المخدرات مصدر مهم لأمريكا والناتو

أمريكا والمخدرات

تتصاعد في الفترة الأخيرة الاتهامات والمزاعم بحق "حزب الله" بتجارة وتهريب المخدرات، هي اتهامات اليائس الذي يحاول تشويه صورة عدوه اللدود، صورة حزب الله – المقاومة – بما يمثله من حالة إيمانية تحظى بشعبية لا يستهان بها، خاصة أنها حالة مقاومة عابرة للحدود ضد المشروع الصهيوني، وحجر عثرة أمام الهيمنة الأميركية على مستوى الشرق الأوسط. حيث تحاول الولايات المتحدة إلصاق تهمة تجارة المخدرات بـ "حزب الله"، وهي التي ما فتئت أجهزتها الاستخباراتية تقوم بالكثير من العمليات القذرة، ومنها تصنيع وتهريب وتجارة المخدرات.

بداية، لا بد من الإشارة الى أُن وكالة الاستخبارات المركزية المعروفة اختصارا بـ "CIA" أنشئت بموجب قانون الأمن الوطني الذي وقعه الرئيس الأميركي هاري س. ترومان عام 1947 لتحل محل "مكتب الخدمات الاستراتيجية" الذي كان أسسه الرئيس "فرانكلين روزفلت" وذلك تحت ضغط الاستخبارات العسكرية ومكتب المباحث الفدرالية “FBI”.

وأنشئ بموجب القانون نفسه منصب مدير الاستخبارات المركزية ليكون رئيس أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة، والمستشار الأول للرئيس الأميركي لشؤون الاستخبارات المتصلة بالأمن القومي، بالإضافة لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية. وقد عدل قانون الأمن الوطني -بموجب قانون إصلاح الاستخبارات ومنع الإرهاب عام 2004-منصب مدير الاستخبارات الوطنية.

ولقد حددت مهام بالقيام وكالة الاستخبارات المركزية على جمع المعلومات من المصادر البشرية وغيرها من الوسائل المناسبة، إلا أنه لا يُسمح أن يكون لها أي عمل أمني داخلي أو الحق في استدعاء أي مشتبه، أو سلطة تنفيذ القانون أو وظائف الأمن الداخلي.

كما تربط بين المعلومات الاستخباراتية التي تتصل بالأمن القومي وتقييمها وتنسيقها، وإمكانية نشر مناسب لهذه المعلومات بهدف التضليل، وتدبير العمليات السرية التي ترى أنها تحقق الأهداف الأمنية الاميركية، سواء أكانت عمليات عسكرية أم تآمر سياسي.

وتنجز الوكالة مهمتها بواسطة تكنولوجيا عالية، وتعتبر من المصادر المستقلة للتحليل، وتتعاون بشكل وثيق مع المنظمات الأخرى من أجهزة الاستخبارات الأميركية المختلفة في قضايا مختلفة (مكافحة التجسس، الجريمة الدولية المنظمة، الاتجار بالمخدرات، الحد من انتشار الأسلحة...).

لكن رغم وجاهة هذه المهام والاهداف لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، فأنها انغمست في العمليات القذرة، ورغم أن دافعي الضرائب الاميركيين يوفرون ميزانية ضخمة للوكالة، إلا أن تدعي الحاجة، وتقوم بتمويل بعض العمليات القذرة والأمنية بأموال تهريب المخدرات حول العالم.

التصنيع الاميركي للمخدرات

كيف ينسى العالم اثناء الحرب الباردة، ما فعلته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية من خلال التجربة التي قامت بها أثناء الصراع مع المعسكر الشيوعي. وقصة هذه التجربة تعود الى خمسينيات القرن الماضي، يومها كان هوس الولايات المتحدة مستعراً لمنافسة الاتحاد السوفياتي في كل مجالات الحياة. أطلقت الولايات المتحدة على مشروعها اسم MK-Ultra في عام 1953، ويهدف الى التوصل الى دواء يمكن استخدامه كـ "إكسير الحقيقة" ووسيلة للسيطرة على الدماغ. وبدون أي وازع أخلاقي، أجرت المخابرات الأميركية اختبارات غير خاضعة للرقابة تماماً، حيث خدرت الأشخاص دون علمهم، ثم رقابتهم، كما كشف مجلةSan Francisco Weekly   التي التقت ببعض ضحايا المشروع عام 2012. كانت نتيجة المشروع ظهور المخدر الـ LSD، وكانت كلفت التجربة 240 ألف دولار يومها، وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قد أسست شركة واجهة لتمويل أبحاث علمية من قبل جامعات أميركية مرموقة مثل ستانفورد وMT لدراسة فعل البشر في ظروف اكلينيكية بدون أي تسريب أو لفت انتباه لاهتمام أي أجهزة معادية للمخدر المُصنع.

استمرت تجارب عقار الـ LSD لغاية العام 1964، ومن ثم تم استخدامه في الاستجواب، لإحداث نفسية "بمستويات لا يمكن إلا أن تسمى تعذيب: بحسب ما كشفت مجلة New Yorker.

قد تبدو هذه القصة للوهلة الأولى وكأنها سيناريو لفيلم من انتاج أستوديو هات هوليوود، كمثل فيلم "ميل غيبسون “” Conspiracy Theory”.

تهريب المخدرات من أفغانستان

ولم يتوقف نشاط الاستخبارات الأميركية على القيام بتجارب وتصنيع المخدرات، بل راحت تقوم بتهريب المخدرات، وكان الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون أفغانستان "زامير كابولوف" اتهم المخابرات الأميركية بالتورط بتهريب المخدرات، وأن " لديهم طائرات تقلع من قندهار ومن باغرام دون تفتيش إلى أي مكان، إلى ألمانيا، وإلى رومانيا" .

والجدير بالذكر، أن عمليات تهريب المخدرات تشكل مصدراً مهماً لدول حلف الناتو لا سيما واشنطن التي تمول بعض أنشطتها الاستخباراتية عن طريق تجارة المخدرات الأفغانية .

وتنتهج واشنطن سياسة قائمة على التناقض، فهي من ناحية تحارب الإرهاب، كما تزعم، ولكن من ناحية أخرى، ووفقا لبعض المعطيات الاستخباراتية، فإن الأميركيين يملكون حصة محددة من تهريب المخدرات الافغانية ناهيك عن حصة ليس بالقليلة من حماية زارعة المخدرات والتجارة بالسلاح في هذا البلد المحتل من أكثر من 16 سنة.

وبحسب تقارير غربية فان وكالة الاستخبارات الاميركية تمول عملياتها خارج الولايات المتحدة من ريع تجارة المخدرات الأفغانية وهذا يفسر الاهتمام الأميركي البالغ في الحفاظ على الوضع غير المستقر في أفغانستان.

وخلال ثمانينات القرن الماضي، حوّلت حرب الـ CIA الخفية على أفغانستان، آسيا الوسطى من منطقة مكتفية من الأفيون إلى أكبر مجهّز للسوق العالمي بالهيروين. وحتى نهاية السبعينات، كان المزارعون القبليون في أفغانستان وباكستان يزرعون كميات محدودة من الأفيون، وخلال عقد الحرب الخفية التي شنتها ضد الوجود السوفياتي في أفغانستان، قدمت الـ CIA الحماية السياسية والمعونات اللوجستية لربط حقول الأفيون في أفغانستان بأسواق الهيروين في أوروبا وأميركا.

ويرى أنطون مارداسوف، رئيس قسم دراسات الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط التابع لمعهد التنمية المبتكرة أن الولايات المتحدة، تنتهج هناك سياسة قائمة على التناقض، فهي من ناحية تحارب الإرهاب. أما من ناحية أخرى، ووفقا لبعض المعطيات، فإن الاميركيين يملكون حصة محددة من تهريب المخدرات. ويعتقد العديد من المحللين الغربيين أن العديد من العمليات، التي تنفذها وكالة الاستخبارات المركزية في الخارج، تموَّل من ريع تجارة المخدرات الأفغانية. وذلك يفسر الاهتمام الأميركي البالغ في الحفاظ على الوضع غير المستقر في أفغانستان.

والآن لدينا أفغانستان-الدولة التي كانت سابقاً منعزلة قابعة خلف العالم مع القليل من المخدرات، كانت طالبان قد قضت فعلاً، وباعتراف الأمم المتحدة على زراعة/ إنتاج الأفيون-لكن أفغانستان حالياً مسؤولة عن حوالي 80% من الإنتاج العالمي للأفيون، في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بتمويل وإدارة البلاد، حيث أن جيش الاحتلال الاميركي وجيش أفغانستان تُسيطر على 12 جزء من أراضي البلاد مقابل جزء واحد لطالبان .

يتولى أحمد والي-شقيق كرزاي-الرئيس الأفغاني مهمة حلقة الوصل. حيث تفيد بعض المصادر أن أحمد والي-شقيق حميد كرازي كان اللاعب الأساس في طباعة مئات آلاف بطاقات الاقتراع المزيفة   بغرض تمكين أخيه من سرقة الانتخابات الأفغانية. تَرك هذا الأمر في صمت، يطرح تساؤلات فيما إذا كانت CIA قد لعبت دوراً في تلك الفضيحة أيضاً!؟ بخاصة في بلد يتصف بصعوبة عمليات الطباعة أو نقل آلاف البطاقات المزيفة في ظروف محفوفة بالمخاطر وليس من المستغرب فيما إذا كانت وكالة مثل CIA والتي لديها القدرة على الطباعة واستخدام طائرات الهليكوبتر قد فعلتها لحفظ وحماية موجوداتها وسيطرتها في كابول!؟

كذلك وثق الصحفي الأميركي” دانيال هوبسايكر” عام 2014، بعد حصوله على سجلات تسجيل إدارة الطيران الفدرالية FAA قصة “الطائرة اللغز” الأميركية التي ضُبطت في تموز/ يوليو مع 35 كيلوغراما من الهيروين في مطار خارج سيدني، بأستراليا، كانت طائرة تابعة للـ CIA ومُسجّلة منذ 40 عاماً، بعقد بين الـ CIA ودائرة الغابات الأميركية. وهي طائرة ميرلين بمحرّكين. وهي طريقة تتبعها الـ CIA باستئجار طائرات من جهات أخرى واستخدامها في عمليات مشبوهة تبعد الأنظار عنها.

التهريب الأميركي في الحرب الكورية

فيما ذكرت مجلة «كاونتربنش» اليسارية الأميركية، في تقرير لها بعنوان تحت عنوان «سي آي إيه. 70 عاما من الجريمة المنظمة»، أن المخابرات الأميركية تتاجر في المخدرات وتمد بها ضباط إنفاذ القانون من أجل تهريب بعض الأشخاص على الحدود.

ونقلت المجلة ما كشفته تحقيقات أجراها عدد من الباحثين والصحفيين في التسعينيات واطلع عليها مجلس النواب أن المخابرات الأميركية كانت تهرب المخدرات بعد عام 1949 لبعض الجنرالات خلال الحرب الكورية مقابل الحصول على معلومات استخباراتية، وفي عام 1961 تم اتهامها بتهرب الهيروين والأفيون لدولة لاوس الواقعة على الحدود مع ميانمار خلال الحرب الفيتنامية، ونقله على متن طائرات تابعة للخطوط الجوية الأميركية، وكان ردها على كل ذلك أنه قانوني بحكم عملها من أجل مصلحة الأمن القومي، في حين حاولت إخفاء بعض جرائمها بالقتل ففي أكتوبر 2013.

قال اثنان من العملاء الفيدراليين إن عناصر من “CIA” تورطوا في عملية خطف وقتل عميل سري في وكالة مكافحة المخدرات، يدعى إريكي كامارين، من أجل التستر على جرائمهم بشأن تهريب المخدرات، وأكد على ذلك المتحدث باسم حكومة ولاية تشيهواهوا في شمال المكسيك بقوله إن “CIA” تدير شبكة كبيرة تهريب المخدرات داخل أمريكا وخارجها.

وهذا غيض من فيض ما تقوم به وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في مجالات تهريب وتجارة المخدرات، وادعاءاتها بالبراءة من ذلك، في حين الأدلة كافة تشير الى تورطها المكشوف، سنتحدث في الجزء الثاني عن فضيحة الكونترا، وتورط المخابرات الأميركية بإدخال المخدرات الى الولايات المتحدة، وتمويل الكونترا من هذه الأموال، وتمويل المافيا الإيطالية، وإدارة المخابرات لعمليات التهريب في كولومبيا.


الكاتب:

نسيب شمس

-كاتب وباحث سياسي




روزنامة المحور