يستهلكها المستخدم وتصوراته للواقع. وهو الأمر الذي ينطبق على ألعاب الفيديو أكثر مما ينطبق على التلفاز. ذلك أنّ اللاعب يتخّذ قراراته في مسار اللعبة بناءً على تفضيلات تجعله ينخرط عمليًا في السياسات. مثلًا، في اللعبة الاستراتيجية Victoria 3، يلاحظ اللاعبون أنّ تبني سياسات اشتراكية تجعل البلدان الافتراضية أكثر إنتاجية وسعادة من أي بديل. لقد أدركوا أن تشكيل التعاونيات العماّلية، وإعادة توزيع الثروة على الطبقات العاملة، كان ببساطة فعالا للغاية، في تعليقات أحد اللاعبين يقول: "اللعنة هذه اللعبة جعلتني أقدر الإعانات والرفاهية في الحياة الواقعية". ثم انتبه صانعو القرار السياسي لذلك وأجبروا الشركة على تحديث اللعبة وإعادة توازن الأنظمة داخلها. إذًا تسمح الألعاب الإستراتيجية مثل Victoria و Civilization و Tropico للاعبين بتجربة مناهج مختلفة للحكم، وهي وسيلة فعالة بشكل فريد لاستكشاف الأيديولوجيات.

 إلى ذلك، تعدّ مزايا الرأسمالية موضوعًا شائعًا في ألعاب الفيديو، خاصة أن الولايات المتحدة تعتبر أكبر الدول من حيث إيرادات ألعاب الفيديو هي الولايات المتحدة (20.5 مليار دولار). اتهم مطورو كلتا اللعبتين CD Projekt Red و Rockstar ، في الماضي بالانخراط في ممارسة غير أخلاقية تتمثل في الأزمات التي ترويها الألعاب، إذ يتكشّف أن الأيديولوجية الرأسمالية مدمجة في الآليات الأساسية للعب: في كل لعبة تقريبًا تحصل على موارد لتجعل نفسك أقوى من أي شخص آخر وتهيمن على العالم.

ألعاب الفيديو للتجسس وجمع البيانات

يمكن لألعاب الفيديو أيضًا أن تكون وسائل تجسس فعالة تنبئ عما يستبطنه اللاعب من خيارات. كما في لعبة The Outer Worlds . هنا تلعب دور مستعمر فضاء استيقظ من فترة طويلة من النوم المبرد ليجد مجرة تديرها شركات عملاقة قوية لدرجة أنها تمتلك أجساد موظفيها. تتيح لك اللعبة أن تقرّر ما إذا كنت ستقاتل ضد المؤسسة أو أن تصبح منتفعًا وتجني المكافآت. ولعبة ديسكو إليسيوم هي واحدة من أكثر الألعاب تطورًا للانخراط في السياسة، حيث تدور أحداثها في عالم من انتفاضات الطبقة العاملة والنقابات الفاسدة والحكومات العسكرية حيث يتم تشجيع اللاعبين على التعامل مع أيديولوجيات مختلفة. يصور Citizen Sleeper اللاعبين على أنهم androids يحاولون الهروب من براثن شركة تكنولوجيا تمتلك عقولهم وأجسادهم، بينما يقدم كل من Kentucky Route Zero و Night in the Woods صورا حميمة وأنيقة للفقر الريفي الأمريكي.

إلى ذلك، تجد الكثير من التقارير الغربية التي تتحدث عن تخوّف في الولايات المتحدة، من تنامي قدرة الصين على السيطرة على قطاع الألعاب، إذ يمنح هذا النظام وصولًا أكبر إلى البيانات الشخصية الأمريكية، ويحذرون من أن "الصين تستخدم بالفعل الألعاب لنشر قوتها الناعمة وجمع البيانات عن المواطنين الأمريكيين". وأن وصول بكين إلى ملايين أجهزة الكمبيوتر الخاصة باللاعبين يمنح جواسيسها فرصة لا مثيل لها لاستخدام الألعاب لإجراء عمليات استخباراتية". نظرا لأن الألعاب أصبحت أكثر انغماسًا، من خلال سماعات الرأس VR التي تسعى إلى "إعادة تعريف الترفيه"، وسيتم جمع كميات أكبر من البيانات البيومترية، بما في ذلك مسح العين والتسجيلات الصوتية ومعدلات النبض وما شابه.

السعودية مركز عالمي في غضون سبع سنوات

تحظى ألعاب الفيديو بشعبية كبيرة داخل المملكة العربية السعودية، حيث أن ما يقارب 70% من سكانها ممن تقل أعمارهم عن 35 عامًا يشاركون بشكل كبير في مجتمع اللاعبين العالمي، وفقًا لمسؤولي القطاع السعوديين. قادت مجموعة سافي Savvy Games Group  السعودية، المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة السيادي في السعودية الذي يرأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تلك الصفقات منذ تأسيسها بشهر يناير كانون الثاني من عام 2022، بدعم يبلغ نحو 38 مليار دولار من الصندوق.

وكانت أبرز الصفقات هي الحصول على حصة كبيرة في VSPO الصينية، ومجموعة Embracer السويدية، والاستحواذ علىScopely  الأمريكية، فضلًا عن توسيع صندوق الاستثمارات العامة نفسه لحصته بعملاقة الألعاب اليابانية نينتيندو Nintendo إلى 8%، ليصبح أكبر مالك خارجي للأسهم. وكانت السعودية قد صرّحت في وقت سابق بأنها تهدف لأن تصبح موطنًا لـ 250 شركة واستوديو للألعاب، وهو ما سيساهم في خلق 39 ألف فرصة عمل، وفقًا لتقديرات الحكومة، مع مساهمة القطاع بنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.

وأحدثت تلك الاستراتيجية في مجال ألعاب الفيديو تغييرات كبيرة في الصناعة، حيث أصبحت شركة سافي السعودية الآن تتنافس مع عمالقة مثل تينسنت ومايكروسوفت وسوني على أفضل المواهب والملكية الفكرية. ووفقًًا لما تداولته بعض وسائل الإعلام، فإن هناك خططًا أخرى من قبل السعودية وصندوق الاستثمارات العامة للاستثمار بمزيد من الصفقات التي لا تزال بطور الإعداد، لزيادة نفوذ المملكة المالي بالقطاع، والذي يتم تقديره الآن بنحو 200 مليار دولار، وفقًا لتقرير NewZoo. وكان أحد التقارير الصادرة العام الماضي عن شركة PwC قد توقع أن تتجاوز إيرادات ألعاب الفيديو عالميًا نحو 300 مليار دولار، وهو ما سيشكل أكثر من عُشر إجمالي الإنفاق على الترفيه والإعلام بحلول عام 2026.

هل تستخدم السعودية ألعاب الفيديو لقولبة العقول؟

بعد عقود من الهيمنة الأمريكية واليابانية وفترة من صعود الصين إلى عالم الاستحواذ، هناك كل الأسباب للاعتقاد بأن ألعاب الفيديو ستبدو مختلفة إلى حدّ ما في السنوات القادمة نتيجة عمليات الاستحواذ الجديدة. لا شكّ أن السعودية، في حال اكتسبت مزيدًا من السيطرة على قطاع الألعاب، ستفرض تأثيرًا جديدًا على المحتوى، وخاصة في الألعاب المفترضة الأكثر رواجًا في العالم العربي. لحدّ الآن لم تتضح بعد الأيديولوجية السعودية التي تبدو مزيجًا من القمع المغلّف بالإمبريالية، لكنها بالطبع ستستخدم ألعاب الفيديو لبيع أيديولوجيتها، سواء بأساليب خفية، أو جوهرية.

لعله من السهل رؤية الطرق التي سيتمّ بها استخدام الألعاب لتشكيل السرديات وتصوير الحقائق الاجتماعية لمئات الملايين من المستخدمين حول العالم. وعلى الرغم من أن ألعاب الفيديو تتطور بسرعات فائقة، إلا أن السمة المميزة للألعاب جوهرها وقائمتها تقوم على السرد، الذي يمكن من خلاله إعادة تشكيل الرؤى التي يُنظَر بها إلى النظام السعودي مثلًا. وقد نرى سعوديون منقذون للبشرية، حيث تحلّ ألعاب الفيديو اليوم محلّ هوليوود على الرأس النووي للقوة الناعمة. لا ترى السعودية مثلًا حرجًا في إعدام القاصرين على خلفيات عنصرية ولأسباب مطلبية، يمكن لهذا النوع من "المثل" أن يتمّ نقله إلى العالم، وبالتالي مثلًا حظر مناقشة مواضيع مثل العنصرية وحقوق الإنسان.


الكاتب:

زينب عقيل

- ماستر بحثي في علوم الإعلام والاتصال.

- دبلوم صحافة.

- دبلوم علوم اجتماعية. 




روزنامة المحور