الأربعاء 09 آب , 2023 04:08

هل تزيد روسيا من حضورها في النيجر على حساب الهيمنة الغربية؟

الانقلاب في النيجر والتنافس الدولي

بعد مرور أسبوعين على الانقلاب، لا يزال الرئيس النيجري محتجزاً في غرفة ضد الرصاص. كانت الأصوات التي تهتف للرئيس الروسي خارج القصر، أقوى من ان تتجاهلها القوة الاستعمارية القديمة -فرنسا-، كما الولايات المتحدة التي أنفقت حوالي 500 مليون دولار لبناء الجيش النيجري، الذي قرر "عدم الخوض في المواجهة". يطغى على المشهد حدثان هامان، هما المحركان الرئيسيان للمرحلة المقبلة: القبول الشعبي بحضور روسي أكبر مع اندفاع موسكو لتحقيق ذلك، وقلق غربي من عدم القدرة على المواجهة بالمستوى المطلوب، في ظل حالة عدم اليقين التي تسيطر على "حلفائه" بالداخل، خاصة بعد تصريح سفير النيجر في واشنطن بعيد الانقلاب "من الجيد جداً أن نكون أصدقاء للغرب، لكن قد لا يكون ذلك مفيداً عندما تأتي الأوقات الصعبة".

الحضور الروسي ليس جديداً

تشهد الدول الافريقية تدافعاً حاداً نحوها. ففي الوقت الذي كان توجه عدد من الدول الخليجية والغربية للدول الافريقية الغنية بالمعادن والنفط والموارد الزراعية (تنتج النيجر حوالي 5 ٪ من إمدادات العالم من اليورانيوم)  نهباً استعماريّاً بشكل صريح، كانت روسيا تهندس حضورها منذ زمن، خاصة في النيجر ومالي وغينيا، التي ترى في روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتي، قوة قوية مناهضة للاستعمار وتسعى إلى تحرير الأفارقة من الاضطهاد الأوروبي والأميركي الرأسمالي. وتأتي هذه المقاربة لدى هؤلاء، بعد إصرار موسكو على تقديم المساعدة الاقتصادية والعسكرية للحكومات ذات الميول الاشتراكية والحركات التي تخوض حروب التحرير، طيلة العقود الماضية.

في السنوات الأخيرة، تدفقت عمليات نقل الأسلحة الروسية إلى إفريقيا. حيث وفرت 40٪ من الأسلحة التي استوردتها الدول الأفريقية منذ عام 2018. وفي الوقت نفسه، أصبحت مجموعة فاغنر الروسية حاضرة بشكل لافت في المصالح الأمنية لدول مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان، وتعدى الأمر المساعدة في التدريب العسكري، بل تولي مسؤولية حماية الذهب ومناجم أخرى، مقابل حصة من الأرباح، أيضاً.

وعلى الرغم من ان حجم التجارة بين الصين وتلك الدول تتفوق على روسيا، إلا ان الأخيرة تحافظ على نفوذ كبير في القارة. وهذا لا يشمل الأسلحة فحسب، بل القطاع الزراعي الحيوي، حيث تعتمد القارة اعتماداً شديداً على الواردات الغذائية التي تضع روسيا في وضع فريد لا تستطيع الصين أو غيرها شغله بسهولة، بعد ان وصل حجم الصادرات الروسية إلى النيجر تحديداً، (وهي أكبر دولة في غرب أفريقيا) إلى أكثر من 2 مليار دولار عام 2021.

كانت الإطاحة بمحمد بازوم هي الأحدث في سلسلة من الانقلابات الأخيرة التي امتدت من جانب واحد من أفريقيا إلى الجانب الآخر. واستولت المجالس العسكرية على خمس دول في غرب ووسط أفريقيا في السنوات الثلاث الماضية، خمسة منها مستعمرات فرنسية سابقة. وعلى ضوء الخسائر التي فرضها الواقع المستجد في تلك المنطقة، نتيجة ما جرى من أحداث، لا يحتمل الغرب استنزافاً آخر في النيجر. إلا ان انكار ما حدث، وعزوف واشنطن على تسمية الانقلاب انقلاباً في مختلف التصريحات والبيانات التي صدرت عن الجهات الأميركية الرسمية، لا يغيّر في الواقع شيئاً. في حين انها تستغل "لعبة المصطلحات" هذه، لأجل ضمان استمرار تدفق الأسلحة لقوات الكوماندوس التابعة لها في الداخل النيجري، دون عرقلة من الكونغرس.

الواقع، ان ما جرى لم يكن مفاجئاً لموسكو بقدر ما كان على باريس. وعلى الرغم من ادراك الأخيرة بأن الظروف التي هيّأت ترسيخ نفوذها طيلة العقود الماضية، قد تغيّرت، وبدأت تتلمس الحضور الروسي الذي يتزايد، إلا انها كانت تعوّل حتى اللحظة الأخيرة على احكام قبضتها على المؤسسات الأمنية والسياسية في البلاد. في حين كانت تعمل روسيا بتأنٍ.

مع بدء العملية العسكرية التي أطلقتها روسيا في أوكرانيا، امتنعت العديد من الدول الأفريقية، ولغير مرة، عن ادانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي حين، اثار الغاء روسيا لاتفاق تصدير الحبوب (وهو ما يؤثر على الامدادات الغذائية في القارة) غضب بعض الزعماء الأفارقة، وعد بوتين بتأمين الحبوب المجانية إلى ست دول أفريقية.

ثمة من يقول ان الانقلاب سيجعل من أي سيناريو متوقع، من بينها السيطرة الروسية على بعض أهم قواعد الطائرات بدون طيار الأمريكية، التي تستخدم للقيام بمهام عبر الصحراء الكبرى بين ليبيا ونيجيريا. اذ ان ما يثير قلق الإدارة الأميركية، ان ذلك لن يُعدّ سابقة، بعد ان سيطرت قوات فاغنر على مواقع أميركية وفرنسية في سوريا ومالي، وثانياً، عدم قدرتها على التعويل على القوات المسلحة التي أعلنت تأييدها الضمني للانقلاب.

بينما كان الانقلاب يتكشف في النيجر خلال الأسبوع الماضي، كان بوتين يقوم بخطوة يطوي بها المسافات أيضاً، مع بعض القادة الأفارقة في قمة في سان بطرسبرج، حيث انتقد الاستعمار الغربي واستقطب الحاضرين بالهدايا، بما في ذلك تخفيف الديون عن الصومال، ومختبر طبي متنقل لأوغندا، وحتى طائرة هليكوبتر رئاسية لزعيم زيمبابوي.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور