التطبيع السعودي الإسرائيلي لإنقاذ نتنياهو

سوليفان وخالد بن سلمان

تعتقد "إسرائيل" ان مشاريع التطبيع التي عقدتها مع بعض الدول العربية لم تغير في معادلة الكراهية ضدها بالمنطقة ولا بالعالم ايضا، ولأسباب أهمها: ان الصهيونية كمشروع ديني وسياسي واجتماعي مبني على كراهية الآخر، وكذلك ان سلوك الكيان الصهيوني اتجاه القضايا العربية والفلسطينية بالذات يمثل أكبر مساحة من الانتهاكات والتجاوزات على الارض والانسان والمقدسات.

اسرائيل تمر بظروف هي الأصعب في تاريخ وجودها بالمنطقة منذ (75) عاما لدرجة ان مفكريها باتوا يجمعون على ان هذا الكيان لن يصل عمره الى الثمانين اسوة بأعمار مشاريعهم السابقة، فصواريخ المقاومة تحيط خارطتها من اغلب الجهات (لبنان، سوريا، فلسطين،..) ودون ان تأمن الحدود الاخرى فيما يزداد عمق المقاومة كل يوم، وفي الداخل تعيش ازمة تنذر بانهيار كامل لمنظومتها السياسية والاجتماعية.

باتت اسرائيل ترى ان المنقذ الوحيد الذي يؤخر من أزمة انهيارها ان تقبل السعودية التطبيع معها، لذا يشتد ضغطها على اميركا مقابل ان تعمل المنظمات اليهودية على دعم الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة.

إن الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم منحت السعودية فرصة أكبر من غيرها لكي تعمل خارج الإرادة الأميركية، فسارعت وبنشاط ملحوظ الى عقد قمم الرياض الثلاث ودعوة الرئيس الصيني لها، وجمع شمل مجلس التعاون الخليجي والعرب في قممهم وجامعتهم العربية، وتحركت باتجاه سوريا والعراق، وإعادة العلاقة مع إيران، وعيونها على روسيا والبريكس، وخففت من قبضتها على شعبها فيما تتباطأ باستقبال المسؤولين الأميركيين والغربيين بشكل عام.

زيارة اردوغان الى السعودية اعطت قادة المملكة رؤية بان تركيا تسعى للهيمنة على المنطقة لتحل محل امريكا في الامن والاقتصاد، لذا لم يتفاعلوا مع الزيارة وربما يرون أنفسهم هم الأقرب لهذا المشروع، رغم الاعلان عن اتفاقيات في المجالات الاقتصادية والامنية.

دعونا نقرأ معاً ما كتبه الكاتب السعودي علي الخشيبان بعد انعقاد قمم الرياض: "في قمم الرياض أثبت الواقع أننا في السعودية نمتلك القدرة والطاقة والحيوية والتكيف على تجاوز الحاضر نحو المستقبل عبر خلق قيم سياسية جديدة قادرة أن تمنحنا المكانة التي نستحقها في مسار السياسة الدولية". ويضيف "السعودية تمتلك التاريخ والتجربة والإمكانات الهائلة، فهي مركز الطاقة الدولية وهي محور المسلمين في العالم، كل هذه المعطيات وغيرها كثير جعلت السعودية تدرك أنها دائماً لديها تفهم إقليمي ودولي تجاه مسؤوليتها"، وفق هذا المنظور للكاتب تكون السعودية متفهمة لحجمها وأنها غير قلقة من الاتجاه شرقاً بعد ان أدركت ان الطريق الى الغرب لم يجعل منها ومن دول الخليج الاخرى سوى "بقرة حلوب" لخدمة مصالحه.

وحتى في مجال العقيدة الدينية التي حكمت المملكة لقرون يقول محمد بن سلمان إن بلاده نشرت الوهابية بطلب من حلفائها لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفيتي. فيما بات الفكر الوهابي الآن خارج المعادلة وفق التحولات الجديدة بالمملكة.

الجميع يعلم -بما في ذلك امراء المملكة -ان امريكا هي التي ساقت بعض الدول العربية للتطبيع مع اسرائيل ولسببين: الأول ان امريكا تريد ان تكون هي صاحبة القرار، وثانياً ان دول المنطقة لا تطيق الجلوس مع الصهاينة، لذا فان اسرائيل الان لا تجد لنفسها نجاة سوى مد اليد الى السعودية.

كيف سيكون رد ولي العهد السعودي وحكومته؟

إنهم يشعرون بقلق امريكا واسرائيل فوضعوا شروطاً تبدو صعبة على امريكا واسرائيل معاً، ثم ليس هنالك من ضمانة صهيونية والسؤال الذي قد يكون في ذهن حكام المملكة "ما جدوى التطبيع مع الصهاينة؟".

اسرائيل لا تريد ان تتنازل عن اي شيء، وان تمارس طغيانها وجبروتها على الشعب الفلسطيني، مثلما كان لها مع "المطبعين السابقين" حيث لم تصغ لحرف واحد من مطالبهم فيما حصدت الكثير من الامتيازات وخاصة مع الامارات.

يقول الكاتب السعودي علي الخشيبان في ذات المقال: والسعودية تدرك بكل عمق حفاظها على مكتسبات الأمة العربية والإسلامية وتدعم قضاياها الحيوية بمعنى القضية الفلسطينية!

السعوديون يريدون من أمريكا ثلاثة أشياء: معاهدة دفاع مشترك على شاكلة الناتو، والحصول على برنامج نووي مدني الطابع، والقدرة على شراء أسلحة متقدمة، وإن كان هذا المعلن اما بالقضية الفلسطينية فثوابتها معلومة، حيث أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن تطبيع علاقات بلاده مع إسرائيل لن يحصل قبل "منح الفلسطينيين دولة"، في تأكيد على موقف السعودية المتوافق مع الموقف الدولي الذي يدعو إلى "حل الدولتين" بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل! وهذا الامر شبه مستحيل في ظل حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو.

الأخبار المتواترة الآن تفيد بأن السعودية تستعد لاستضافة محادثات سلام بشأن اوكرانيا يحضرها مسؤولون كبار من 30 دولة من دول الغرب ومعهم الهند والبرازيل ودول اخرى دون روسيا، وذلك بتاريخ 5-6- آب المقبل لتوقيع المبادئ المشتركة لإنهاء الحرب الاوكرانية الروسية.

وفقاً لذلك فان السعودية باتت تطمح ان تكون ساحة لحل الأزمات العالمية، لكن أليس الأولى ان تكون ساحة لدعم القضية الفلسطينية بدلاً من الانخراط بمشاريع الاستسلام والتطبيع التي اضاعت هوية وشخصية من سبق في ذلك!

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

د.محمود الهاشمي

- كاتب وباحث عراقي




روزنامة المحور