الثلاثاء 22 آب , 2023 12:55

بريكس+.. G7 الشرقية في مواجهة G7 الغربية والدولار

دول البريكس

ثلاث ملفات رئيسية ستكون على جدول أعمال " بريكس " وتتلخص في الأمن الغذائي، والأمن النقدي، والأمن العالمي، ولا شك في أن الملفات الثلاث تأتي في مضمار التنمية العالمية وتعطش الدول لها عقب سلسلة من الحروب التي دمرت البنى التحتية وطالت الناتج الإجمالي للاقتصادات القومية.

وتسعى " بريكس " منذ تأسيسها في العام 2009 للتحول إلى قوة اقتصادية عالمية ورغم العقبات الكثيرة لكنها قطعت أشواطاً لا بأس بها لفرض نفسها كقوة عالمية، لذا فإن أحد الموضوعات الرئيسية التي ستناقشها هي "تصميم وتنفيذ عملة احتياطية دولية" على أساس "سلة عملات بريكس" والتي ستكون الأولى من نوعها في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين.

بالتالي فإننا سنبدأ بالأمن النقدي والذي يعني التحرر من هيمنة الدولار وسياساته المرتبطة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي واستخدامه من قبل الولايات المتحدة الأميركية كسلاح "استراتيجي" لفرض العقوبات ضد الدول التي لا تدور في فلكها ولا تلبي إرادتها.

فكان لا بد من إيجاد سياسة نقدية عالمية بديلة عن التعاملات بالدولار وعلى الرغم من  عدم الوصول إلى عملة موحدة بديلة بين دول بريكس ، إنما العملات المحلية لبت بعض الطموحات التحررية لتقليص هيمنة الدولار في مدفوعات التجارة العالمية والتي بدأت فعلياً مع تصاعد تكلفة السلع المسعرة بالدولار وارتفاع أسعار الفائدة والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وترسيخ روسي لمعادلة "الغاز مقابل الروبل"، ردا على العقوبات الغربية لتنسحب هذه المعادلة إلى باقي المنتجات ولتتدحرج إلى باقي الدول "الصديقة" في تبادلاتها التجارية.

وهذا "التحرر" دفع أعضاء في " بريكس" لزيادة استخدام العملات المحلية في التجارة البينية بعد ارتفاعها لحوالي 56 % إلى 422 مليار دولار على مدى السنوات الماضية، وبلوغ الناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس نحو 26 تريليونا دولار، أي أكثر من ربع الناتج الإجمالي العالمي، ليبدأ التفكير جديا بإنشاء نظام دفع مشترك، وتعزيز دور بنك التنمية الجديد الذي أسسته المجموعة في 2015 كبديل لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي من خلال توسيع مصادر تمويله.

ورغم تقلص دور بنك التنمية مؤخرا بسبب العقوبات الغربية على روسيا التي كانت تمثل أحد مصادر التمويل، لكن الاقتراحات ما زالت تقول بأنه إذا قامت "بريكس" بزيادة أعضائها مع مرشحين يتراوحون من الجزائر وإيران والأرجنتين إلى تركيا والسعودية والإمارات، فإنها ستكون مسؤولة عن حصة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مثل مجموعة السبع "الغربية"، فإن صوت الدول الأعضاء سيصبح أقوى في العالم بمعنى أن تكون " بريكس +" هي G7 الشرقية في مواجهة G7 الغربية، على اعتبار أن المجموعة تعتبر نظاما مصغرا وضع العالمية في "الجنوب" قياسا على التقسيمات الغربية لدول الشمال والجنوب.

وبالرغم من أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد أعلن بأن منظمة "بريكس" لا تهدف لأن تصبح "قوة مهيمنة جماعية جديدة" ومن بين أولويات الجمعية وفق لافروف هو تعزيز إمكانات بنك التنمية الجديد، ومجمع احتياطيات النقد الأجنبي المشروط لبريكس، وتحسين آليات الدفع، وزيادة دور العملات الوطنية في التسويات المتبادلة.

كما أن هناك جدية في هذا الطرح بعد العقوبات الغربية "الهستيرية" ضد روسيا، وإلغاء الدولرة الكلي المفروض على موسكو؛ وزيادة التجارة بين دول بريكس، وعلى سبيل المثال، سيأتي ربع الطلب على مصادر الطاقة عالميا من الصين والهند، بحلول عام 2030 مع الأخذ بعين الاعتبار أن روسيا هي المورد الرئيسي للطاقة وهذا يعني عدم سماح كل من روسيا والصين والهند المخاطرة بأن تكون محرومة من النظام المالي الذي تهيمن عليه G7، لذا لا بد من إيجاد نظام مالي بديل، ودول بريكس تمثل في مرحلتها الحالية 40٪ من سكان العالم، و 25٪ من الاقتصاد العالمي، و 18٪ من التجارة العالمية، وتساهم بأكثر من 50٪ في النمو الاقتصادي العالمي.

وهذه الأسواق "الناشئة" تسعى إلى إنشاء نظام إقليمي مواز، أو ربما نظام اقتصادي عالمي جديد، وفعليا هذا ما تتم مناقشته بزخم حول طروحات "السيادة الاقتصادية العالمية" وتبادل الأفكار حولها بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والصين.

لذا فإن ما يحدث على الجبهة المالية عبر أوراسيا سيستمر بالتوازي مع مبادرة التنمية العالمية التي أعلنها الرئيس الصيني شي جين بينغ في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي يمكن اعتبارها كآلية دعم للاستراتيجية الصينية الشاملة "مبادرة الحزام والطريق".

وإقليميا، كان من اللافت تصريح وزير المالية السعودي محمد الجدعان، في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أن الرياض "ستدرس تداول العملات بخلاف الدولار الأميركي"، وهذ التصريح فيه تمرد على سياسة "البترودولار" ويطرح تساؤلا حول البترويوان أو البتروروبل وربما البتروبريكس! في المقابل، يدرس البنك الإيراني اعتماد "عملة مستقرة" مع نظيره الروسي لتسويات التجارة الخارجية، لتحل محل الدولار وعلى خطاه يسير التركي والإماراتي!

فيما تعتبر العملة الرقمية المدعومة بالذهب للتجارة سدا منيعا أمام هيمنة الدولار في المنطقة الاقتصادية الخاصة في بحر قزوين حيث تتم التبادلات التجارية الروسية في ميناء "أستراخان" الذي يعتبر ممر للنقل الدولي وتبادل البضائع، ولكن نجاحها متوقف على رفض الدول التي تستفيد من هذا الميناء لتطبيق العقوبات التي تمليها الولايات المتحدة على كل من روسيا وإيران.

وأكد وزير خارجية جنوب إفريقيا (رئيسة القمة الحالية) ناليدي باندور أن "دول بريكس تريد إيجاد طريقة لتجاوز الدولار الأميركي" وبالتالي إنشاء "نظام دفع أكثر عدلا لا يميل نحو الدول الأكثر ثراء".

وهذه الأسواق "الناشئة" تسعى إلى إنشاء نظام إقليمي مواز، أو ربما نظام اقتصادي عالمي جديد، وفعليا هذا ما تتم مناقشته بزخم حول طروحات "السيادة الاقتصادية العالمية" وتبادل الأفكار حولها بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والصين.

لذا فإن ما يحدث على الجبهة المالية عبر أوراسيا سيستمر بالتوازي مع مبادرة التنمية العالمية التي أعلنها الرئيس الصيني شي جين بينغ في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي يمكن اعتبارها كآلية دعم للاستراتيجية الصينية الشاملة "مبادرة الحزام والطريق".

وإقليميا، كان من اللافت تصريح وزير المالية السعودي محمد الجدعان، في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أن الرياض "ستدرس تداول العملات بخلاف الدولار الأميركي"، وهذ التصريح فيه تمرد على سياسة "البترودولار" ويطرح تساؤلا حول البترويوان أو البتروروبل وربما البتروبريكس! في المقابل، يدرس البنك الإيراني اعتماد "عملة مستقرة" مع نظيره الروسي لتسويات التجارة الخارجية، لتحل محل الدولار وعلى خطاه يسير التركي والإماراتي!

فيما تعتبر العملة الرقمية المدعومة بالذهب للتجارة سدا منيعا أمام هيمنة الدولار في المنطقة الاقتصادية الخاصة في بحر قزوين حيث تتم التبادلات التجارية الروسية في ميناء "أستراخان" الذي يعتبر ممر للنقل الدولي وتبادل البضائع، ولكن نجاحها متوقف على رفض الدول التي تستفيد من هذا الميناء لتطبيق العقوبات التي تمليها الولايات المتحدة على كل من روسيا وإيران.

وأكد وزير خارجية جنوب إفريقيا (رئيسة القمة الحالية) ناليدي باندور أن "دول بريكس تريد إيجاد طريقة لتجاوز الدولار الأميركي" وبالتالي إنشاء "نظام دفع أكثر عدلا لا يميل نحو الدول الأكثر ثراء".

وبالتالي فإن الاقتراح القائل بإنشاء عملة احتياطية جديدة على أساس سلة من عملات دول بريكس والذي تم صياغته عام 2018 هو الأقرب للتطبيق لأن هذه "السلة" الآن من بين العملات الأكثر سيولة عبر الأسواق الناشئة، لذا فإن لدى بريكس بالفعل منصة لمداولاتهم النقدية والتجارية على المدى القريب والبعيد. ويمكنها أن تبدأ في أداء دور التسويات والمدفوعات بالإضافة إلى تخزين الاحتياطيات ل البنوك المركزية في الاقتصادات الناشئة. ويبرز اليوان الصيني في السلة لأن وضعه الاحتياطي متقدم فعليا، كما أن هناك مرشحين محتملين يمكن أن يصبحوا جزءا من "السلة" مثل الدولار السنغافوري والدرهم الإماراتي والريال السعودي.

ولحماية هذه السلة، لا بد من اعتماد معيار جديد للذهب، استنادا إلى أن "بريتون وودز" كانت بالأساس بالاعتماد على الذهب (قبل التخلي عنها)، وأهمية هذا المعدن تكمن بأنه أداة لمحاربة العقوبات الغربية إذا تمت إعادة حساب أسعار السلع العالمية ك "النفط والغاز والأغذية والأسمدة وغيرها"، بالذهب وفق ما كان سائدا، ولا ننسى بأنه عندما تم إنشاء نظام "بريتون وودز"، كانت أميركا تمتلك معظم ذهب البنك المركزي وتسيطر على نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وهذا هو الأساس الذي استندت إليه للسيطرة على النظام المالي العالمي بأكمله. وإذا ما تم تطبيق هذا المعيار اليوم فمن شأنه تعزيز اقتصادات "بريكس" من خلال "الذهب" وسيسمح بتحول بلدانها لريادة عالمية في إنتاج الذهب، وحينها ستمتلك عملة محلية قوية وميزانية قوية واقتصادا قويا.

وإذا ما تم هذا الربط الثنائي للعملة ب "الذهب" و "الغاز – النفط" فإن الدولار الأميركي "سيمحى" وسيفقد قيمته، وسيكون "البتروبريكس" أو "غازبريكس" هو المنتصر على قيمة الدولار، رغم العواقب التي تقول بتصفير الديون! لكننا نرى العديد من الدول التي تولي اهتماما وثيقا للتوجه نحو عملة جديدة بخلاف الدولار، مكتملة بمعيار ذهبي جديد سيحل محله في الوقت المناسب.

وكل هذا يحدث في الوقت الذي تختفي فيه أوكرانيا ببطء عن جغرافيتها الحالية في وقت قررت فيه الغالبية المطلقة من دول "الجنوب" الالتزام بالكتلة "البينغبوتينية". وقد تكون الهيمنة الاقتصادية ل "بريكس +" بعد سنوات قليلة فقط، وليس عبثا أن "فورين بوليسي" الأميركية أقرت بأن "الجنوب العالمي يتوق إلى بديل عن النظام العالمي الذي يهيمن عليه الغرب. وستظهر القمة ما إذا كانت آمال الدول النامية سوف تتحقق أم لا."

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

د.سماهر عبدو الخطيب

-كاتبة صحافية سورية وباحثة في العلاقات الدولية والدبلوماسية.

 




روزنامة المحور