معلومات تكشف عن دور الCIA في تهريب المخدرات حول العالم

ضبط أطنان من المخدرات في أمريكا اللاتينية

نستمر في الإضاءة على عمليات الاستخبارات المركزية الأميركية CIAفي مجال تهريب وتجارة المخدرات حول العالم، هذه الوكالة التي ما فتئت تحاول طمس الحقائق وإخفاء المعلومات، ومحاولة إلقاء التهم على حركات التحرر والمقاومة، ولكن لا بد للعالم أن يعرف الجمهور حقيقة هذه الاستخبارات ومهامها غير القانونية عبر البحار.

فضيحة الكونترا

لا يمكن لأحد أن ينسى الفضيحة التي سربتها ونشرتها الصحف العالمية، حول تورط المخابرات الأميركية في تهريب الكوكايين وإدخاله للولايات المتحدة، خلال حكم الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، ففي عام 1986 أقر المتحدث باسم الرئاسة الأميركية، بأن الأموال من مبيعات الكوكايين المهربة إلى أميركا ساعدت في تمويل متمردي الكونترا ضد حكومة نيكاراغوا خلال الحرب التي كانت دائرة بينهم في ذلك الوقت.

وأكملت الصحيفة: تربط الوكالة الاستخباراتية علاقات قوية مع كبار تجار المخدرات على مستوى العالم، ففي 2012، كشف موقع «ويكيليكس» أن الحكومة الأميركية وCIA تربطهما علاقات وثيقة بواحد من كبار تجار المخدرات بالمكسيك، ويدعى فيليكس غالاردو، المعروف بـ«بيل غيتس الكوكايين» وهو الأب المؤسس لعصابات المخدرات المكسيكية، وقد ساعد المخابرات الأميركية في اغتيال إريكي كامارين، الذي تم خطفه وتعذيبه وقتله عام 1985.

ولفت التقرير ذاته الانتباه إلى أن «صحف مكسيكية ذكرت في 2014، أن الحكومة الأميركية في عهد الرئيسين السابقين باراك أوباما وجورج دبليو بوش، عقدت اتفاقية سرية مع المجرم كارتل سينالوا المكسيكي، من أجل الحصول على معلومات سرية عن المنظمات الأخرى مقابل السماح له بتهريب أطنان من المخدرات للولايات المتحدة وإسقاط الجرائم الموجهة ضده، بمساعدة الاستخبارات الأميركية.

وفي الثمانينات من القرن المنصرم وأثناء إدارة رونالد ريغان، وكما ورد في تحقيق الصحفي غاري ويب  Gary Webb الذي كشف ببراعة ولأول مرة وثيقة في سلسلة مقالاته بعنوان "الحلف الأسود Dark Alliance" ونشرت في صحيفة San Jose Mercury، وبعدئذ في كتاب يحمل نفس العنوان، متضمناً بأن ألـ CIA ضالعة بعمق في تطوير وتهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة والتي سرعان ما غمرت البلاد في شكل وباء الكوكايين المستمر لتحطيم الأمريكان الأفارقة وغيرهم من المجتمعات الأمريكية الفقيرة  على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، كما تحولت القصة الى فليم سينمائي.

وهنا مارست صحيفة نيويورك تايمز وصحف رئيسية أخرى من ضمنها الواشنطن بوست ولوس انجلس تايمز دوراً سيئاً بمهاجمة ومحاربة غاري ويب بدون خجل وتحطيم جهوده وسمعته المهنية، ودفْعه أخيراً إلى الانتحار، رغم الحقائق الدامغة التي أوردها الصحفي، في هذه القضية حيث أظهر أن الوكالة كانت تستخدم فعلاً المخدرات كوسيلة لتمويل الأسلحة/ العمليات القتالية/ الحربية، إذ كان بإمكانها استخدام طائراتها الهليكوبتر لتمويل قوات الكونترا بغية تدمير الحكومة السندينية في نيكاراغوا، وذلك في وقت كان الكونغرس قد منع الولايات المتحدة من دعم الكونترا في عام 2013، وكانت ست مواد مسؤولة عن جميع جرائم الاتجار بالمخدرات تقريبًا: مسحوق الكوكايين والميثامفيتامين والماريجوانا وكوكايين الكراك والهيروين والأوكسيكودون.

الاستخبارات الأميركية وتمويل المافيا الإيطالية

كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ال CIAتخشى من وقوع إيطاليا وصقلية في يد الشيوعيين أثناء الحرب الباردة، لذا قامت بتمويل المافيا الإيطالية ومدّها بالسلاح.

وقامت أيضاً بتجنيد العصابات في نيويورك وشيكاغو وإرسالهم إلى صقلية ليفعلوا ما يشاؤون، أي تجارة الهيروين. وبمساعدة الـ CIA، قاموا ببناء مختبرات لصناعة المخدرات والسيطرة على موانئ عدة وإنشاء شبكات دولية لتجارة وتهريب المخدرات، وكانت هذه العملية تدر أموالاً طائلة.

ولقد ساعدت الوكالة الأميركية أيضاً المافيا الإيطالية لإحكام السيطرة على صقلية وإبقاء الشيوعيين خارجها، إلا أن ذلك أدى الى ازدهار تجارة الهيروين إلى يومنا هذا. ومن النتائج العكسية والغريبة لتلك الحرب هو تفشي الإدمان على مادة الهيروين في العالم. بما فيهم 30 ألف جندي أميركي عليه.

وقد كشف تقرير صدر عام 2014 عن أن الأمريكيين أنفقوا حوالي 100 مليار دولار سنويًا على مدى العقد الماضي على المخدرات غير المشروعة.

المخدرات الكولومبية جسر نحو فنزويلا

تستخدم الولايات المتحدة الأساليب كافة لتحقيق أهدافها في الهيمنة، وبذريعة القضاء على تجارة المخدرات في كولومبيا، أعلنت السفارة الأميركية في بوغوتا في أيار/مايو 2020 أنّ كتيبة من قوات الدعم الخاصة ستصل إلى كولومبيا مطلع حزيران/يونيو، هذه الكتيبة مؤلّفة من حوالي 800 ضابط وجندي بزعم "مساعدة الجيش الكولومبي في مكافحة المخدرات"، وخاصة في المحافظات التي تُعاني من الفقر والبطالة وعددها ست محافظات، وأن مهمة هذه الكتيبة ستستمر لعدة أشهر.

هذا الاعلان أثار موجة من ردود الفعل الغاضبة، وخاصة في صفوف المعارضة والقوى اليسارية والقوّات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك، جيش الشعب) التي عبَّرت فيها عن مخاوفها من "عودة التصعيد للحرب الداخليّة كما كانت عليه قبل أكثر من عشرة أعوام عندما طبقت الإدارات الأميركية السابقة ما سُمي بخطة كولومبيا، والتي كلّفت الخزينة الأميركية أكثر من 10 آلاف مليون دولار، وكان هدفها الحقيقي محاربة القوى الثورية المسلحة وخاصة فارك، وليس مُحاربة أو مكافحة المخدرات".

ومن المعروف أنه توجد على الأراضي الكولومبية سبعة قواعد عسكرية أميركية تعتبر هامة للغاية من الناحية الاستراتيجيّة في القارة، وتدفع الولايات المتحدة سنويًا بدل ذلك 2800 مليون دولار لحكومة بوغوتا، وتُعتبر بمثابة احتلال لكولومبيا، مما حوّل هذا النظام إلى الأكثر تبعيّة وخضوعًا لأميركا اقتصاديًا وعسكريًا، وقدّمت مساعدات وخدمات هائلة لقوّات النظام وصلت إلى حد الاشتراك المباشر في القتال ضد الثوّار، وتدخلت بشكلٍ مباشر في الحوار الذي تم بين الحكومة الكولومبية وثوّار فارك الذين توصلوا لاتفاق سلام مع الحكومة.

أمَّا الولايات المتحدة فإنّ استراتيجيتها تقوم على أساس أن "احتلال" كولومبيا ضروري من أجل السيطرة على فنزويلا، وهي ترى ضرورة القضاء على الثوّار والمقاومة المسلّحة في كولومبيا والتي تعتبر من أقدم الثورات المسلّحة في العالم.

في الختام، لا شك ان وكالة الاستخبارات المركزية CIA تلعب أدواراً قذرة أيضا في تأليب الرأي العام، حيث توظف أقلاماً مأجورة تعمل على تشويه نضالات الشعوب وصورة المقاومة وحركات التحرر بإلصاق الاتهامات بممارسة الموبقات، ولقد وقعت هذه الاستخبارات في شر أعمالها وظهر للعلن ما تمارسه بحق الشعوب عامة وبحق الشعب الأميركي خاصة، وحصلت على لقب عاصمة المخدرات في العالم.


الكاتب:

نسيب شمس

-كاتب وباحث سياسي




روزنامة المحور