لم تعد الاستعراضات العسكرية الأمريكية تجدي نفعاً في منطقة غرب آسيا، وربما هذا ما لا يزال يجهله صناّع القرار في واشنطن، أو يتغاضون عنه رغبة في تهدئة وتطمين حلفائهم وأتباعهم لا أكثر. وهذا ما يمكننا تفسير التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة في سوريا والعراق به، مع الأخذ بعين الاعتبار احتمال حصول العكس، خاصةً إذا ما حصلت تطورات ميدانية تدفع نحو التوتير والاشتباك المباشر ما بين محور المقاومة والقوات الامريكية.
فمنذ شهر دخلت قوافل عسكرية أمريكية إلى العراق، عبر معبر عرعر السعودي، بشكل شبّهه البعض بالاستعراض. وانتقل بعدها قسم من القوافل إلى قاعدة عين الأسد غربي العراق، بينما اتجه الباقي نحو قاعدة الاحتلال الأمريكي في التنف في سوريا.
وهذا ما دفع بالبعض، خاصةً الجهات المعادية لمحور المقاومة الى التهويل والتخيّل، من أن الجيش الأمريكي بصدد القيام بحملة عسكرية ضد حلفاء الدولة السورية، تؤدي الى قطع سوريا عن العراق نهائياً، عبر السيطرة على منطقة البوكمال. وبالتالي قطع مسار الترابط الجغرافي لمحور المقاومة في عقدة وصله. حتى أن البعض بالغ في خياله، ليقول بأن أمريكا قد تهدف الى رسم معادلة ميدانية جديدة لتخفيف الوجود الإيراني في سوريا، ولتكريس ذلك لاحقاً كمعادلة سياسية في إطار الدستور الجديد المزمع الاتفاق عليه، مع اعترافه بأن تحقيق ذلك هو أمر صعب لقوة من وصفهم بالمجموعات الإيرانية المتواجدة في تلك المنطقة.
أين المصلحة أمريكية من اندلاع صراع عسكري مباشر مع قواتها في سوريا؟
يتحدث بعض الخبراء بأن هناك حاجة ماسّة لدى إدارة بايدن الى تحقيق إنجازات ما قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، المُزمع إجراؤها في تشرين الثاني / نوفمبر من العام 2024، خاصةً إذا ما لم يسفر "الهجوم الأوكراني المضاد" عن أي نتائج تذكر. ويضيفون بأن هذا ما قد يدفع واشنطن للجوء الى خطة احتياطية تتعلق بسوريا (تحقيق انجاز عسكري ما هناك ضد محور المقاومة أو ضد الوجود العسكري الروسي).
لكن هذا الرأي يقابله أصوات في إدارتي كل من الرئيس جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب، دائماً ما كانت تدعو الى انسحاب القوات الأميركية من سوريا. لذا فإن الحديث عن أي سيناريو لعمل عسكري أمريكي سيكون من باب التهويل لا أكثر، لأن عسكريي الإدارة الأمريكية قبل سياسييها يعلمون تكاليف أي خطوة غير محسوبة يقومون بها.
فمنطقة الحدود العراقية السورية هي ذات أهمية استراتيجية كبرى لمحور المقاومة، لا تقتصر أهميتها على جهة دون أخرى، بل ترتبط بكل المحور. وبالتالي لن يسمح إطلاقاً بالإخلال في توازن الردع هناك، وربما سيكون المحور مستعداً لأخذ أكثر الخيارات دراماتيكية (حتى درجة الحرب الكبرى).
البديل الأمريكي: داعش والتوتر الداخلي
وعليه فإن الأكثر ترجيحاً، هو اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق مصالحها على أمرين يحصلان حالياً: تصاعد عمليات تنظيم داعش الوهابي الإرهابي، والتوتر الداخلي الذي تنفذه بعض الجهات الداخلية السورية بتحريض واضح من إدارة بايدن في منطقة السويداء ودرعا.
فعلى صعيد عمليات تنظيم داعش، تصاعدت منذ أسابيع عمليات التنظيم في منطقة غرب آسيا، لا سيما في سوريا، الذي حصل فيها أكثر 3 هجمات إرهابية كبيرة، اثنان منها ضد حافلة مبيت الجيش السوري وواحدة ضد أهداف مدنية في منطقة السيد زينب (ع) خلال أيام عاشوراء. وفي هذا السياق تحدّثت بعض المصادر، عن تزامن حصول هذه العمليات الإرهابية، مع هروب عدد من أعضاء التنظيم من السجون التي تشرف عليها القوات الأمريكية في منطقة شرق الفرات.
أما بالنسبة للتوتر الداخلي، فإن منطقة الجنوب السوري تعيش منذ أيام تحركات شعبية تحت شعارات معيشية محقّة، لكن تقوم بعض الجهات المشبوهة بالتحريض وتغيير بوصلة الاحتجاج الى ما هو أبعد من المطالب المحقة (يبيّن على الجهة المحرضّة)، من إطلاق لشعارات سياسية فتنوية، والمناداة بمشاريع تقسيمية خطيرة، بما يعززّ فرضية أن ذلك ما هو الى في سياق جولة جديدة من الحرب التركيبية على سوريا.
الكاتب: غرفة التحرير