فرنسا: 3300 معتقل ومليون يورو للضابط القاتل!

قمع الاحتجاجات في فرنسا

تحاول فرنسا التقاط أنفاسها ببطء شديد بعد ليال عنيفة تركت أثرها على المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد. لكن التحدي الأكبر الذي يواجه الرئيس ايمانويل ماكرون، أكبر من أن تتم السيطرة عليه في وقت قياسي، وهو المعالجة الجذرية لأسباب الاحتجاجات، والتي باتت بحد بذاتها شرارة لانطلاق المظاهرات في دول مجاورة، تماماً كما يجري حالياً في سويسرا وبلجيكا.

سلطت المأساة التي بدأت بقتل الشاب نائل مرزوق البالغ من العمر 17 عاماً، بدوافع عنصرية، الضوء مرة أخرى على ما يسمى ب "الضواحي"، التي تعرضت لموجة أخرى من أعمال الشغب بعد ان كانت مسرحاً لأحداث مماثلة كانت نتيجة الفقر والتمييز والعلل الاجتماعية المتزايدة في تلك المناطق، والتي باتت كصناديق بارود قابلة للاشتعال مع وجود التحفيز المناسب. كما ينظر آخرون إلى أعمال الشغب على أنها قضية تتعلق بالقانون والنظام في الأساس: فالعصابات والمجرمون الصغار يستخدمون الغضب من عملية القتل كذريعة لزرع الفوضى.

ويعيش في الأحياء الأكثر فقراً أكثر من خمسة ملايين شخص. يعيش حوالي 57٪ من الأطفال في تلك المجتمعات في فقر، مقابل 21٪ للسكان الفرنسيين ككل.

ووفقا لمعهد مونتين، وهو مركز أبحاث، فإن سكان هذه الأحياء هم أكثر عرضة للبطالة بثلاث مرات. ويشير عالم الاجتماع الفرنسي كريستيان مهنا: "حتى المدرسة لا ينظر إليها بالنسبة لهؤلاء الناس على أنها وسيلة لتحسين حياتهم... تنتشر البطالة والمخدرات والتمييز مستمرة بلا هوادة".

يقول مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إن الاضطرابات الأخيرة فرصة لفرنسا "لمعالجة قضايا العنصرية العميقة في إنفاذ القانون". موضحاً ان العلاقات مع الشرطة هي مشكلة كبيرة أخرى. يشكو العديد من الرجال من أصل مهاجر من التنميط العنصري أو التمييز من قبل الضباط.

تكشف التظاهرات والحوادث المتتالية التي تشهدها باريس عن ان واقع المجتمع بات منتجاً للأزمات المركبة. من ناحية، الفرق الطبقي وسخط الطبقة المهمشة التي تستثمر اللحظة المناسبة لإيصال الصوت، ومن ناحية أخرى، العنصرية ناحية المهاجرين والفرنسيين "من الطبقة الثالثة".

في حين، ان العنف المفرط الذي تستخدمه الشرطة ضد المتظاهرين، يشكل حالة دافعة لاستمرارها وتزكيتها. وأشارت وسائل اعلام فرنسية، ان الشرطة قد اعتقلت أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم 12 أو 13 عاماً بذريعة اثارتهم للشغب وإشعال النيران.

وقال وزير الداخلية جيرالد دارمانين إن متوسط أعمار 3,354 شخصاً اعتقلوا خلال الأسبوع الماضي كان 17 عاماً.

والجدير بالذكر، انه بالتوازي مع مقتل الشاب، دعت جهات من كلا الطرفين لجمع التبرعات، احدها لعائلة الضحية والأخرى ككفالة للضابط القاتل. اللافت ان الحملة المعنية بالأخير، جمعت مبالغ طائلة وصلت إلى أكثر من 1 مليون يورو (840،000 جنيه إسترليني)، وهو أضعاف من المبلغ الذي جمع لعائلة الضحية.

بالكاد خرج ايمانويل ماكرون من أزمة سياسية عميقة بشأن إصلاحات المعاشات التقاعدية، توازياً مع ما تواجهه حكومته الآن المزيد من الاضطرابات. ويقول برونو كوتريس، الباحث السياسي في معهد العلوم السياسية في باريس: "يبدو الأمر كما لو كانت فرنسا طنجرة ضغط، كل أزمة تكشف عن توترات، وصراع في المجتمع، ولا احترام لمؤسساتنا... إن بلادنا تستدعي باستمرار القيم الجمهورية، لكن يبدو أن شرائح كاملة من السكان لا تشعر أن هذا يهمهم".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور